19 صفر 1429 - 27/02/2008
لا يخفى على كل ذي لب، أو ألقى السمع وهو شهيد، أن الخلاف حول شرعية البناء على القبور، وزيارتها، واتخاذها محلا للعبادة، له امتدادات متجذرة في التاريخ الإسلامي، ولعل الفضائع التي قام بها شذاذ المذاهب، وعبدة البدع، ألقت بسحب سوداء على واقع المجتمع المسلم، الذي ما انفك يجاهد بالغالي والنفيس للخلاص من المستعمر الأجنبي، وإذا به يصارع أعتى المستعمرين،
وارباب الكفر وتصفية الآراء والمذاهب والنفوس الإسلامية ؟!! فلا حاجة بعد اليوم لإسرائيل أن ترسل دبابة واحدة لأي بلد إسلامي لتمزيقه، فحثالة مجرمة من ربائب الإفتاء الضال الأعور، قادرة على زعزعة أمن واستقرار أي بلد كان عبر أساليب المكر والخداع والتمويه... ولنا أن نستعرض بعضا من أدلتهم العرجاء التي يستدلون بها على تحريم البناء على القبور، وبالتالي تحريم البكاء على الأموات، وعدم اتخاذ مدافنهم محلات للعبادة وذكر الله...
جاء في مسند أحمد، عن علي (رض) أنه قال: كان رسول الله (ص) في جنازة، فقال: أيكم ينطلق إلى المدينة، فلا يدع بها وثنا إلا كسره، ولا قبرا إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها ؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله. فقال: فأنطلق، فهاب أهل المدينة، فرجع. فقال علي: أنا أنطلق يا رسول الله. قال: فأنطلق ؟
فانطلق، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، لم أدع بها وثنا إلا كسرته، ولا قبرا إلا سوّيته، ولا صورة إلا لطختها.
وقد تكرر ورود هذا الحديث في كتب الحديث...
وفي بقية الحديث أن الإمام علي (ع) قال لأبي الهياج الأسدي: أبعثك فيما بعثني به رسول الله (ص)، أمرني أن أسوي كل قبر، وأطمس كل صنم، ولا يكون إرسال الإمام لأبي الهياج في أمر إلا في عصر خلافته فمتى كان هذا الإرسال... أفي عصر خلافته وبعد الفتوحات الإسلامية أم قبله؟
وإلى أي بلد بعثه الإمام لتهديم القبور وطمس الأصنام ؟ وفي كلا الخبرين أمر من رسول الله (ص) والإمام إن صح الخبران، بتهديم قبور المشركين في بلد الشرك. فكيف يدل ذلك على انتشار هذا الحكم، على قبور المسلمين ووجوب تهديمها ؟!!
لقد زار الرسول قبر أمه وبكى، وأبكى من حوله. وكانت أمه قد توفيت في السنة السادسة من عمره الشريف بالمدينة المنورة، وعلى هذا فقد زار الرسول (ص) قبر أمه بعد نيف وأربعين سنة، حين هاجر إلى المدينة المنورة، وإن أثر قبر أمه عند ذاك كان ماثلا للعيان، وإلا لما عرف قبرها ؟
وإذا كان الحكم الإسلامي، هو تسوية القبور، فلم لم يأمر الرسول (ص) بهدم قبر أمه عند ذاك ؟ فالبناء على القبور يكون لحفظ معالمها، والدلالة عليها، لأن تعاهدها بالاهتمام والزيارة، هو لأجل التذكرة والاستعبار، واخذ العبرة، فهل إن دعاة التهديم، يأخذون بعض الروايات الضعيفة، ويلونونها بما يحلو لهم، مخالفة وانحرافا عن الخط الإسلامي الصحيح ؟!