b4b3b2b1
دليل على إثبات الحكم بقول فاطمة الزهراء في شأن فدك | لا بد في كل زمان من إمام يحتج الله تعالى به على عباده المكلفين ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين | يحرم الاعتقاد بصحة خبر أن النبي كان قد سها في صلاته | الإمامة تجب في كل زمان ولا يجوز الاستغناء عنها في حال بعد النبي | عقائدنا.. فروع الدين | الإمامة تدل على العصمة والعصمة تقضي صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه | الوصف للأنبياء والأئمة بالكمال في كل أحوالهم فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه | البشارة بالنبي والأئمة في الكتب الأولى | آية إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا نزلت في أهل البيت خاصة | رسول الله يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته وأمير المؤمنين يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته وأئمة آل محمد يشفعون كذلك وينجي الله بشفاعته | الأنبياء (عقائد الشيخ المفيد قدس سره) | تعريف الإمامة ومعرفة الإمام فرض لازم كأوكد فرائض الإسلام |

العلماء أمناء الرسل

 

27 رجب 1432 - 29/06/2011

الخمس في الإسلام هو أحد الموارد المالية والضرائب الرسمية التي لها دور العمود الفقري بالنسبة إلی الاقتصاد الإسلامي، علماً بان نظام الاقتصاد الإسلامي هو أفضل النظم الاقتصادية ألتي عرفها العالم وجرّبها في حياته الطويلة، فهو ليس کالنظام الاقتصادي الرأسمالي، کما أنه ليس کالنظام الاقتصادي الاشتراکي، بل هو نظام يجمع کل محسنات الأنظمة الاقتصادية المعروفة وغير المعروفة، ويخلو من جميع مساوئ الأنظمة الاقتصادية المعروفة وغيرها.

نعم، النظام الإقتصادي في الإسلام نظام مستقلّ، منسجم مع الفطرة الإنسانية، ومتکيّف مع تطوّر الزمن ومستجدّات الساحة العالمية. إنه کفيل بنفي الفقر والحاجة، وضامن لتوفير الرزق والرفاه.

إن من مميزات النظام الإقتصادي في الإسلام: توزيع الثروة في الناس، والعمل علی تأمين الحاجات الأولية لکل إنسان، ومن أجل ذلك حرّم الربا بکلّ أشکاله تحريماً باتّاً، فلم يسح بأخذ الفوائد علی القروض، ولم يأذن بفرض الضرائب المالية تحت أيّ إسم کان غير الضرائب الأربعة ألتي عيّنها الإسلام تعييناً واضحاً، وحدّدها تحديداً دقيقاً ومتقناً، ألا وهي: الخمس والزکاة والجزية والخراج.

وهذه الضرائب الأربع مورداً أو أخذاً، وکذلك صرفاً وانفاقاً، نظّمت بصورة يستلزم تطبيقها تنظيم العلاقة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي وخاصة الخمس، حيث إنّه يؤخذ من کلّ مال يحصل عليه الإنسان ويفيض من نفقات سنته، ومصروفات عامه من أکل وشرب، وملبس ومنکح، ومسکن ومکسب، وحجّ وعمرة، وسفر وزيارة، وغير ذلك، ويُصرف في کلّ ما يسدّ حاجات الفرد والمجتمع من صغيرة وکبيرة، وإسعاف وترفيه، وعلم وثقافه، وتقدّم ورقيّ؛ وذلك کما قال تعالی: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربی واليتامی والمساکين وابن السبيل إن کنتم آمنتم بالله...» الأنفال: 41. کما قال سبحانه: «ما أفاء الله علی رسوله من أهل القری فللّه وللرسول ولذي القربی واليتامی والمساکين وابن السبيل کي لا يکون دولة بين الاغنياء منکم وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عينه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب» الحشر:7.

فلأهميّة الخمس وأهمية دوره في الاقتصاد الإسلامي، وکبير تأثيره على تقدّم المجتمع ورقيّه، ونموّه وازدهاره، إختار سماحة السيد المرجع دام ظله تقديم بحث الخارج في کتاب الخمس من العروة الوثقی، علی غيره من الکتب الفقهية الأخری.

فابتدأ سماحته أولاً وفي أول السنة الدراسية للحوزة المبارکة في قم المقدسة البحث عن قول صاحب العروة: کتاب الخمس، فقال: هنا عدة مطالب تمهيدية:

1- التمهيد الأول: الخُمْس بسکون الميم والخُمُس بضمّه کلاهما ورد في اللغة، والقرآن الکريم عبر عنه بالضمّ. کما عبّر بالضم عن الثلُث والربُع والسدُس والثمُن، وهو الأبلغ.

ثم ذکر سماحته قول الشيخ الأنصاري في أول کتاب الخمس: من أن الخمس لغة: رابع المکسور، وشرعاً: إسم لحق في المال يجب للحجة (عليه السلام) وقبيله، ونقده: بأن هذا التفسير والتفريق بين المعني اللغوي والشرعي للخمس يشبه تفسير صاحب الشرايع للزکاة وتفريقه بين معناه اللغوي والشرعي وهو في الزکاة في محلّه، لأن الزکاة لغة غيرالزکاة شرعاً، فالزکاة لغة: النموّ، وشرعاً: إعطاء شيء من المال ونقيصة فيه؛ بينما الخمس متّحد من حيث المعنى لغة وشرعاً، فالآية الکريمة التي تقول: «فأن لله خمسه» أي: إن واحداً من خمسة يکون لله سبحانه، وليس معناه: إسم للحقّ الواجب في المال. وعليه، فالأفضل أن نقول: الخمس لغة وشرعاً وعرفاً: هو رابع الکسور، جعله الله تعالی حقاً وحکماً في المال بشروط معيّنة للأصناف الستة، کما قال تعالی: «فأنّ لله خمسه وللرسول، ولذي القربی، واليتامی، والمساکين، وابن السبيل».

2- التمهيد الثاني: ثم تعرّض سماحته لتقييد الشيخ الأنصاري الخمس عند تعريفه له: بکونه حقّاً في المال، وقال: هو نظير تعبير المحقق في الزکاة، والکلام في أنه هل هو کذلك مجرّد حقٍ، أو هو حکم أيضاً؟ ثم أجاب: الظاهر: أنه حکم أيضاً، فهو حق وحکم معاً، أي: هو حق لأرباب الخمس من الأصناف الستة، وهو حکم من الله واجب او مستحب ايضاً.

3- التمهيد الثالث: ثم تطرّق سماحته لقول الشيخ الأنصاري: يجب (في تعريفه للخمس بکونه إسم لحق في المال يجب للحجة عليه السلام وقبيله) وقال: إنّ مراد الشيخ قدس سره من الوجوب هو الغلبة، وذلك لوجود موارد يستحبّ الخمس فيها.

4- التمهيد الرابع: ثم إنتقل سماحته إلي کلام صاحب العروة وقوله بعد ذلك: «وهو من الفرائض» قائلاً: إن الفريضة على ما في قواميس اللغة کمجمع البحرين على معنيين:

أ ـ بمعنى التقدير وجعل المقدار ب ـ بمعنی طرفي القوس الذي يتصل الوتر بهما.

ثم علّق سماحته عليه بقوله: والظاهر: إن المعنی الثاني ليس هو معنى آخر، وإنما هو مصداق للمقدار، اذ القوس هو الآلة المحدودة التي ينتهي (حدود) بها عند طرفيها. فهو نوع مقدار، وکذا يکون ـ أي: مصداقاً للمقدار ـ المعني الشرعي للفريضة، إذ الفرض شرعاً: هو ‌ إمّا الواجب مقابل الندب، وإما فرض الله کرکعتي الصلاة لليومية مقابل فرض الرسول کالرکعات المضافة إلي رکعتي الظهرين والعشائين، و واضح أن کلاً منها نوع مقدار.

ثم إن سماحته ذکر بعد لفظ الفريضة أموراً تالية:

الأمر الأول: إن جعل الخمس للنبي صلی الله عليه وآله وذريته لايتنافی مع قوله تعالی: «قل لا اسألکم عليه اجراً» فان الله سبحانه لم يجعل للنبي صلی الله عليه وآله اجراً مادياً وإنما جعل له أجراً معنوياً کما قال عزوجل: «إلا المودة في القربی» وذلك لأن الخمس ليس أجراً للرسالة، بل هو لمصلحة الإسلام والأمة الإسلامية، ففي الحديث الشريف: إن الخمس عوننا علی ديننا، وعليه: فهو ليس عوضاً بل هو عون على الدين وسدّ خلّة للفقراء السادة من اليتامی والمساکين ولابن السبيل.

الأمرالثاني: ثم تعرض سماحته لقول صاحب العروة: «وقد جعلها الله تعالی لمحمد صلی الله عليه وآله وذريته عوضاً عن الزکاة» وقال: إن فيه اشارة إلى أن أصل التشريع في الصدقات هو: الزکاة، ثم اضاف قائلاً: وهو في نفس الوقت لايدل علی أن الزکاة أهم إذ هما جعلان مستقلان، فإن للخمس أوّلاً: تشريعاً مستقلاً، وثانياً هو في نفسه أکبر أهمية لما يترتب عليه من آثار کبيرة.

الأمر الثالث: ثم تطرق سماحة دام ظله لما قاله صاحب العروة بعد ذلك وهو: «إکراماً لهم» واضاف قائلاً: إن الخمس جعله الله إکراماً للنبي صلی الله عليه وآله وذريته، إذ في تخصيص التشريع بهم هو نوع إکرام وإن لم يکن فرق في المورد والمتعلق، فکيف والحال أنه يختلف مورداً ومتعلقاً مع الزکاة.

الأمر الرابع: إن المراد من جعل الخمس للنبي وذريته عوضاً عن الزکاة، إنما هو علی الأصل الأولي وعلى نحو في الجملة، وإلا فإن للسيد ان يعطی صدقاته الواجبة من زکاة ماله وزکاة فطرته للسيد مطلقاً علی المشهور وکذا الصدقات المستحبة، وعلی غير المشهور لغير السيد اعطاء حتى الصدقات الواجبة للسيد ايضاً.

الأمر الخامس: إن ما جاء في الروايات الصحيحة سنداً من وصف الزکاة بأنه أوساخ الناس، فهو نظير قوله تعالی في وصف المتصرفين في الخمس بلا إذن شرعي فيه – کما جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام وتأويلهم للآية الکريمة – :«الذين يأکلون أموال اليتامی ظلماً، إنما يأکلون في بطونهم ناراً» فللظالم يکون ناراً، ولمانع الزکاة يکون وسخاً، وهذا التعبير في الروايات الشريفة کالتعبير في الآية الکريمة هو من البلاغة ونوع من الحجاز.

ثم طرح سماحته عدة أسئلة وأحال الجواب عنها الی درس قادم وحلقة قادمة باذن الله تعالی.