29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008
الإمام الثالث من الأئمة الأطهار: الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
والده: سيد الأوصياء ويعسوب الدين علي بن أبي طالب.
والدته: البتول الطاهرة والصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وآله).
جده: أشرف وأكمل الكائنات النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
ميلاده: ولد في الثالث من شعبان، العام الثالث من الهجرة، بالمدينة المنورة.
كنيته: أبو عبد الله.
صفته: كان الإمام الحسين (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يكن طويلا ولا قصيرا، كث اللحية واسع الصدر عظيم المنكبين رحب الكفين والقدمين، فصفاته قريبة جدا من صفات اخيه الإمام الحسن، وبالجملة كان الحسين في غاية الجمال ما راي أحد قط احسن ولا أملأ للعين منه.
ألقابه: الرشيد، الطيب، الوفي، الشهيد، السبط، السيد...
إمامته: قام بالأمر بعد أخيه الحسن مباشرة، وقد استلم مقام الإمامة عام50 للهجرة.
وفاته: استشهد مظلوما في كربلاء على يد جلاوزة يزيد بن معاوية في العاشر من المحرم عام61هـ وله من العمر58 سنة.
من مناقبه: إنه سيد شباب أهل الجنة، ومنه استمر خط الإمامة، وأحد الأربعة الذين باهل بهم النبي نصارى نجران، وأحد الخمسة في حديث الكساء، وأحد الذين جعل الله تعالى مودتهم واجبة، وقد خلد له رسول الله أوسمة رائعة لا تقاس بالماديات منها:
حسين مني وأنا من حسين.
أحب أهل بيتي إلي الحسن والحسين.
الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا.
حسين سبط من الأسباط.
من أحب ان ينظر إلى أحب أهل الأرض وإلى أحب أهل السماء فلينظر إلى الحسين.
وغيرها من الفضائل.
زوجاته: ليلى بنت أبي مرة بن مسعود الثقفي، ورباب بنت امرؤ القيس، وعاتكة، وشهربانويه أو شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى ملك الفرس.
أولاده: زين العابدين علي السجاد، وعلى الأكبر، وجعفر، وعبد الله الرضيع، ويقال له علي الأصغر، وسكينة، وفاطمة النبوية، ورقية.
نقش خاتمه: إن الله بالغ أمره.
حرزه: بسم الله يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم الرحمن الرحيم يا كاشف الغم يا فارج الهم يا باعث الرسل يا صادق الوعد اللهم إن كان لي عندك رضوان وود فاغفر لي ومن اتبعني من إخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.
ميلاده وتسميته
ولد الإمام الحسين في الثالث من شهر شعبان في العام الثالث من الهجرة بالمدينة، وبذلك أثمرت دوحة النبوة وشجرة الرسالة بالوليد الثاني، فاستبشرت الملائكة بولادته وأشرقت الارض بنوره، وانطلقت أسارير النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ففرح به فرحا عظيما، فاستلمه بيديه الكريمتين وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، بعدها انطلقت النبرات الحزينة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انفجر بالبكاء وهو يحتضن الحسين ويشمه ويقبله، وعندما سئل عن سبب البكاء قال: (تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة) وهكذا عرف الحسين في يوم ميلاده أنه من الشهداء العظماء.
وسماه حسينا في سابع يوم من ولادته بعد أن أنزل هذا الاسم المبارك من قبل الله على النبي، وهو اسم لم يكن لأحد قبله، وعق عنه كبشا وحلق رأسه وقال لأمه: (احلقي رأسه وتصدقي بوزنه فضة كما فعلت بالحسن).
ومن الأمور العجيبة والآيات الباهرة في ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) أنه لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا ستة أشهر، فقد حملت به الزهراء لمدة ستة أشهر فقط ولم يولد مولود وبقي حيا لستة أشهر إلا عيسى بن مريم والحسين.
وهذا من فعل الله تعالى به ليدلل على عظمته ويلفت انتباه الناس إليه كما جعل من قبل ولادة أمير المؤمنين علي بأمر غريب ومكان مقدس ليشير إليه منذ أول يوم ولد.
الحسين مع جده
لقد كانت العلاقة بين خاتم الأنبياء وولده الحسين كالعلاقة بينه وبين الحسن، فهي فريدة من نوعها، فإنه على عظمته وشموخه كان يجثو للحسنين فيركبان على ظهره ويقول: (نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما)، فهذا فعل سيد الكائنات مع الحسين، إنه يريد ان يدلل على عظمة هذا الوليد وأهمية موقعه في المستقبل.
وفي يوم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسينا يبكي فمس بكاؤه شغاف قلب النبي (صلى الله عليه وآله) وآلمه فهرع إلى فاطمة وقال لها: (ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني؟).
فكانت العلاقة روحية، لأن الله تعالى قد اختزل في الحسين شمائل جده ومبادئه وقيمه، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): لم يرضع الحسين من فاطمة (عليها السلام) ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي (صلى الله عليه وآله) فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين وثلاثة فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله ودمه.
وبذلك صدق قول النبي (حسين مني) ليعبر أنه منه ماديا ومعنويا.
الحسين مع أبيه
أقام الإمام الحسين مع أبيه ما يقارب سبعا وثلاثين سنة أو أقل، حيث أقام معه في الكوفة واشترك معه في حرب الجمل ضد الناكثين، ثم اشترك معه في حرب صفين ضد الفئة الباغية التي يرأسها معاوية والتي أخبر عنها النبي عندما قال: (عمار تقتله الفئة الباغية).
وكذلك اشترك الحسين مع أبيه المرتضى (عليه السلام) في حرب الخوارج، وكان ملازما له في السلم والحرب ينهل منه كل شيء: العلم والتجارب ومنطق الحياة وبالجملة فإنه كان يقتدي به لأن عليا نفس محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو بذلك يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله).
من فضائل الإمام الحسين (عليه السلام)
لقد اشترك الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن في الفضائل، فهو: أحد الخمسة الذين نزل فيهم قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). الأحزاب: 33
وأحد أهل المودة: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). الشورى: 23
وأحد الثقلين: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي..)، وأحد حديث السفينة: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى)، وهو الذي بكته الملائكة والجن والإنس، بل بكته حتى الكونيات والطيور والحيتان وناح عليه الأنبياء والأوصياء في مقاماتهم.
وللحسين فضائل وخصائص انفرد بها منها:
أن الأئمة الأطهار من نسله.
أن الدعاء تحت قبته مستجاب.
جعل الله الشفاء في تراب قبره الطاهر.
أن الله لا يعد أيام زائريه ذهابا وإيابا من عمرهم.
من بكى عليه غفر الله تعالى له.
من أخلاق الحسين (عليه السلام)
كان الحسين على درجة عالية من الأخلاق، كيف لا وهو ابن النبي العظيم الذي وصفه الله تعالى بـ (وإنك لعلى خلق عظيم). القلم: 4
قال أنس: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية فحيته بباقة ريحان، فقال لها: (أنت حرة لوجه الله).
فقلت: تحييك بباقة ريحان لا خطر لها (أي لا قيمة لها) فتعتقها؟
قال الإمام: (كذا أدبنا الله قال: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وكان أحسن منها عتقها أيضا).
وجاء رجل إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يسأله حاجة فقال له الإمام: (صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة وأت بها سأسرك إن شاء الله)، فكتب إليه حاجته ودفع الرقعة للإمام، فأعطاه الإمام ما أراد وقال له: (لا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة: ذي دين، أو مروة أو حسب).
وقد وصفه الإمام المهدي (عليه السلام) بقوله: (رضي الشيم، ظاهر الكرم، متهجدا في الظلم، قويم الطرائق، كريم الخلائق، عظيم السوابق... فأخلاق الحسين هي عين أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) لأن النبي قال: حسين مني).
تواضع الإمام الحسين (عليه السلام)
حكي أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا على شط إذ نظرا إلى شيخ إعرابي خفف الوضوء فقالا: (لو قلنا له غلطت ربما لا ينقاد إلى الحق (فقالا له:) نحن شابان وأنت شيخ وربما تكون أعلم منا بأمر الوضوء والصلاة فنتوضأ ونصلي أمامك فإن كان عندنا قصور فعلمنا)، فتوضا وصليا كما رأيا من جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتاب الشيخ ورجع عن صنيعه وعرف أنهما أرادا تعليمه ولكن بكل تواضع وبعيدا عن الإثارة.
وروي أن الإمام الحسين (عليه السلام) مر بمساكين قد بسطوا كساءا لهم وألقوا عليه كسرا من الخبز فقالوا: هلم يا ابن رسول الله، فأكل معهم ثم تلى: (إنه لا يحب المستكبرين). النحل: 24
ثم قال: (قد أجبتكم فأجيبوني)، قالوا: نعم فقاما معه حتى آتوا منززله فقال للجارية: (أخرجي ما كنت تدخرين).
الحسين لا يركن للظالمين
لقد أمر يزيد واليه في المدينة بأخذ البيعة من الحسين وبضرب عنقه إن امتنع عن ذلك، فبعث الوالي على الحسين يدعوه لذلك الأمر، ولكن الإمام الحسين ينظر إلى الأمور من المنظار المبدئي والإلهي، فعندما طلب منه الوالي أن يعلن البيعة ليزيد قال له الحسين: (أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل نفس، معلن بالفسق، فمثلي لا يبايع لمثله).
وهكذا انحدرت كلمات الإباء والعز من الحسين بكل شجاعة ليعلن أنه لا يخضع للظالمين أبدا ولا يؤيد الفاسقين ولا يركن لفساد بني أمية، بل يمتنع ويحارب من أجل إزاحة الطاغوت، ولكنه اختار أن تكون كربلاء منطلق الشرارة.
لماذا كربلاء؟
في اليوم التالي بعد المحاورة بين الإمام الحسين (عليه السلام) ووالي المدينة غادر الحسين بصحبة عياله وأهل بيته وأبناء عمومته وأخوته نحو مكة ومنها توجه نحو العراق، وكان لذلك عدة أسباب نشير إلى بعضها:
1- لم يرد الإمام الحسين أن تنتهك حرمة المدينة وحرمة مكة المكرمة بإراقة الدماء فيهما لتظل صفة القدسية فيهما.
2- إذا بقى الإمام الحسين في المدينة، كان بإمكان يزيد أن يقتله غيلة بأن يدس السم إليه أو يبعث من يطعنه غدرا، وبذلك لم تكن فوائد في مثل هذه القتلة، لأن يزيد سيتبرأ من دمه ويتهم الآخرين به.
3- أراد الإمام أن يعلنها ثورة واسعة النطاق وبعيدا عن المناطق التي يتواجد فيها أنصار بنو أمية لكيلا يحجموا الثورة حتى تأخذ مفعولها بين الناس بشكل مؤثر، إذ الهدف إدانة يزيد أمام الرأي العام وكشف فساده وضحالته، وهذا لا يكون إلا بثورة عظيمة تجلب أنظار العالمين.
4- ثم إن كربلاء كانت منذ القدم من بيوت الله تعالى، إذ قيل أن عيسى ولد فيها ولذلك أشارت فاطمة بنت الحسين: (اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من العهود لوصيه علي بن أبي طالب المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده. أي الحسين. بالأمس في بيت من بيوت الله تعالى)، فكانت كربلاء بقعة طاهرة ولكن زيد في طهارتها وعظمتها وأهميتها عندما أريق دم الحسين فيها.
5- الرسائل التي وصلت إلى الحسين من بعض أهالي العراق وهم يدعونه إلى العراق لكي يكونوا معه في نهضته ضد بني أمية، هي الأخرى كانت أحد أسباب توجه الحسين نحو العراق.
لماذا قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) يزيدا؟
لقد أجاب الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه عن مثل هذا التساؤل فقال: (أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان)، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء (بني أمية) قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله).
إذن حتى لا يشيع الفساد في الأرض ويتهدم صرح الإسلام بفعل يزيد ثار الحسين (عليه السلام).
ما هو هدف الإمام الحسين (عليه السلام)؟
وقد أجاب الإمام الحسين (عليه السلام) عن ذلك أيضا:
(إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد وسيرة أبي علي بن أبي طالب).
إذن هدفه عبارة عن نشر الإصلاح من خلال السير بسيرة الأنبياء والأوصياء.
هل كان بالإمكان التصالح مع يزيد؟
أجاب الإمام الحسين (عليه السلام) فقال: (والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم).
إذن لم يرد يزيد إلا قتل الحسين حتى لو عقد معه صلحا أو هدنة، وقد كان هذا واضحا عند الإمام لذلك اختار الشهادة في طفوف كربلاء.
هل فكر الإمام بنتيجة المعركة؟
أجاب الإمام (عليه السلام) عن ذلك فقال: (من لحق بنا منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح).
فهو يرى أن النتيجة هي الشهادة، ولكن وراءها على المستوى البعيد فتحا مبينا، وهو ما أخبرت عنه الحوراء زينب (عليها السلام) وما نشاهده الآن: (وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور اليالي والأيام، وليتهجدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا).
عاشوراء
يعتبر يوم العاشر من المحرم من الأيام المؤلمة والحزينة في العالم الإسلامي، لأنه اليوم الذي قتل فيه سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة على يد أزلام بني أمية بأمر يزيد بن معاوية ليشاطر والده بذلك، إذ أن معاوية سعى جاهدا لدس السم للإمام الحسن ونجح أخيرا وهكذا سعى يزيد لقتل فلذة كبد المصطفى، وفعلا تم ذلك في عاشوراء أو على أرض كربلاء.
ففي ظهيرة العاشر من المحرم اخذ الإمام الحسين يوجه إرشاداته ونصائحه للقوم ويدعوهم إلى ترك الحرب وبيان أن يزيدا حاكم ظالم فلا يصح أن ينقادوا إليه ويقدموا على قتل ابن النبي وابن الزهراء وعلي، ولكن القوم صمت مسامعهم وأسدلوا ستار الغلظة على قلوبهم وحجبوا عقولهم عن كلمات الحسين، فكأنه ينادي فيمن لا يسمع ولا يعقل، فأمر ابن سعد بالحرب.
وتقدم أصحاب الحسين يقاتلون دون الحسين وأهل بيته قتال الأبطال، ولم تكن الحرب متكافئة من ناحية العدد ولكن الإيمان الصادق الموجود في معسكر الحسين هو العنصر الذي يعزز الثبات ويكرس النضال في أصحاب الحسين، وكان فيهم أصحابه ممن صحب رسول الله وأدركه ومن أهل الفضل والتقى أمثال حبيب بن مظاهر الأسدي، فتقدموا كلهم حتى قتلوا بعد أن قاتلوا قتالا خلده التاريخ ووقفوا مواقفا قال عنها الإمام الحسين: (ما وجدت أصحابا أبر وأوفى من أصحابي)، وتكفيهم هذه الشهادة العظيمة من الحسين الشهيد.
ثم جاء دور اهل بيته فتقدم علي الأكبر وهو أشبه الناس برسول الله فقال الإمام الحسين عنه: (كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسول الله نظرنا إليه)، فتقدم علي الأكبر فلم يزل يقاتل حتى قتل جماعة كبيرة من الأعداء حتى ضج الأعداء لكثرة من قتل منهم، إذ روي أنه قتل مائة وعشرين رجلا في الطلعة الأولى، ثم عاد إلى أبيه يطلب الماء الذي منعه ابن زياد عنهم فلم يجد عند أبيه شيئا فرجع وقاتل ثم برز أولاد مسلم وأولاد الحسن واحدا بعد الآخر كل واحد منهم يبلي بلاءا حسنا في الذب عن الإمام الحسين (عليه السلام).
ثم تقدم العباس (عليه السلام) وكان رجلا شجاعا تعلم البطولة من أبيه أمير المؤمنين فقاتل قتالا أعجز الأعداء إلى أن قتل، وبقتله قال الإمام الحسين (عليه السلام): (الآن انكسر ظهري)، لقد كان بينهما علاقة روحية فريدة قائمة على أساس المعرفة والعاطفة المتمحضة بالعلم.
عبد الله الرضيع
عندها لم يبق إلا الحسين وابنه الرضيع وابنه الآخر وهو الإمام السجاد (عليه السلام)، وكان عليلا غير قادر على القيام والقتال وقد جعلها الله حكمة ليحفظ نسل الأئمة من خلاله، فتقدم الحسين حاملا رضيعه عبد الله بين يديه يطلب من القوم شربة ماء لهذا الرضيع الذي جف لبن أمه لشدة عطشها، فرماه حرملة بن كاهل فذبحه في حجر أبيه، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به نحو السماء وقال:
(اللهم إن حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا).
ثم تقدم الحسين آيسا من الدنيا عازما على الموت وهو يقول:
أنا ابن علي الخير من آل هاشم*** كفاني بهذا مفخرا حين أفخر
وجدي رسول الله أكرم من مضى*** ونحن سراج الله في الأرض نزهر
وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد*** وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر
ولم يزل يقتل كل من دنا منه أو بارزه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.
الصمود الرائع
يروي عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسين (عليه السلام) من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته مع الناس إلى يوم مقتله فوالله ما أعطاهم ما يتذاكر به الناس من أنه يضع يده في يد يزيد، وكان الحسين يقول لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد موت في عز خير من حياة في ذل.
وعندما قتل جميع من كان معه قال: أما والله لا أجيبكم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي.
هذا الصمود والثبات الذي ورثه الحسين من جده وأبيه هو الذي زاد في إشراق الحسين في قلوب المحبين وصفحات التاريخ، وعدم الخضوع للظالمين والمتخلفين بحد ذاته مدرسة نقتبس أسسها من أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فعندما نحبه علينا أن نكون على نهجه ونتحلى بما كان من صفات الجمال والكمال في الحسين.
شجاعة الحسين (عليه السلام)
قال فيه الرواة: والله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا (عقلا) ولا أجرأ مقدما منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، وأن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليهم بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.
وهو الذي جبن الشجعان ممن أراد حز رأسه وأخافهم وهو بين الموت والحياة.
وهو الذي صبر على طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام دون أن يستلسم للظالمين أو يراهن في دينه أو يتنازل عن بعض مبادئه، فقد وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية سهم وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة رمح وأربع وثلاثون ضربة سيف، ولقد ضربوه بالحجارة ورشقوه بالسهام حتى سقط صريعا على الأرض واحتز رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن لعنه الله.
ثم أحرقوا خيامه وقادوا النساء والأولاد بعد أن أوثقوهم بالحديد إلى الشام، وسلب جيش يزيد ملابس الحسين ومتاعه ثم سحقوا جسده بحوافر النخيل.
هل يمكن القول أن المنتصر هو الحسين (عليه السلام)؟
وهنا نجد جوابا رائعا من الإمام السجاد علي بن الحسين (عليهما السلام)، إذ لما رجع إلى المدينة قال له إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله: من الغالب؟ فقال: (إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف الغالب).
إذ ما دام اسم النبي الأكرم وإعلان الشهادة بالرسالة له في الأذان والإقامة مستمرا فهذا أقوى دليل على انتصار الحسين، إذ كان هدف يزيد أن يزيل آثار النبوة ويمحو معالم الرسالة، ولكن الأمر بالعكس وما كان ذلك إلا بفضل الإمام الحسين (عليه السلام).
نعم انتصر الحسين على المستوى البعيد، فقد حرك مشاعر الأمة الإسلامية وقامت الثورات من بعده ولم تهدأ أبدا ضد الظلمة، كل ذلك بفضل دم الحسين، وها هو اليوم ضريحه قبلة المحبين والثائرين وقد زاده الله رفعة في الدنيا والآخرة.