21 شعبان المعظم 1430 - 14/08/2009
لقد باتت كربلاء منذ مقتل الحسين عليه السلام على ارضها تزخر بالقيم والمثل والمعاني السامية وباخلاقيات البطولة والشهامة والاباء والرجولة وادبيات النهضة الهادفة لنصرة الحق ودحر الباطل ولذا كان لابد والحالة هذه ان تستلف انظار دعاة الحق وطلاب العدل ورسل الفضيلة وان تجتذب اليها كل المؤمنين والمتشوقين لنيل الفوز الدنيوي والاخروي.
من هنا كان من بين الجموع البشرية الزاحفة نحو كربلاء بهدف الزيارة او السكنى بجوار قبر الحسين عليه السلام عبر الاجيال المتعاقبة الكثير والعديد من العلماء والادباء والشعراء الذين وجدوا في رحابها مادة خصبة يستلهمون منها ما يساعدهم في خلق روائعهم الأدبية والشعرية او ما يُغني ويدعم معطياتهم العلمية والثقافية فأفادوا واستفادوا حتى اوجدوا في كربلاء نواة جامعة علمية سبقت بأقدميتها الجوامع العلمية في كثير من المدن.
فأول شاعر زار قبر الحسين عليه السلام هو عبيد الله بن الحر الجعفي الذي ما أن وقع نظره على القبر الشريف حتى اجهش في البكاء والنحيب طويلاً فأسعفته قريحته في الحال فرثى الحسين الشهيد عليه السلام بقصيدة ارتجلها مستلهما معانيها من مصابه الجلل ومن واقعة كربلاء المفجعة ومما قاله:
يقول أمير غادر وأبن غادر *** الا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة
فيا ندمي ان لا اكون نصرته ***الا كل نفس لا تسدد نادمة
ويا ندمي ان لم اكن من حماته ***لذو حسرة ما ان تفارق لازمة
سقى الله ارواح الذين تأزروا ** على نصره سقياً من الغيث دائمة
وقفت على اجدائهم ومحالهم**فكاد الحشى ينفض والعين ساجمة
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى **سراعا الى الهيجا حماة خضارمة
تأسوا على نصرة ابن بنت نبيهم **بأسيافهم آساد غيل ضراغمة
وفي الحقيقة ان واقعة عاشوراء بما انطوت عليه من لوحات تراجيدية في غاية المأساوية تجسد ابهى صور النزال والصراع بين الحق والمبدئية من جهة والباطل والنزعة الدنيوية الوضعية من جهة أخرى كانت على مر التأريخ ولا تزال حتى يومنا هذا تشكل مادة خصبة يستلهم منها الشعراء والكتاب وكل ذي قريحة او مقدرة ادبية وفكرية ما يعنيهم في خلق روائعهم الشعرية والادبية ونتاجهم الفكري الخصب.
ان حركة الحسين عليه السلام الشجاعة في مواجهة شيوع الرذيلة ورواج السفالة والسفاهة والغوغائية وتفشي ظاهرة التحلل الخلقي والسقوط الادبي وتخلي الناس عن الالتزام بدينهم وتعاليم نبيهم وما يقابلها من حركة يزيد بن معاوية الاموي التي انطوت على ما هو دنيوي ومادي منحط وغرائز حيوانية ولذات شهوانية وخسة مفرطة وأنانية وذاتية وتحكم وتسلط واستعلاء لا شك انها تفسح المجال امام خيالات وتصورات كل شاعر او كاتب موهوب او صاحب ضمير حي لكي ينطلق بذهنيته المتوقدة في آفاق واجواء هاتين الحركتين : حركة نبل انساني شريف ومتسامي وحركة سفالة وانحطاط وسقوط حيواني ثم ليقارن ويقيس بينهما وليستحصل بعد ذلك على مادة تكون اساس لارجوزة شعرية او رائعة ادبية او دراسة موضوعية ففي مصر مثلا ألف الكاتب المصري المعروف الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي المتوفى 1408هـ مسرحية شعرية تصور في فصلها الاول نهضة وثورة الحسين عليه السلام وتصور استشهاده في فصلها الثاني وهي مسرحية في غاية الروعة والموضوعية ويقول كاتبها ان مسرحيته تصور نهضة الحسين عليه السلام عندما وجد نفسه بين احدى اثنتين: اما ان يبايع بالخلافة رجلا لا يطمئن اليه واما ان يعلن احتجاجه ويرفض البيعة وامام هذا الخيار ادرك الحسين بن علي عليهما السلامام مسؤوليته تحتم عليه ان يطلق صرخة احتجاج ضد ما رآه يخالف عقيدته كان يسعه ان يسكت وان يعيش ناعم البال في المدينة يعلم الناس ويفقههم في شؤون الدين في مسجد جده ، وقد آثر كثير من اولاد الصحابه الكبار ان يسلكوا هذا المسلك ولكن الحسين عليه السلام شعر بانه مسؤول عن الصمت ايضا وليس امامه في هذا الخيار الا ان يختار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انه مسرحية تتحدث عن مسؤولية القائد وعن دور المثقف في عصره كيف يجب ان يحول ما يعتقده الى حركة ايجابية.
ويقول الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي: اذا كان الشباب في كثير من بلاد العالم يفتتنون بابطال الاستشهاد من اجل الحرية في جيلنا فان الحسين عليه السلام في استشهاده اولى بكل الاعجاب وهذه المسرحية الشعرية تصور استشهاد الحسين عليه السلام وتمجد الاستشهاد في سبيل القيمة اليت يؤمن بها الانسان لقد ادرك الحسين عليه السلام منذ خرج ثائرا ان بعض الذين اعتمد عليهم قد تخلوا عنه وعرضت عليه السلطات التي ثار عليها ان يعود الى داره وان تغدق عليه مزيدا من المال ولكنه كان قد ادرك ان حياته لا تساوي شيئا بالقياس الى حياة المبادئ التي يدافع عنها يجب ان يدفع الحياة نفسها لقيمة اغلى عليه من الحياة ، ان هذه المسرحية تصور بطلا تراجيديا يسير الى مصيره الفاجع وهو مدرك ويعرف المبادئ اليت يدافع عنها ستنتصر وتزدهر اذا منحها دمه فهو مدرك انه مقتول بلا ريب وانه ثأر الله .
وقد صاغ الدكتور الشرقاوي رأي الحسين عليه السلام بما آل اليه زمانه شعرا حرا وكما يلي:
ما عاد في هذا الزمان سوى رجال كالمسوخ الشائهات
يمشون في حلل النعيم وتحتها نتن القبور
يتشامخون على العباد كأن ملكوا العباد
وهم اذا لا قوا الامير تضاءلوا مثل العبيد
صاروا على امر البلاد فأكثروا فيها الفساد
اعلامهم رفعت على قمم الحياة
خرق مرقعة ترفرف بالقذارة في السماء الصافية
راياتهم مزق المحيض البالية
ياايها العصر الزري لانت غاشية العصور
قد آل امر المتقين الى سلاطين الفجور
قل اي انواع الرجال جعلتهم في الواجهات ؟
قل اي اعلام رفعت على الروج الشاهقات؟
اي الذئاب منحته السلطان والملك العريض؟
ياايها العصر البغيض
ياايها العصر الزري وانت غاشية العصور
العصر ينفث حولنا الغثيان مما احدثه به امية
عصر يثير تقزز النفس الابية
يا ايها الشرفاء لا تهنوا اذا طغت الذئاب
سيروا بنا كي ننقذ الدنيا من الفوضى ومن هذا الخراب
سيروا نعد للعصر رونقه القديم
وننصر الحق الهضيم
لا ترهبوا طرق الهداية ان خلت من عابريها
لاتامنوا طرق الفساد وان تزاحم سالكوها
سيروا على اسم الله لا تهنوا فنحن بنو امية
سيروا بنا نستخلص الانسان من عار العذاب
.....
ثم يصوغ الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي ما اراد الحسين الشهيد من تعبيره حينها كان يلقى مصرعه في قمتله وذلك في الاطار الشعري الحديث الاتي:
فلتذكروني لا بسفككم دماء الآخرين
بل فاذكروني بانتشال الحق من ظفر الضلال
بل فاذكروني بالنضال على الطريق
لكي يسود العدل فيما بينكم
فلتذكروني بالنضال
فلتذكروني عندما تغدو الحقيقة وحدها
حيرى حزينة
فاذا باسوار المدينة لا تصون حمى المدينة
لكنها تحمي الامير واهله والتابعينه
فلتذكروني عندما تجد الفضائل نفسها
اضحت غريبة
واذا الرذائل اصبحت هي وحدها الفضلى الحبيبة
واذا حكمتم من قصور الغانيات
ومن مقاصير الجواري
واذا غدا امراؤكم كالمحظيات
وان تحكمت السراري
فاذكروني
فلتذكروني حيث تختلط الشجاعة بالحماقة
واذا المنافع والمكاسب صرن ميزان الصداقة
واذا غدا النبل الابي هو البلاهة
وبلاغة الفصحاء تقهرها الفهاهة
والحق في الاسمال مشلول الخطا حذر السيوف
فلتذكروني حيث يختلف المزيف بالشريف
فلتذكروني حيث تشتبه الحقيقة بالخيال
واذا غدا جبن الخنوع علامة الرجل الحصيف
واذا غدا البهتان والتزييف والكذب المجلجل هن
آيات النجاح
فلتذكروني حين يستقوي الوضيع
فلتذكروني حين تغشى الدين صيحات البطون
واذا تحكم فاسقوكم في مصير المؤمنين
واذا اختفى صرح البلابل في حياتكم ليرتفع النباح
واذا طغى قرع الكؤوس على النواح
وتلجلج الحق الصراح
فلتذكروني
واذا النفير الرائع العزاف اطلق المراعي الخضر صيحات العداء
واذا اختفى نغم الاخاء
واذا شكا الفقراء واكتظت جيوب الاغنياء
فلتذكروني
فلتذكروني عندما يفتى الجهول
وحين يستخزي العليم
وعندما يهن الحكيم
وحين يستعلي الذليل
واذا تبقى فوق مائدة أمئ ما لايريد من الطعام
واذا اللسان اذاع ما يأبى الضمير من الكلام
فلتذكروني
فلتذكروني ان رايتم حاكميكم يكذبون
ويغدرون ويفتكون
والاقوياء ينافقون
والقائمين على مصالحكميهابون القوي
ولا يراعون الضعيف
والصامدين من الرجال غدوا كاشباه الرجال
واذا انحنى الرجل الابى
واذا رايتم فاضلا منكم يؤاخذ عند حاكمكم بقوله
واذا خشيتم ان يقول الحق منكم واحد في صحبه
او بين اهله
فلتذكروني
واذا غزيتم في بلادكم وانتم تنظرون
واذا أطمأن الغاصبون بارضكم وشبابكم يتماجنون
فلتذكروني
فلتذكروني عند هذا كله ولتنهضوا باسم الحياة
كي ترفعوا علم الحقيقة والعدالة
فلتذكروا ثأري العظيم لتأخذوه من الطغاة
وبذلك تنتصر الحياة
فاذا سكتم بعد ذاك على الخديعة وارتضى الانسان ذله
فانا ساذبح من جديد
واظل اقتل من جديد
واظل اقتل كل يوم الف قتلة
ساظل اقتل كلما سكت الغيور وكلما اغفى الصبور
ساظل اقتل كلما رغمت انوف في المذلة
ويظل يحكمكم يزيد ما .. ويفعل ما يريد
وولاته يستعبدونكم وهم شر العبيد
وييظل يلعنكم وان طال المدى جرح الشهيد
فادركوا ثأر الشهيد