4 شوال 1437 - 10/07/2016
- الإمامة تدل على العصمة والعصمة تقضي صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه
- الجمل - الشيخ المفيد ص 33، 39:
حديث المنزلة: دليل آخر وهو أيضا ما أجمع عليه أهل القبلة ولم ينازع في صحة الخبر به من أهل العلم بالرواية والآثار من قول النبي صلى الله عليه وآله "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" فأوجب له بذلك جميع ما كان لهارون من موسى في المنازل إلا ما استثناه من النبوة وفي ذلك أن الله تعالى قد فرض طاعته على أمة محمد كما كان فرض طاعة هارون على أمة موسى وجعله إماما لهم كما كان هارون إماما لقوم موسى وإن هذه المنزلة واجبة له بعد مضي النبي كما كانت تجب لهارون لو بقي بعد أخيه موسى ولم يجز خروجه عنها بحال وفي ذلك ثبوت إمامة أمير المؤمنين، والإمامة تدل على عصمة صاحبها كما بيناه فيما سلف ووصفناه والعصمة تقضي فيمن وجبت له بالصواب بالأقوال والأفعال على أثبتناه فيما تقدم من الكلام وفي ذلك بيان صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه.
ولأهل الخلاف من المعتزلة والحشوية والخوارج أسئلة قد أجبنا عنها في مواضعها من غير هذا الكتاب وأسقطنا شبهاتهم بدليل البرهان لم نوردها ههنا لغنانا عن ذلك بثبوتها فيما سواه وإنما اقتصرنا على ذكر هذه الأدلة ووجوهها وعدلنا عن إيراد ما في معناها والمتفرع عليه عن إثبات رسم الحجاج في صواب علي عليه السلام وفساد مذهب الناكثين فيه والإيماء إلى أصول ذلك ليقف عليه من نظر في كتابنا هذا ويعلم العمدة بما فيه ويستوفي معانيه فإن أحب ذلك يجده في مواضعه المختصة به لنا ولغيرنا من متكلمي عصابة الحق ولأن الغرض في هذا الكتاب ما لا يفتقر إلى هذه الأدلة من براهين إصابة علي عليه السلام في حروبه وخطأ مخالفيه ومحاربيه.
وإنا سنذكر فيما يلي هذا الفصل من الكلام وتوضيح الحجة فيه على أصول مخالفينا أيضا في طريق الإمامة وثبوتها عندهم من جهة الآراء إنكارهم ما نذهب إليه من قصور طريقها على النص كما قدمناه وبيناه عن الغرض فيه ووصفناه من الدليل على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مصيبا في حروبه كلها وإن مخالفيه في ذلك على ضلال، وهو ما تظاهرت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله:
"حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي" وقوله:
"يا علي أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك"
وهذان القولان مرويان من طريق العامة والخاصة، والمنتسبة من أصحاب الحديث إلى السنة المنتسبين منهم للشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن على سندهما ولا ادعى إنسان من أهل المعرفة بالآثار كذب روايتهما ومن كان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو كان باطلا لما خلت الأمة من عالم منها ينكره ويكذب روايته، ولا سلم من طعن فيه ولعرف سبب تخرصه وافتعاله وأقام دليل الله على بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذكرناه حجة واضحة على ثبوتهما حسبما بيناه.
ومن ذلك الرواية المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام:
"تقاتل يا علي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله".
وقوله لسهيل بن عمر ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم:
"لتنتهين يا معشر قريش ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله" فقال له بعض أصحابه من هو يا رسول الله؟ هو فلان "قال لا" قال فلان؟ "قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة" فنظروا فإذا به علي عليه السلام في الحجرة يخصف نعل النبي.
وقوله لعلي:
"تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين"
والقول في هذه الرواية كالأخبار التي تقدمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجة ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها وسلم لروايتها الفريقان فدل على صحتها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:
"علي مع الحق والحق مع علي".
وقوله صلى الله عليه وآله:
"اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار"
وهذا أيضا خبر قد رواه محدثوا العامة وأثبتوه في الصحيح عندهم ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم على تكذيب ناقله وليس توجد حجة في العقل ولا السمع على فساده فوجب الاعتقاد بصحته وصوابه.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:
"اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"
وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلى جمع السند له وهو أيضا مسلم عند نقلة الأخبار. وقوله صلى الله عليه وآله:
"قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك"
والخبر بذلك مشهور وعند أهل الرواية معروف مذكور.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:
"من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"
فحكم أن الأذى له أذى الله والأذى لله جل اسمه ضلال مخرج عن الإيمان. قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}
وأمثال ما أثبتناه من هذه الأخبار في معانيها الدالة على صواب علي عليه السلام وخطأ مخالفيه كثيرة أن عملنا على إيراد جميعها طال به الكتاب وانتشر الخطاب، وفيما أثبتناه منه دليلا للحق منه كفاية في الغرض الذي نأمله إن شاء الله.
نظرة في النصوص:
(فصل وسؤال) فإن قال قائل إنكم إن كنتم قد اعتمدتم على هذه الأخبار في عصمة علي عليه السلام وهي آحاد ليست من المتواترة الذي يمنع على قائليه الافتعال فما الفضل بينكم وبين خصومكم فيما يتعلقون به من أمثالها عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل فلان وفلان ومعاوية بن أبي سفيان؟.
الجواب: قيل له: الأخبار التي يتعلق بها أهل الخلاف في دعوى فضائل من سميت على ضربين: أحدهما لا تنكر صحته وإن خصومنا منفردين بنقله إذ ليس فينا مشارك لهم في شيء منه كما شاركنا الخصوم في نقل ما أثبتناه من فضائل علي عليه السلام إلا أنهم يغلطون في دعوى التفضيل لهم به على ما يتحيلون في معناه، والآخر مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفى على أهل الاعتبار وليست مما تساوي أخبارنا التي قدمناها لقطعنا على بطلان ما يقروا به من ذلك طعنا في رواتها واستدللنا على فسادها وأجمع مخالفونا على رواية ما رويناه مما قد بيناه وتسليمه وتخليدهم صحفهم كما ذكرناه وعدو لهم عن الطعن في شيء منه حسبما وصفناه وإن كان هذا سبيله ليس يكون الأمر فيه كذلك إلا لاعتقاد القوم وتسخيرهم لنقله والتسليم لرواته إذ كانت العادة جارية بأن كل شيء يتعلق به في حجاج مخالفيه ونصرة مذهبه والمنفرد به دون خصمه وكان في الإقرار به شبهة على صحة مقالته المباين لمقال مخالفيه، فإنه لا يخلو من دافع له وجاحد وطاعن فيما يروم به إبطاله إلا أن لا تلزم الحجة في صوابه وأن يكون ملطوفا له في اعتقاده، أو مسخرا للإقرار به حجة الله تعالى في صحته ودليلا على ثبوته وبرهانا منه على نصرته والمحتج به وتبديل للحق فيه بلطف من لطائفه وإذا كان الأمر في هذا الباب على ما بيناه وثبت تسليم الفريقين لأخبارنا مع اختلافهم في الاعتقاد على ما ذكرناه، وصح الاختلاف بيننا وبين خصومنا في الاحتجاج بالأخبار وبراهينها حسبما اعتمدنا سقط توهم المخالف لما يحيله من المساواة بين الأمرين.
إنكار الخوارج والأموية فضل علي:
فإن عارض الخوارج وقالوا هم يدفعون ما آتيتموه من الأخبار الدالة على عصمته وذكروا الأموية، وما يعرف من ضلالهم وظاهر أمرهم في جحد ما رويناه، قلنا حكمهم في جحد أخبارنا كحكمهم في جحد أخباركم سواء وإلا فما الفضل بين الأمرين، فإنه يقال لهم الفضل بيننا وبين من عارضتم به من الخوارج في دفع النقل ظاهر لذوي الاعتبار وذلك أن الخوارج ليسوا من أهل النقل والرواية ولا يعرفون حفظ الآثار ولا الاعتماد على الأخبار لإكفارهم الأمة جميعا واتهام كل فريق منهم فيما يروونه واعتمادهم لذلك على ظاهر القرآن وإنكارهم ما خرج عنه القرآن من جميع الفرائض والأحكام ومن كان هذا طريقة دينه وسبيله في اعتقاده ومذهبه في النقل والأخبار ولم يعتقد بخلافه فيها على حال.
فأما الأموية والعثمانية فسبب جحودهم لفضائل علي عليه السلام معروف وهو الحرص لدولتهم والعصبية لملوكهم وجبابرتهم وهم كالخوارج في سقوط الاعتراض بهم فيما طريقه النقل لبعدهم عن عمله وتأنيهم عن فهمه وإطراحهم للعمل به وقد انقرضوا مع ذلك بحمد الله ومنه حتى لم يبق منهم أحد ينسب إلى فضل علي ولا منهم من يذكر في جملة العلماء بخلافه في شيء من الأحكام فسقط الاعتراض بهم كسقوط الاعتراض بالمارقة فيما تعتمد فيه من الأخبار، مع أن الخوارج متى تعاطت الطعن في أخبارنا التي أثبتناها في الحجة على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام فإنما يقطعوا بها بالطعن رواتها في دينها المخالف كما تدين به من إكفار علي عليه السلام وعثمان وطلحة والزبير وعائشة بنت أبي بكر ومن تولى واحدا منهم واعتقد أنه من الإسلام وذلك طعن يعم جميع نقلة الدين من الملة فسقط لذلك قدحهم في الأخبار، وليس كذلك طعوننا في نقل ما تفردت به الناصبة في الحديث لأنا لا نطعن في رواية إلا لكذبهم فيه وقيام الحجة على بطلان معانيه دون الطعن في عقايدهم وإن كانت عندنا فاسدة فوضح الفرق بيننا وبين من عارضنا في الخصومة برأيه في الأخبار على ما شرحناه.