27 ذي الحجة 1428 - 07/01/2008
مع الاحتفاء بأيام التضحية والفداء، أيام الجهاد المقدس أيام الإصلاح والتصحيح التي بنى عليها الإمام الحسين برنامجَ و ركائز نهضته المباركة قبل أربعة عشر قرنا، واستمرت هذه المنهجية يختطها بناة الأوطان ومؤسسو الحضارات المخلصون لشعوبهم وأممهم وأوطانهم وأناسهم..
ونحن اليوم أمام مرحلة جديدة ولى بها نظام هدم مؤسسات العراق وبنيته التحتية وانهيار اقتصاده وتشريد شعب العراق الذي أصبحت الغربة والنفي جزءً لا يتجزأ من حياة المواطن العراقي في المهجر وفي الداخل، وقد انهار إلى غير رجعة وولى مدبرا ولُفت حول عنقه حبال الألم والقهر وانتهاك الحرمات واقتراف جرائم القتل العمد غير مأسوف عليه، وحتى أن هذه الحبال لن تتحمل رقاب الخونة فقطعت بسرعة غير مسبوقة ولا مألوفة حازة نحر الطغاة حتى لا تلتصق كثيرا بأجسادهم التي بنيت على قهر وظلم وفناء الشعب المسالم الذي عرفته شعوب الدنيا كلها بطيبته وأخلاقه السمحاء التي تخلّق بها من خلال أخلاق سادته أئمة أهل البيت عليهم السلام وبثقافاته العالية وحنكته السياسية وطاقاته العلمية التي بددها النظام السيئ الذكر..
هذا الشعب مدعو اليوم في تحمل كامل مسؤولياته لبناء عراق أهل البيت عليهم السلام عراق أمير المؤمنين علي عراق الحسين صاحب نهضة الإصلاح والبناء والإعمار..
ولكن كيف نحدد هذه المسؤولية في خضم أحداث أنهكت الوطن والمواطن وفي مقدمتها ما يعانيه الشعب العراقي من إرهاب فلول النظام المنهار ودعامة إرهابهم من أولئك النواصب الذي باعوا دينهم (إن كان لهم دين!!!) بدنياهم يوم أيدوا نظام القتلة المقبور عندما زج الشعب العراقي بحروب قذرة مع دول الجوار وبحرب إرهابية شنها على الشعب العراقي بعد أن هزم في حروبه الخارجية فأصبح النظام عدو الشعب وسيفا على رقابهم يحزها دون رحمة ولا مسؤولية ولا خوف من الله!!
فهب النواصب من كل حدب وصوب محتلة ارض العراق تنحر وتنتحر دون أن يعرف الشعب، لماذا هبت الجيوش الإرهابية (النذلة) جيوش القتل والإرهاب وتحت سلطة من وعلى أي أمر تراهن؟؟
أسئلة تجوب في خاطر كل مواطن عراقي شريف ذاق اللوعة والألم والنفي أيام الخائن (صدام) ويذوق ذات الألم اليوم من إرهابي صدام وأنظمة البغض لمحمد وعترته الطاهرة الملتفة حول هؤلاء الإرهابيين والداعمة لإرهابهم.
أنظمة إباحية بفكرها ومنهجيتها وسلوكيتها ومسيرتها المنحرفة التي تخطط لهدم العراق وهدم عقيدة شعبه ومبادئه التي لن ينثني عنها يوما ولن ينحرف عن برامجها التي رسمها له سادته الأطهار ــ آل محمد ـــ
كيف نحدد هذه المسؤولية والإرهاب يطيل من عمر الاحتلال لعراقنا الحبيب، والاحتلال عائق كبير في بناء الوطن وسيادته وحرية الشعب وديمقراطيته؟
ولكن هل يبقى العراقي مكتوف الأيدي متفرجا من الخارج عما يحصل في وطنه ومن الداخل يعاني الخوف وانعدام الأمن... والى متى؟؟
أسئلة مشروعة يطرحها الشعب العراقي!!!
نقول للإرهابيين لا تراهنوا على خاسر مقبور بجسده وفكره ومنهجيته الحمقاء.. كفوا عن قتل العراقيين الأبرياء فان القتل غير مبرر لا من الله تعالى ولا من العباد.. فحجتكم الجهاد ومقاومة المحتل أصبحت حججا عاهرة وعارية عن المصداقية فأنتم تقتلون الأبرياء من أبناء الشعب وليس لديكم الجرأة والقدرة على مقاومة المحتل بل إنكم لا تريدون أبدا مقاومة المحتل ومع سبق الإصرار تستجدون بقاءه وتفرشون له طريقا من حرير وذلك بغضّكم النظر عن الاحتلال وقتلكم أبناء العراق على هويتهم..
كفاكم عهرا وذعرا للأبرياء..
كفاكم حقدا على سيدنا محمد وعترته الطاهرة (ع) فتقتلون بالمئات كل يوم من يرفع لواء..
أنتم الجيوش التي هيأها ابوسفيان ومعاوية ويزيد على مر العصور لقتل آل محمد ومواليهم بغضا بسيدنا محمد ورسالته السمحاء التي حطمت أصنامكم وبددت أوهامكم وشتت أحلامكم وانتم تجاهرون اليوم بذات البيان الذي أطلقه يزيد عليه اللعنة وهو ينشد ويقول: لعبت هاشم بالملك فلا.. خبر جاء ولا وحي نزل لست من خندف إن لم انتقم.. من بني أحمد ما كان فعل؟.
فالانتقام هذا مستمر بصنميتكم وأوهامكم المريضة الجوفاء.
أما للعراقيين الشرفاء سنة وشيعة، عربا وأكرادا وتركمان، مسلمين ومسيحيين وصابئة.. لكل عراقي شريف خارج الوطن وداخله انتم أمام مسؤولية بناء العراق - عراق أهل البيت (ع) - فأهل البيت (ع) لم يأتوا لطائفة معينة أو لدين معين أو لقومية معينة إنما جاؤوا رحمة للعالمين
وهنا يستوقفني قول الزعيم الهندي غاندي (لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين).
وقال أيضا (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر).
أما المستشرق الألماني ماربين يقول:
(قدّم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر إن الظلم والجور لا دوام لهما.
وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلا انه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح).
العراقيون مدعوون اليوم أمام مسؤولياتهم في بناء الوطن
علينا أن لا نقع بالأخطاء الكبيرة فنقول للإنسان العراقي إنك لا تستطيع أن تؤثر في واقعنا الموجود فعليك أن تخضع له وأن تقبل فيه و تستسلم له، ولا يمكنك التغيير وان هذا الأمر هو قدرنا المحتوم من الله عز وجل، وطبعا انه كلام غير صحيح فالظلم والفساد ليست من تقديرات المولى عز وجل ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ﴾ إنما هو نتيجة إهمالنا وتقاعسنا ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ واعلموا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾
فعلينا أن نغير هذا التفكير الخاطئ بأننا مظلومين ومضطهدين ويجب القبول بالأمر الواقع ونستسلم..
وان لا نرمي المسؤولية على فئة معينة من مجتمعنا.. فالحاكم مسؤول ورجل الدين مسؤول والمثقف مسؤول والشعب كله مسؤول
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾
إذن الجميع مسؤولون عن بناء الوطن الصحيح والمجتمع النقي..
وعلينا أن نشارك في بناء الوطن كل حسب حجم مسؤوليته من شخص لآخر ومن موقع لآخر ودون أن نرمي المسؤولية على شريحة معينة ولو كانت تتصدر قيادة البلد، فقد يخطأ الحاكم فعليك النقد ديمقراطيا وليكن النقد مدعوما بالأدلة المقنعة، فأردت أن أقول أن المسؤولية في بناء عراق أهل البيت تقع على عاتق كل فرد من أبناء الوطن كل حسب موقعه
فعن النبي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)
اليوم نضع كل مسؤولية الدمار على المحتل، هذا صحيح إن المحتل هو العائق الكبير في بناء سيادة البلاد واستقلاله ولكن قمع الإرهاب هو من أولويات زوال المحتل فمسؤولية أبناء الشعب العراقي الوقوف صفا واحدا لقمع الإرهاب ومقاومة الإرهابيين القتلة ومفخخاتهم وانتحاريهم لهو كفيل بزوال المحتل عن وطننا عاجلا أم آجلا.
في السابق كان الناس يخشون إرهاب النظام، أما اليوم زال النظام الفاسد، وأصبح المجال مفتوحا أمام بناة الوطن، فمسؤولية العراقيين أن يتحركوا ويبادروا لبناء العراق، فلدى العراق خيرات اقتصادية كبيرة و ثروة نفطية هائلة، وأرضه الخصبة، وتاريخه الحضاري الكبير والعتبات المقدسة التي تشمخ بها أرض العراق وطاقاته الفكرية والثقافية وكوادره العلمية الكبيرة..
إذن ماذا يريد العراقيون أكثر من هذا؟
نحتاج أن نبذل الجهد ونتحمل المسؤولية ونطرح ثقافة المسؤولية البناءة وتعميمها بين أوساط المجتمع العراقي ونسأل الله تعالى أن يعين شعبنا على بناء عراق موحد يكون نموذجا وقدوة (اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه).
الاثنين: 3 محرم 1428 هـ
22/1/2007 م