11 جمادى الآخرة 1432 - 15/05/2011
حجّ هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وطاف به أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) ، وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، بين عينيه ثفنة السجود ، فجعل يطوف ، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له .
فقال شامي : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ـ لئلاّ يرغب فيه أهل الشام ـ فقال الفرزدق وكان حاضراً : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فأنشأ قصيدته المشهورة :
يا سائلي أين حلّ الجـود والكـرم***عندي بيان إذا طلا بـه قدمـوا
هـذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه***والبيت يعرفه والحـلّ والحـرم
هـذا ابن خيـر عبـاد الله كلّهـم***هذا التقيّ النقيّ الطاهـر العلـم
هـذا الذي أحمـد المختـار والده***صلّى عليه إلهي ما جرى القلـم
لو يعلم الرّكن من قد جـاء يلثمـه***لخرّ يلثم منـه ما وطـى القـدم
هـذا علـي رسـول الله والــده***أمسـت بنور هـداه تهتدي الأمم
هذا ابن سـيّدة النسـوان فاطمـة***وابن الوصـي الذي في سيفه نقم
إذا رأتـه قريـش قـال قائلهــا***إلى مكارم هـذا ينتهـي الكـرم
يكـاد يمسـكه عرفـان راحتـه***ركن الحطيم إذا ما جـاء يسـتلم
وليـس قولك مـن هذا بضـائره***العرب تعرف من أنكرت و العجم
يُنمى إلى ذروة العزّ التي قصرت***عن نيلها عرب الإسـلام والعجم
يُغضي حياءً ويُغضـى من مهابته***فمـا يكلّــم إلاّ حيـن يبتسـم
ينجاب نور الدجى عن نور غرّته***كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفّـه خيـزران ريحـه عبـق***مـن كف أروع في عرنينه شمم
ما قـال لا قطّ إلاّ فـي تشـهّده***لولا التشـهّد كانـت لاؤه نعـم
مشـتقّة من رسـول الله نبعتـه ***طابت عناصـره والخيم والشيم
حمّال أثقـال أقـوام إذا فدحـوا***حلو الشـمائل تحلو عنـده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهـم***وإن تكلّـم يومـاً زانـه الكلم
هذا ابن فاطمـة إن كنت جاهله***بجدّه أنبيـاء الله قـد ختمـوا
الله فضّـله قدمــاً وشــرّفه***جرى بذاك لـه في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء لـه***وفضل أُمّتـه دانت لهـا الأُمم
عمّ البريّة بالإحسان وانقشـعت***عنها العمايـة والإملاق والظلم
كلتا يديـه غياث عـمّ نفعهمـا***يستو كفان ولا يعروهمـا عدم
سـهل الخليقة لا تخشى بوادره***يزينه خصلتان الحلمُ والكـرم
لا يخلف الوعد ميموناً نقيبتـه***رحب الفناء أريب حين يُعترم
من معشر حبّهم دين وبغضهم ***كفر وقربهم منجى ومعتصـم
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟ قال : هات جدّاً كجدّه وأباً كأبيه وأُمّاً كأمّه حتّى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعُسفان بين مكة والمدينة .
فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :
أيحبسني بين المدينـة والتي إليها***قلوب الناس يهوي مُنيبها
يقلّب رأساً لم يكن رأس سيّد***وعيناً له حولاء باد عيوبهـا