b4b3b2b1
حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام | النبي الكريم صلى الله عليه وآله | الإمام علي عليه السلام | علي بن موسى الرضا عليه السلام | حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام | حياة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) | زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام | حياة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) | حياة الإمام محمد الجواد عليه السلام | حياة الإمام موسى الكاظم عليه السلام | حياة الإمام علي الهادي عليه السلام | حياة الإمام الحسين بن علي عليه السلام |

الإمام علي عليه السلام

 

29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008

في سطور

اسمه: علي أبن أبي طالب (عليهما السلام).

كنيته: أبو الحسن، أبو تراب.

لقبه: أمير المؤمنين وسيد الوصيين والمرتضى وحيدر والأنزع والوصي.

ولادته: ولد داخل بيت الله الحرام (في الكعبة) في13 من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة.

أبوه: عبد مناف (أبو طالب) وهو أخو عبد الله أب النبي (صلى الله عليه وآله) لامه وأبيه.

جده: عبد المطلب بن هاشم سيد قريش.

أمه: السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي.

زوجاته: اول زوجاته سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وبعد استشهادها تزوج أمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تزوج أم البنين بنت حزام، وتزوج ليلى بنت مسعود، وتزوج أسماء بنت عميس، وتزوج أم حبيب بنت ربيعه، وتزوج خوله بنت جعفر بن قيس، وتزوج أم سعيد بنت عروة بن مسعود، وتزوج مخبأة بنت امرئ القيس.

أولاده: قال الشيخ المفيد أنهم سبعة وعشرون ما بين ذكر وأنثى وبإضافة الشهيد السقط (المحسن) يكونوا ثمانية وعشرين، أشهرهم: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس والمحسن وزينب الكبرى وأم كلثوم...

أخوته: عقيل، وطالب، وجعفر الطيار.

حرزه: الله.. بتألق نور بهاء عرشك من أعدائي استترت وبسطوة الجبروت من كمال عزك ممن يكيدني احتجبت وبسلطانك العظيم من شر كل سلطان وشيطان استعذت ومن فرائض نعمتك وجزيل عطيتك يا مولاي طلبت كيف أخاف وأنت أملي وكيف اضام وعليك متكلي اسلمت إليك نفسي وفوضت إليك امري وتوكلت في كل أحوالي عليك صل على محمد واشفني واكفني واغلب لي من غلبني يا غالبا غير مغلوب زجرت كل راصد رصد ومارد مرد وحاسد حسد وعاند عند ببسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد كذلك الله ربنا حسبنا الله ونعم الوكيل إنه قوي معين.

شهادته: في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة.

ولادة الإمام علي (عليه السلام) في الكعبة

في الثالث عشر من رجب تقدمت السيدة فاطمة بنت أسد على بيت الله الحرام وكانت حاملا بالإمام علي (عليه السلام) لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فتمسكت بجدار البيت وقالت: (رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وأنه بنى البيت العتيق فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي...)

فانفرج لها الجدار ودخلت البيت ثم عاد إلى حالته الأولى وكلما حاول البعض أن يفتح الباب إلا أنه لم ينفتح أبدا فعلم الناس أن ذلك أمر من الله تعالى.

فبقيت فاطمة في ضيافة الله ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع خرجت وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي تقول للناس:

(إني فضلت على آسية... ومريم... أني دخلت بيت الله الحرام فأكلتن من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف يا فاطمة: سميه عليا فهو علي والله العلي الأعلى إني شققت اسمه من اسمي.. وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن أحبه وأطاعه...

فكانت فاطمة تستمع إلى الوحي الإلهي وهي لا تشك فيه أبدا فخرجت وكان بانتظاررها النبي الذي تناول عليا وضمه إلى صدره بكل حب وعاطفة لا يعلم حدودها إلا الله لأنه سيكون أول من يؤمن به ويصدقه ويفديه ويحامي عنه.

فكانت ولادة الإمام علي (عليه السلام) معجزة لم تحصل لأحد قبله ولا بعده.

أخلاق أمير المؤمنين

لطالما أكد الإسلام على قيم الأخلاق المثلى والصفات السامية، وضرورة توافرها في الإنسان المؤمن والمسلم، باعتبارها روح الدين، بدليل المخاطبة الإلهية للرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) بالآية القرآنية الشريفة (وإنك لعلى خلق عظيم)، فالأخلاق الحسنة في الدين الإسلامي عبادة، حيث ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله أن التبسم في وجه المؤمن عبادة، وهذا ما تجسد بشخصية سيد الموحدين وأمير المؤمنين من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في ميادين الحياة كافة وبصور شتى، وكذا الحال لسائر اهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

ومما يروى عنه (عليه السلام) إنه مر ذات يوم في الطريق فرأى امرأة على كتفيها قربة ماء فأخذ منها القربة بكل تواضع فحملها إلى موضعها وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب زوجي إلى بعض الثغور فقتل وترك علي صبيانا يتامى وليس عندي شيء فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس.

فانصرف عنها متأثرا وبات ليلته قلقا فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام إليها فقالت: رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، وهي لا تدري انه هو علي ثم قال: (إني أحببت الثواب فهل تسمحين لي أن أساعدك فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تهتمين بالصبيان لأخبز أنا) فقالت: أنا أخبز وأنت عليك بالصبيان.

فعمد علي (عليه السلام) إلى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فلما اختمر العجين قالت المرأة: يا عبد الله أسجر التنور، فبادر الإمام بكل تواضع وهدوء إلى سجره فلما أشعله رأته جارة المرأة فعرفته فذهبت إلى تلك المرأة فقالت لها: ويحك هذا أمير المؤمنين فبادرت وهي تقول: واحيائي منك يا امير المؤمنين، فقال: (بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك).

وكان (عليه السلام) دائم البشاشة والتبسم في وجوه المؤمنين، يكرم ضيوفه ويحترم كل من جالسه حتى لو كان عدوه اللدود.

أول المؤمنين

يجدر بكل مسلم ومسلمة أن يعوا أن علياً (عليه السلام) لم يدعه الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام كما دعا غيره فيما بعد، أبداً، لأن علياً (عليه السلام) كان مسلماً بفطرة الله تعالى، لم تصبه الجاهلية بأوضاعها، ولم يتفاعل مع شيء من سفاسفها، وكل الذي كان: أن علياً (عليه السلام) قد أطلعه الرسول القائد (صلى الله عليه وآله) على أمر دعوته ومنهج رسالته، فأعلن تصديقه وأيقن بالرسالة الخاتمة، وبادر لتلقي توجيهاته المباركة تلقي تنفيذ وتجسيد، ولهذا يقال: (كرم الله وجهه). فإنه (عليه السلام) كان مؤهلاً لاتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دعوته، لأنه (صلى الله عليه وآله) كان قد أنشأ شخصيته، وأرسى لبناتها الأساسية.

وعلي (عليه السلام) كان مطلعاً على عبادة أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وممارساته وتحولاته الروحية والفكرية، فكان يتعبد معه، وينهج نهجه، ويسلك سبيله، في ذلك السن المبكر من عمره..

أما حين فاتحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الدعوة الإلهية، فقد لبى النداء بروحه ووعيه وكل جوارحه، دون أن يباغت في الأمر.

وحين بُلِّغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة، بلغ كذلك، أن تنصب دعوته أولاً على الخاصة من أهل بيته (عليهم السلام)، وقد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله: «فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكر ما أنعم الله عليه، وعلى العباد به، من النبوة سرّاً إلى من يطمئن إليه من أهله..». ومن أجل ذلك فاتح علياً وخديجة بالدعوة وبعدهما زيد بن حارثة، وبقي أمرها طي الكتمان لا يعلمه غير هؤلاء، وبعض الخاصة من أهل البيت (عليهم السلام).

وبعد أن تخطت الدعوة مرحلة الدعوة الخاصة جاءت مرحلة دعوة من يتوسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم القبول، فانخرط عدد من الناس في سلك الدعوة، كان أغلبهم من الشباب، وكانت لقاءاتهم من أجل قراءة القرآن الكريم، والتعرف على أحكام دين الله تعالى تتم بصورة سرية..

ولاية علي في القرآن

لقد صرح القرآن الكريم بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبخصوص لفظة (ولي) التي استخدمها النبي (صلى الله عليه وآله) في بيعة الغدير إنما إستند فيها على مضمون قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). المائدة:55

حيث اتفق أغلب وأكثر اهل التفسير والتاريخ أنها نزلت على علي (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه للفقير أثناء الصلاة.

وعندما نتأمل مفردات الآية نجدها على أمر عظيم، إذ تشير إلى معنى خطير وفيها دلالة على شأن جسيم فمثلا:

1- (إنما) أداة حصر فقد حصرت الولاية في الله والرسول والمؤمنون الذي اختصه تعالى كمثل أعلى لهم وقدوة (وهو علي).

2- (وليكم) واحدة ولكن تفرع عليها الله جل وعلا والرسول وعلي، أي أن الولاية في الحقيقة واحدة وهي ولاية الله تعالى ولكن تفرع منها بإذنه سبحانه وتعالى ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن ولايته تفرعت ولاية علي (عليه السلام).

3- (يؤتون الزكاة وهم راكعون) ذكرت هذا الوصف ليكون المقصود من المؤمنين شخص علي (عليه السلام) لانه هو الوحيد الذي تمثل بهذا الفعل العبادي في عمق الصلاة.

4- واستخدام لفظة (وليكم) مع لفظ الجلالة والرسالة الخاتمة يصرف كل المعاني الأخرى لهذه الكلمة (ولي)، فلا ينطبق معنى الناصر والمحب والصديق وابن العم وما شابه ذلك، لان الله ليس صديقا للناس ولا هو ابن عمهم وهو سبحانه يحب المؤمنين دائما وينصرهم فلا داعي لحصر ذلك.... فلا يبقى من معاني كلمة (ولي) إلا معنى واحد وهو الأولى بالتصرف فيكون معنى الآية أن الله تعالى هو وليكم أي الأولى بالتصرف فيكم من أنفسكم ورسوله وأمير المؤمنين علي.

ثم جاءت احاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخاطب علي بـ (الولي) مثل: (من كنت وليه فعلي وليه) و (علي ولي كل مؤمن من بعدي).

مميزات شجاعة الإمام علي (عليه السلام)

لقد محى (عليه السلام) أسماء الأبطال الذين قبله وبعده، ونست الناس مواقف الشجعان بفضل شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فمقاماته في الحروب مشهورة تضرب بها الأمثال.

ولكن المميز لشجاعة علي (عليه السلام) عن غيره:

أولا: إن شجاعة وبطولة امير المؤمنين (عليه السلام) وقوته الخارقة لم تمسخ الجانب المبدئي والقيمي، بل امتزجت الشجاعة مع القيم الأخلاقية والبطولة مع المبادئ الإنسانية في شخص الإمام علي (عليه السلام)، فما كان يقتل أحدا غضبا لنفسه وانتقاما شخصيا ليشفي غليله بل كانت جولاته من أجل الله تعالى فقط.

ثانيا: ومما يميز شجاعته وقوته أيضا أنه لا يثني في ضرباته أبدا، فكانت ضرباته منفردة، تكفي الضربة الواحدة منه لإنهاء الخصم.

ثالثا: أنه (عليه السلام) يقاتل بيساره بنفس المستوى الذي يقاتل فيه بيمينه، إذ يروى أن معاوية انتبه من نومه فرأى عبد الله بن

الزبير جالسا تحت رجليه على سريره فقعد فقال له عبد الله يداعبه: لو شئت أن أفتك بك لفعلت.

فقال: لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر.

قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب.

قال معاوية: لا جرم أنه قتل أباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها.

رابعا: رغم أن المقتولين بيده زعماء أغنياء عليهم ألوان الزينة الثمينة والسيوف النادرة، ولكن عليا (عليه السلام) لم يفكر أن يسلب أحدا بعد قتله مع أن ذلك حقه، ولذلك قالت أخت عمرو بن ود العامري لما عرفت أن قاتل أخيها هو علي بن أبي طالب (عليه السلام):

ولو كان قاتل عمرو غير قاتله*** بكيته أبدا ما دمت في الأبد

لكن قاتله من لا نظير له*** وكان يدعى أبوه بيضة البلد

خامسا: أنه كان من المتوسمين لا يقتل من يرى في صلبه مؤمنا، وكل هذه المميزات لا ولن تجتمع إلا فيه وفي أولاده المعصومين.

في ذمة الله

أنهى الإمام (عليه السلام) مقاومة المارقين، فشمر عن ساعديه لاستئناف قتال القاسطين في الشام بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء الثاني بين الحكمين.

وقد أمر الإمام (عليه السلام) بتعبئة جيشه، وأعلن حالة الحرب لتصفية القوى المعادية التي يقودها معاوية، وجاء إعلان الحرب من خلال خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) خطبها في الكوفة- عاصمة الدولة الإسلامية- فضمنها دعوته للجهاد.

(الجهاد، الجهاد عباد الله! ألا وإني معسكر في يومي هذا.. فمن أراد الرواح إلى الله، فليخرج!).

ثم بادر الإمام (عليه السلام) إلى عقد ألوية الحرب، فعقد للحسين راية ولأبي أيوب الأنصاري أخرى، ولقيس بن سعد ثالثة.

وبينما كان أمير المؤمنين يواصل تعبئة قواته من أجل أن ينهي حركة الردة التي يقودها معاوية في بلاد الشام كان يجري في الخفاء تخطيط لئيم من أجل اغتيال الإمام (عليه السلام).

فقد كان جماعة من الخصوم قد عقدوا اجتماعاً في مكة المكرمة، وتداولوا في أمر حركتهم، التي انتهت إلى أوخم العواقب.

فخرجوا بقرارات كان أخطرها قرار اغتيال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم (عبد الرحمن بن ملجم المرادي عليه لعنة الله)، وفي ساعة من أحرج الساعات التي يمر بها الإسلام والمسيرة الإسلامية، وبينما كانت الأمة تتطلع إلى النصر على العناصر والفرقة التي يقودها معاوية بن سفيان، امتدت يد الأثيم المرادي إلى علي (عليه السلام) فضرب الإمام (عليه السلام) بسيف وهو في سجوده عند صلاة الفجر، وفي مسجد الكوفة الشريف، وذلك في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام 40 هجرية.

لقد اغتيل الإمام (عليه السلام) وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله في صلاة خاشعة.

وفي أشرف الأيام إذ كان يؤدي صوم شهر رمضان.

ثم هو (عليه السلام) في أعظم تكليف إسلامي حيث كان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية، كما كان في بقعة من أشرف بقاع الله وأطهرها (مسجد الكوفة).

علي وصي الرسول (صلى الله عليه وآله)

من الثابت عند المسلمين جميعا أن لكل نبي وصي من بعده، يشرف على مجتمعه ويعمل على تفعيل وتجسيد رسالته، وإشاعة منهجه في الناس، فالأوصياء حلقات الوصل بين الناس والأنبياء، فهم سفراء السفراء.

فإذا كان الأنبياء سفراء الله تعالى إلى خلقه، والأوصياء سفراء الأنبياء إلى الناس، فهم إذن سفراء الله تعالى بالواسطة والتبع، ولذلك لا يتم اختيارهم من قبل الأنبياء أنفسهم بل يتولى الله تعالى تعيينهم، إذ يجب أن يكونوا على درجة عالية من النقاء، والصفاء، والعصمة، والعلم، والأخلاق الحميدة، وهذا ما لا يمكن معرفته من الخارج، فلا بد من كشف الباطن والاطلاع على الضمائر والنوايا وكوامن النفس، وهذا الأمر من شؤون الخالق سبحانه وتعالى... وبذلك يتم تعيين الأوصياء للانبياء بأسمائهم وألقابهم وصفاتهم كما هو الأمر بالنسبة للانبياء أنفسهم، حتى كتب بعض المؤرخين مصنفات خاصة في تسلسل الوصية من لدن آدم وإلى خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله).

وحتى لو نظرنا إلى موضوع الوصية من الجانب العقلي لوجدنا العقل البشري يدعو ويؤكد أمرها بكل إصرار.. لأن الوصية مسألة فطرية قد جبل عليها الإنسان منذ أقدم العصور، لانها تعبر عن التواصل والاستمرار في بناء الحياة وإدامة فصول التاريخ الفردي والاجتماعي بشكل عام، ولذلك نجد أمر الوصية موجود حتى في الشعوب الملحدة اللادينية، وحتى عند غير المتدينين والملتزمين، بل قد سنت الوصية كمفردة قانونية في جميع الحكومات المعاصرة وأصبح للوصي والقيم والمتولي أحكاما خاصة ومواد منفردة لا يمكن أن ينكرها أحد.

وعلى هذا الأساس جاءت الشريعة الإسلامية أيضا، وأكدت موضوع الوصية فيما يتصل بعدة مجالات من الحكم، والزعامة، إلى شؤون الحياة المختلفة وحتى الموت، وجعلت في كتب الفقه الإسلامي أبوابا خاصة بالوصية والوصاية لأهميتها في الحياة.

احاديث تؤكد ان علي وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)

أولا: حديث الدار

لما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين). الشعراء:214

جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل بيته وأعمامه في بيته وقال لهم: (أيكم يؤازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟)، فأحجم القوم عنها جميعا، فقام علي وقال: (أنا يا رسول الله أكون وزيرك)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم).

ثانيا: عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان الفارسي: سل النبي من وصيه؟

فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: (يا سلمان من وصي موسى؟)، فقال: يوشع بن نون، قال: فقال: (وصيي يقضي ونجز موعدي علي بن أبي طالب).

ثالثا:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الاوصياء).

رابعا:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب).

بيعة الغدير

وتسمى بـ (حجة الوداع) و (حديث الولاية)، هذا الحدث العظيم الذي أعرض عنه وعن مضامينه اهل السنة مع أهميته وشرفه لأغراض سياسية، فقد سمي بحجة الوداع لأنها آخر حجة حجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عمره، وسمي بـ (حديث الولاية) لأن الله تعالى أنزلها على النبي وأمره أن يأخذ البيعة من المسلمين لوصيه وخليفته علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وإليك تمام القصة:

نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى: (بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته). المائدة:68

وأمره أن ينادي بولاية علي، وأن يأمره عليهم من الآن، وأن يأخذ البيعة منهم لعلي بالوصاية والخلافة.

كان ذلك في العام العاشر من الهجرة في الثامن عشر من ذي الحجة الحرام عند رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين من الحج في منطقة كانت مفترقا للطرق تسمى (خم)، وأمر برجوع من تقدم عليه وانتظر وصول من تأخر عنه حتى اجتمع كل من كان مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان عددهم أكثر من مائة ألف، ثم صعد رسول الله منبرا صنع له من أحراج الإبل وأمتعة الناس وخطب فيهم خطبة عظيمة وذكر فيها بعض الآيات القرآنية التي نزلت في شأن أخيه علي بن أبي طالب وبين فضله ومقامه على الأمة، ثم قال: (معاشر الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟) قالوا: بلى، قال: (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)، بعدها امر النبي (صلى الله عليه وآله) فنصبوا خيمة وجلس فيها مع علي وأمر جميع من كان معه أن يحضروا عنده ويسلموا على علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين ويبايعوه وقال: (لقد أمرني ربي بذلك وأمركم بالبيعة لعلي)، فبايعه الجميع على ذلك.

عبادته عليه السلام

ان العبادة الحقيقية هي النابعة والمنبثقة عن علم ودراية وفهم، وملؤها الإخلاص لله تعالى، فالعابد عليه أن يعرف معنى العبادة وكيفيتها وخصوصياتها ثم يمزج علمه مع النية الصافية والإخلاص الطاهر.

فقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن العبادة القليلة عن علم وإخلاص واستمرار أفضل من العبادة الكثيرة الفاقدة لهذه الأمور.

وورد عنهم أيضا أن العبادة ليست معيارا لوزن الشخص وإنما عقله الضابط والمميز له، نعم تكون العبادة شاخصا جيدا لمعرفة الناس إذا امتزجت العبادة مع السلوك اليومي النظيف والمنطق المتعقل والانضباط السلوكي واحترام الناس ومراعاتهم ومداراتهم... عندها تكون العبادة ضابطا جيدا وميزانا مهما...

هذا ما نتعلمه من عبادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) التي كانت بهذا الشكل، وعبادته كانت عبارة عن صلاته وصيامه وصدقاته وبكائه وقيامه الليل وحبه للمساكين وغيرها، وإن كانت حياته كلها عبادة ولكنا سنشير إلى ما يلي فقط.

تقسيم علي (عليه السلام) للعبادة:

لقد قسم أمير المؤمنين (عليه السلام) العبادة إلى ثلاثة أقسام:

1- عبادة التجار.

2- عبادة العبيد.

3- عبادة الأحرار.

فقال: (إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار).

فكان هو (عليه السلام) من القسم الثالث حيث قال: (إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعا في ثوابك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)، مما يدل على الإدراك والفهم والعلم في العبادات وأن لا تكون مجرد طقوس او تقاليد.

ولذا لما سئل: هل رايت ربك؟ فقال: (ما كنت أعبد ربا لم أره، ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن راته القلوب بحقائق الإيمان)...

هكذا كان علي يعبد الله... عبادة أحرار منطلقه من قلب واع وإيمان خالص.

علي في حرب أحد

لقد جرت قريش أذيال الهزيمة والخيبة ونكست رؤوس المتكبرين، وراحت هند وزوجها أبو سفيان يحرضان العرب على قتال المسلمين، فحشدت كل قواها من جديد واتجهت نحو المدينة، واستخدمت هند احد العبيد واسمه (وحشي) وطلبت منه أن يقتل النبي (صلى الله عليه وآله) أو علي أو حمزة.

وكانت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد أمير المؤمنين كما كانت بيده يوم بدر، فتقدم علي بن أبي طالب من المسلمين وتقدم من المشركين طلحة بن أبي طلحة ثم تقارنا فاختلف بينهما ضربتان فضربه علي ضربة على مقدم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يد طلحة، فأخذه أخ له يسمى (مصعب) فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله، فأخذها عبد لهم يقال له (واب) فضربه علي على يده اليمنى فقطعها فأخذها بيده اليسرى فضربها علي فقطعها فأخذها على صدره وجمع بين يديه وهما مقطوعتان فضربه علي على رأسه فسقط صريعا وانهزم القوم.

وجاء في المغازي: أول من دعا للبراز طلحة فبرز إليه علي بن أبي طالب فقال له: يا قضم قد علمت لا يجسر علي أحد غيرك، ثم شد عليه فأتقاه علي بالجحفة ثم ضربه على فخذيه فقطعهما جميعا وسقطت الراية من طلحة، فذهب علي (عليه السلام) ليقتله نهائيا فناشده ارحم فانصرف عنه. ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها عزيز بن عثمان فقتله علي وسقطت الراية فأخذها عبد الله بن جميلة بن زهير فقتله علي وسقطت الراية فأخذها مولاهم (صواب) فضربه علي.. حتى حميت الحرب وراح أمير المؤمنين يهز سيفه هزا عنيفا وسط المشركين فانهزم كلهم.

وخالف الرماة الذين وضعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أحد التلال أمر النبي فراحوا يجمعون الغنائم وتركوا أماكنهم، فالتف خالد بن الوليد من وراء التل وجاء هو جماعة من وراء ظهور المسلمين، فانهزم أكثر المسلمين ولم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله) سوى عليا وآخرين اقل من عدد أصابع اليد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلما هجم عليه المشركين يقول: (يا علي اكفني هذه الكتيبة)، فكان علي يكشفهم ثم يذهب إلى كتيبة أخرى فيكشفهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهكذا أنقذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بواسطة الإمام علي وأبو دجانة وسهل بن حنيف...

وفي هذه الحرب جاء النداء من السماء ليؤكد للعالمين عظمة وأخلاق وشجاعة علي (عليه السلام) فنادى جبرئيل بين السماء والأرض: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)، فكانت هذه المواساة الحقيقية، فقد عرض علي نفسه للخطر الفادح والجراحات البليغة والمواقف التي قلما يثبت فيها الرجال، كل ذلك من أجل النبي (صلى الله عليه وآله) والإسلام.

وفي هذه الحرب قتل حمزة غيلة وحشي وهو عبد لهند لعنة الله عليه.

ومن المواقف البطولية لعلي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) سقط في حفرة عميقة حفرها أحد المنافقين يدعى أبا عامر) لكي يتم قتله بسهولة في هذه الحفرة، ولكن تداركه البطل الضرغام علي بن أبي طالب فأنقذه منها وأخرجه.

فهذه المواقف... مواقف من نور ومشاهد خالدة في تاريخ الإسلام، وكم مرة ومرة يظهر فضل علي فيها ولا ينكره إلا الناصب والجاهل.