b4b3b2b1
المرثية الحسينية في شعر (مظهر اطيمش) .. الرؤية والمحور | الإمام الحسين (عليه السلام) في الشعر المصري | كربلاء أرض ملهمة للشعراء والأدباء | المرأة والعائلة | بدر شاكر السياب: وانتصر الحسين | نظرية المسرح الحسيني | الشاعر أبو فراس الفرزدق ينظم في مدح الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) |

الإمام الحسين (عليه السلام) في الشعر المصري

 

29 ربيع الأول 1433 - 22/02/2012

بقلم/ محمد الصفار

ارتبط أهل هذه الأرض بمحبة أهل البيت (ع) ومودتهم منذ أن دخل إليهم الإسلام وارتفعت راية التوحيد على أرضهم وصدحت حناجر التكبير في ارجائها، وشهدت الوقائع التاريخية وخاصة في صدر الإسلام على مدى تغلغل العقيدة الإسلامية ومودة أهل البيت(ع) في نفوس المصريين، ويدلنا قول أمير المؤمنين(ع) في كتابه الذي بعثه اليهم حين ولّى عليهم مالك الاشتر فخاطبهم قائلاً: [من عبد الله علي امير المؤمنين الى القو الذين غضبوا لله حين عُصي في أرضه وذُهب بحقه...] /نهج البلاغة (جـ3 خطبة38).

كما وصفها (ع) بأنها أعظم أجناده في نفسه كما في كتابه الى محمد بن ابي بكر حين قلّده اياها فجاء في الخطبة 27 في نفس الجزء من نهج البلاغة قوله (ع): [واعلم يا محمد بن ابي بكر اني قد وليتك أعظم اجنادي في نفسي أهل مصر...].

وبلغت ذروة العلاقة بين اهل مصر واهل البيت(ع) في عهد الفاطميين الذين بنوا الجامع الأزهر والذي أصبح في عهدهم أعظم جامعة اسلامية عاشت مصراً بأنها حياة علمية زاخرة وحققت الكثير من الانجازات في الميادين العلمية والفكرية والادبية كما عُني الفاطميون بالمناسبات الدينية ومنها التي تخص اهل البيت (ع) وخاصة يوم عاشوراء.

يقول ابو الفداء اسماعيل بن كثير في تاريخه يصف يوم عاشوراء في أيام الفاطميين: (وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلاثمائة جرى الامر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين الى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد).

وقال القريزي في خططه: (كانوا – أي الفاطميين – ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الابل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم).

ورغم ان السياسات التي تلت دولة الفاطميين قد حاولت أن تقطع هذه العلاقة الصميمة والحب لأهل البيت(ع) من نفوس الشعب إلا ان هذا الحب والولاء الخالص كان اكبر من كل الاساليب التي مورست لمحوه ونجد آثار هذا الحب نابضاً في الشعر المصري الذي عبّر عن انصهار الشعراء المصريين في قضية أهل البيت(ع) ووقوفهم الى جانبها وخاصة قضية الإمام الحسين (ع) ووقفته الخالدة فعبروا عن تفجعهم لما جرى على آل الرسول في كربلاء.

واقدم ما استطعنا العثور عليه من المصادر والمراجع من الشعر المصري في رثاء سيد الشهداء (ع) هو للشاعر أبي محمد بن طلحة بن عبيد الله بن محمد بن ابي العون الغساني المعروف بـ(العوني المصري) المتوفى سنة350هـ بمصر، وقد رووا عنه ان (له في الائمة المعصومين اكثر من عشرة آلاف بيت).

وقد جمع العلاّمة الباحث الشيخ محمد السماوي من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ورتّبها في ديوان ،ومن مراثيه في الامام الحسين (ع):

فيا بضعة من فؤاد النبي بالطف أضحت كثيباً مهيلا

ويا كبداً من فؤاد البتول بالطف شلّت فأصبحت اكيلا

قُتلت فأبكيت عين الرسول وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وعبقت النفحات الولائية من بيت الخلافة الفاطمية ،فهذا شاعر من البيت الفاطمي يصدح برثاء الحسين(ع) وهو الامير ابو علي تميم بن الخليفة العز لدين الله معد بن اسماعيل الفاطمي المتوفى سنة374هـ بمصر فيقول:

وكم بأعالي كربلاء من حفائر بها جثت الابرار ليس تعاد

بها من بني الزهراء كل سميدعٍ وجوه بها كان النجاح يُفادُ

وهذا شاعر وصفه السيد الامين في اعيان الشيعة بشاعر آل محمد (ص)، وهو شاعرٌ مجيد اشتهر بقصيدته الكافية في مدح أهل البيت (ع) وهو الشاعر ابن جبر المصري المتوفى سنة 487 هـ يقول في هذه القصيدة عندما يصل الى رثاء الحسين(ع):

وأبكي قتيلاً بالطفوف لأجله بكت السماء دما فحق بكاكِ

ان تبكم في اليوم تلقاهم غداً عيني بوجه مسفرٍ ضحّاكِ

يا رب فاجعل حبهم لي جنة من موبقات الظلم والإشراكِ

كما غمر الولاء الحسيني الوزارة الفاطمية، فهذا الشاعر الوزير الملقب بالملك الصالح وفارس المسلمين طلابع بن رزّيك المتوفى سنة556هـ بمصر يسخّر شعره وشاعريته في سبيل قضية اهل البيت ونهضة الحسين(ع) المباركة يقول في إحدى مراثيه:

أيا نفس من بعد الحسين وقتله على الطف هل ارضى بطول حياتي

واني لأخزي ظالميه بلعنةٍ عليهم لدى الآصال والغدوات

وهذا شاعر من مقدمي شعراء مصر وكتابهم وأوحد عصره في مصره نظماً ونثراً وترسّلاً وشعراً كما يصفه المؤرخون وهو القاضي الجليس ابو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الأغلي السعدي التميمي يزخر شعره بحب أهل البيت (ع) ومدحهم ويبكي لما جرى عليهم من الظلم لا سيما في واقعة كربلاء فيقول في احدى مراثيه:

إيما فوق الارض فيض دم الحسين ولا تمورُ؟

أترى الجبال درت ولم تقذفهم منها صخورُ؟

أم كيف إذ منعوه ورد الماء لم تغر البحورُ؟

ويحضر شاعر الى مأتم فينشد من قصيدة :

أفكربلاءٌ بالعراق وكربلاء بمصر اخرى

فيضج المأتم بالبكاء والعويل وهذا الموقف يعطي دلالة واضحة على ما يشكل يوم عاشوراء من أسى وحزن لدى الشعب المصري، وهذا الشاعر هو القاضي الرشيد ابو الحسين احمد بن علي بن الزبير الغساني الاسواني المصري المتوفى سنة562هـ بمصر.

وهذا شاعر مشهور آخر هو القاضي السعيد هبة الله بن جعفر بن المعتمد سناء الملك محمد السعدي المعروف بـ(ابن سناء الملك) المتوفى سنة 608هـ يقول في إحدى مراثيه في الامام الحسين (ع):

قُتل الحسين بكل حزبٍ لبغاة وكل طعنِ

شنّوا عليه وماسقوه قطرة من ماء شنِّ

انت الولي له تصرح بالولاء ولست تكني

ولأنت أولى من يباكر قاتليه بكل لعنِ

ورزء الحسين(ع) رزء ثقيل على الشاعر جمال الدين ابو الحسين يحيى بن عبد العظيم المعروف بـ(الجزار المصري)المتوفى سنة 672هـ بمصر حيث يقول في إحدى مراثيه:

ويعود عاشوراء يذكّرني رزء الحسين فليت لم يعدِ

يا ليت عيناً فيه قد كحلت بمسرةٍ لم تخل من رمدِ

ويداً به لشماتةٍ خضبت مقطوعة من زندها بيدي

ولم تخل همزية البوصيري ابو عبد الله محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري المتوفى سنة 694هـ من ذكر كربلاء والمصاب الأليم الذي حلّ بآل الرسول فيخاطب النبي(ص) في (بردته)المشهورة بقوله:

من شهيدين ليس ينسيني الطف مصابيهما ولا كربلاءُ

مارعى فيهما ذمامك مرؤوس وقد خان عهدك الرؤساء

فأبكهم ما استطعت إن قليلاً في عظيم من المصاب البكاء

كل يوم وكل ارض لكربي فيهم كربلاء وعاشوراءُ

وهذا الشاعر علي بن ابي بكر بن علي نور الدين بن الجمال المصري المتوفى سنة1072هـ يذكر يوم عاشوراء بالنوح والحزن والبكاء فيقول:

وذكرني بالنوح والحزن والبكا غريب بأكناف الطفوف فريدُ

عطاشى على شاطي الفرات فمالهم سبيل الى قرب المياه ورودُ

لقد صبروا لا ضيّع الله صبرهم الى ان فنوا من حوله وأبيدوا

ويفرد الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي المصري شيخ الازهر المتوفى سنة 1171هـ في كتابه(الاتحاف بحب الاشراف) فصلاً خاصاً في مشهد رأس الحسين(ع) بمصر ويذكر الكرامات التي جرت له فينظمها قصائداً في مدح الإمام الحسين(ع) :

لك في الحشر ياحسين مقام ولا عداك فيه خزيٌ وطردُ

يا كريم الدارين يا من له الدهر على الرغم من يعاند عبدُ

أنت سيف على عداك ولكن فيك حلمٌ وما لفضلك حدُ

ويقول في قصيدة اخرى:

يا سبط طه يا حسين على ضريحك المأنوس مني السلامُ

مشهدك السامي غدا كعبة لنا طواف حوله واستلامُ

بيت جديد حلّ فيه الهدى فصار كالبيت العتيق الحرامُ

كما كان للشعر المصري المعاصر دوره في اذكاء واقعة الطف في الضمير الانساني ، فهي مآتم لا تنتهي كما يقول الشاعر مرسي شاكر طنطاوي

في كربلاء مآتم لا تنتهي حتى يداهمنا الحمام صؤولاً

ويقول العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في مقصورته

فيا كربلا كهف الاباء مجسما ويا كربلاء كهف البطولة والعلا

ويا كربلا قد حزت نفساً نبيلة وصيّرت بعد اليو رمزاً الى السما

ويا كربلاء قد صرت قبلة كل ذي نفس تصاغر دون مبدئها الدنا

ويا كربلا قد حرزت مجداً مؤثلاً وحزت فخاراً ينقضي دونه المدى

كما صاغ عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيتيه(الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) بلغة شعرية مفعمة بالروح الانسانية عكست الروح الكبيرة التي جسدها الامام الحسين والمباديء العليا التي سعى من أجلها في نهضته المباركة فيقول: (انا ذا اخوض المستحيل الى جلاء حقيقتك فأضيء طريقي من أشعة حكمتك انا ذا شهيد الحق ضعت لكي أصون من الضياع شريعتك لا تخف عن وجهي وضاءة نظرتك) ويلجأ جمال الغيطاني الى مسجد الحسين بالقاهرة لكي يستلهم المعاني العظيمة التي جسّدها الإمام الحسين فيقول: (وليت قبلة امامي الحسين وفاض أساي فخاطبته بوجهتي وليس بنطقي– يا نبع الصفاء، يا شرق المودة، تعذبني قلة حيلتي وصعوبة الطريق يا إمامي لم يعد حالي جئتك ملوعاً بالفقد).

يقول صاحب الثغر المنكوث بعصا الظالمين (كل شيء بقدر) ويقول أمل دنقل: كنت في كربلاء قال لي الشيخ: ان الحسين مات من أجل جرعة ماء وتساءلت كيف السيوف استباحت بني الاكرمين؟ فأجاب الذي بصرته السماء انه الذاهب المتلألىء في كل عين: إن تكن كلمات الحسين وسيوف الحسين سقطت دون أن تنقذ الحق من ذهب الامراء افتقدر أن تنقذ الحق ثرثرة الشعراء.

هذا ما استطعنا تسليط الضوء عليه من الشعراء الذين كتبوا في الحسين، ومن المؤكد ان هناك اسماء اخرى كثيرة فملحمة كربلاء فضاء لا ينتهي ومنبر لا ينضب كلما نهلت منه الاجيال ازداد تدفقاً.