29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008
اسمه: علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الهدى (عليه السلام).
لقبه: الرضا، الصابر، الرضي، الفاضل، الوفي.
كنيته: أبو الحسن.
والده: الإمام السابع موسى الكاظم (عليه السلام).
والدته: السيدة الجليلة تكتم وتسمى أيضا نجمة وكنيتها أم البنين.
ولادته: ولد (عليه السلام) عام148هـ في المدينة المنورة.
مع أبيه: عاش الإمام الرضا مع أبيه24 سنة وأشهرا.
مع جده: وعاش الإمام الرضا مع جده الإمام الصادق (عليه السلام)5 سنين.
معاصريه: عاصر بقية ملك هارون العباسي ومحمد الأمين والمأمون.
صفته: كان (عليه السلام) معتدل القامة وسيما أسمرا.
من زوجاته: أهم زوجاته الإمام هي السيدة الجليلة (خيزران) وتسمى أيضا بـ (سكينة النوبية).
أولاده: لم يكن للإمام الرضا من الولد إلا الجواد (عليه السلام) وقيل كان له آخر اسمه موسى.
عمره: خمس وخمسون سنة.
استشهاده: كانت في آخر صفر سنة203هـ توفي متأثرا بسم دسه إليه المأمون العباسي.
قبره: دفن في مدينة طوس، وهي الآن من نواحي خراسان في إيران باسم مشهد المقدسة.
نقش خاتمه: (ولي الله) أو (ما شاء الله لا قوة إلا بالله).
حرزه: بسم الله الرحمن الرحيم إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أو غير تقي أخذت بالله السميع البصير على سمعك وبصرك لا سلطان لك علي ولا على سمعي ولا على بصري ولا على شعري ولا على بشري ولا على لحمي ولا على دمي ولا على مخي ولا على عصبي ولا على عظامي ولا على مالي ولا على ما رزقني ربي سترت بيني وبينك بستر النبوة الذي استتر انبياء الله جبرئيل عن يميني، وميكائيل عن يساري واسرافيل من ورائي ومحمد (صلى الله عليه وآله) أمامي والله مطلع علي يمنعك مني ويمنع الشيطان مني اللهم لا يغلب جهله أناتك أن يستفزني ويستخفيني اللهم إليك التجأت الله إليك التجأت اللهم إليك التجأت.
البشارات
لقد بشر بعض الأئمة بالإمام الرضا قبل ولادته بعشرات السنين لأهمية موقع الإمام الرضا في الحقبة الزمانية التي سيعاصرها وأهمية وجوده الشريف باعتباره أحد حلقات السلسلة الذهبية الإثنا عشر الأئمة الذين بشر بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فمثلا كان الإمام الكاظم (عليه السلام) يقول لبنيه: هذا أخوكم علي الرضا عالم آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي جعفر بن محمد (الصادق) غير مرة يقول لي: إن عالم آل محمد (صلى الله عليه وآله) لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمي أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وروي أيضا أنه لما اشترت السيدة حميدة أم الإمام الكاظم (نجمة) قالت حميدة: إني رأيت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي: يا حميدة هي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض، يعني الإمام الرضا.
وهكذا قالت امرأة نصرانية عندما رأت السيدة نجمة (أم الإمام الرضا): إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها، فولد الرضا (عليه السلام).
علم الإمام الرضا (عليه السلام)
يقول إبراهيم بن العباس أحد معاصري الإمام: ما رأيت الرضا (عليه السلام) سئل عن شيء قط إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن.
وكان علمه ممزوجا بالتواضع والحلم فإنه لا يقطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما رد أحدا عن حاجة أو سؤال، فالعلم عند الأئمة (عليهم السلام) لا يكون حاجزا بينهم وبين الناس بل على العكس، فإنهم بالعلم يجمعون المسلمين ويحيونهم.
وعن أبي الصلت قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد سمعت الرضا يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها.
ولعل أوضح ما يؤكد لنا سعة علم الإمام هي حواراته ومناظراته التي سنذكر منها ما يلي فتابع:
مناظرات الإمام العقائدية في إبطال رؤية الله تعالى:
قال المأمون العباسي للإمام الرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله ما معنى قول الله عز وجل: (فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني)، ألا يعلم موسى أنه لا تجوز رؤية الله تعالى حتى يسأله؟
فقال الإمام: إن موسى بن عمران (عليه السلام) علم أن الله تعالى أعز أن يرى بالإبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله كلمه فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، فاختار موسى منهم سبعين رجلا وخرج بهم إلى جبل طور سيناء وطلب موسى من ربه أن يكلمه حتى يسمعوه فكلمه الله تعالى وسمعوا صوتا من جميع الجهات، فقالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله تعالى جهرة، فمنعهم موسى عن هذه المقالة وأنه أمر مستحيل لأن الله تعالى ليس بجسم حتى يرى ولكنهم أصروا عليه، عند ذلك أوحى الله لموسى: (يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم)، فعند ذلك قال موسى: (رب أرني أنظر إليك...).
وبهذا الشكل يرفع الإمام الرضا الشبهات والضلالات التي أتارها الجاهلون على الأنبياء وعصمتهم وعلى التوحيد وعظمته.
من معاجز الإمام الرضا (عليه السلام)
المعجزة لا تظهر إلا لأسباب ودواع عقلانية ذات فوائد ومصالح على المستوى الفردي والعام كهداية الإنسان أو تثبيت أمر إلهي كالإمامة أو لإظهار صدق دعوى المعصوم وما شابه ذلك، ولهذا كان لأئمتنا العظم معاجز وكرامات تؤكد إمامتهم المقدسة وتهدي من ضل السبيل.
وأما معاجز إمامنا الرضا (عليه السلام) فهي كثيرة جدا ولكن نذكر شيئا يسيرا منها:
روي عن أبي إسماعيل السندي قال: سمعت بالهند أن لله في العرب حجة فخرجت من الهند في الطلب والبحث عنه حتى وصلت المدينة المنورة وأرشدوني إلى الإمام الرضا فقصدته فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة فسمت عليه باللغة السندية فرد علي بلغتي فجعلت أكلمه بالسندية وهو يجيبني بالسندية فقلت له: إني سمعت بالسند أن لله حجة في العرب، فخرجت في الطلب.
فقال بلغتي: نعم أنا هو، ثم قال: فسل عما تريد.
فسألته عما أردته، فلما أردت القيام من عنده قلت: إني لا أحسن العربية فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها.
فمسح يده على شفتي فتكلمت بالعربية من وقتي.
يروى: أن رجلا من ولد الأنصار أتى إلى الإمام الرضا (عليه السلام) وقال له: أتحفك بتحفة لم يتحفك أحد بمثلها، ففتح صندوقا كان بيده فيه سبع شعرات، فقال الرجل: هذا شعر النبي (صلى الله عليه وآله).
فنظر إليها الإمام الرضا فأخذ منها أربعة شعرات وقال: هذه من شعر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فشك الرجل في قلبه من تصرف الإمام بانه كيف ميز الشعر، فأراد الإمام أن يخرجه من الشك والشبهة فوضع الشعرات الثلاث المتبقية على النار فاحترقت، ثم وضع الأربعة فلم تحترق، فتيقن الرجل وفرح.
وجاء أحد الواقفية يوما إلى الإمام الرضا ومعه مجموعة كبيرة من الأسئلة في صحيفة وقال في نفسه: إن عرف الإمام الرضا هذه المسائل فهو ولي الأمر، فلما أتى الباب وقف عنده لشدة الازدحام فخرج إليه الخادم وبيده رقعة فيها جواب مسائله بخط الإمام الرضا (عليه السلام) وقال له: أين صحيفة الأسئلة؟ فأخرجها، فقال له الخادم: يقول لك ولي الله: هذا جواب ما فيه، فأخذه ومضى، وتعجب وآمن بالإمام وأقر بإمامته (عليه السلام).
لماذا قبل الإمام ولاية العهد؟
لم يعرض المأمون ولاية العهد على الإمام الرضا (عليه السلام) ويتركه يختار القبول أو الرفض، بل فرض عليه قبول ذلك.
فلم يكن إمامنا الرضا مختارا في هذه القضية بل مجبورا عليها من قبل المأمون، ولذلك نجد الإمام الرضا (عليه السلام) قد رفض هذا الأمر في البداية ولكن المأمون هدده بالقتل فرأى الإمام الرضا في قبول ولاية العهد مصلحة على رغم الإكراه والإجبار الذي فيها، وهو (عليه السلام) يدرك حجم المؤامرة التي يسعى إليها المأمون ويدرك الأهداف التي يريد المأمون تحقيقها من هذه القضية.
ولكن بنفس الوقت سوف يعمل الإمام الرضا لتفويت الفرصة على المأمون كما سنشير إلى ذلك فيما بعد.
ونستطيع أن نلخص الإجابة على السؤال المطروح في قبول ولاية العهد في نقاط وهي:
- أنه (عليه السلام) كان مكرها عليها.
- أنه (عليه السلام) رأى فيها نوع من مصلحة للمسلمين كما عمل النبي يوسف مع فرعون عصره.
- ومن خلال هذا المنصب المهم سيتعرف عليه كبار رجال الدولة وعلماء البلاد مما يعزز موقعه أكثر فأكثر...
وبالمناسبة فقد سئل (عليه السلام) عن قبوله لولاية العهد في ذلك الزمان فأجاب:
قد علم الله كراهتي لذلك، فما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أن يوسف كان نبيا ورسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول الخارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان.
بين الإمام الرضا ويوسف الصديق
حينما أجبر المأمون إمامنا الرضا على قبول ولاية العهد نقم بعض الذين لا يفقهون في السياسة شيء واعتبروا الإمام الرضا من أعوان بني العباس- والعياذ بالله- وتسربت الأحاديث هنا وهناك في الطرقات والمجالس وفي كل زاوية من زوايا المجتمع.
ولم يدرك أغلب الناس الحكمة في قبول الإمام الرضا لولاية العهد إلى أن صمم أحد الخوارج على أن يضع حدا لهذه الحوارات والأحاديث، فأخذ معه سكينا وطلب الإذن في الدخول على الإمام الرضا (عليه السلام) فأذن له، وكان هذا الخارجي قد عاهد أصحابه أنه إما أن يقتل الإمام الرضا لأنه صار من أعوان الطاغية المأمون- حسب اعتقاده- أو يوضح له السبب والحكمة من قبوله ولاية العهد.
فلما دخل قال له الإمام: أجيبك عن مسألتك على شرط تفي لي به، فقال: ما هو؟
قال الإمام: إن أجبتك بجواب يقنعك وترضاه تكسر الذي في كمك (السكين) وترمي به، فبقي الخارجي متحيرا ثم أخرج السكين وكسرها، ثم قال الخارجي: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت له وهم عندك كفار؟ وأنت ابن رسول الله ما حملك على هذا؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): أرأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته؟ أليس هؤلاء (العباسيين) على حال يزعمون أنهم موحدون وأولئك لم يوحدوا الله ولم يعرفوه؟.
قال الخارجي: نعم عزيز مصر وأهل مملكته أكفر من هؤلاء.
فقال الإمام: فيوسف بن يعقوب نبي ابن نبي قال للعزيز وهو كافر: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، وكان يجالس الفراعنة، وأنا رجل من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجبرني على هذا الأمر واكرهني عليه فما الذي أنكرت ونقمت علي؟.
فقال الخارجي: لا عتب عليك إني أشهد أنك ابن نبي الله وأنك صادق.
وكم هناك تشابه دقيق بين صورة النبي يوسف وإمامنا الرضا من هذا الجانب، لذلك اختارها الإمام الرضا دون غيرها ليؤكد أن وضعه لا يختلف عن وضع الأنبياء.
معجزات وكرامات في الطريق
وأثناء مسير الإمام الرضا إلى خراسان نزل في إحدى محلات مدينة نيسابور في أحد البيوت فزرع لهم الإمام لوزة في جانب الدار فنبتت وصارت شجرة وأثمرت في سنة، فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز الشجرة فمن أصابته علة تبرك بالتناول منها فتعود إليه العافية وكانت المرأة الحامل إذا عسرت ولادتها أكلت من اللوز فيخف عليها عسر الولادة، وهكذا تحولت شجرة اللوز هذه إلى مصدر للبركة والشفاء عند الناس.
ولكن مع شديد الأسف فإن الناس بمرور السنين تركوا تعاهد هذه الشجرة حتى يبست فجاء أحد أصحاب الدار فقطع أغصانها فعميت عينيه وجاء ابنه بعده فقطعها من الأرض فذهب ماله كله، ثم جاء بعده اثنان من أولاده فقاما بعد سنين باقتلاع جذر الشجرة من الأرض، فأصيب أحدهما برجله فمات منها وأصيب الآخر بشلل في يده حتى مات منه.
وهكذا أعطى الله تعالى درسا للناس ولنا أيضا أن نحترم نعمته لاسيما النعمة التي يتركها لنا أهل البيت (عليهم السلام) وأن نعتقد بقداستهم ومكانتهم عند الله تعالى.
الإمام يشترط على المأمون
لما وصل الإمام الرضا (عليه السلام) إلى المأمون العباسي وأراد المأمون أن يأخذ البيعة من الناس للإمام باعتباره وليا للعهد قال الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون: على شروط أسألكها، فقال المأمون: سل ما شئت، فكتب الإمام الرضا في ورقة ما يلي: إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أقضي ولا أغير شيئا مما هو قائم وتعفيني عن ذلك كله، فأجابه المأمون.
إذا لم يباشر الإمام الرضا الحكم والسلطة لكيلا يحسب من الجهاز الحاكم ولكيلا تحسب مظالم بني العباس عليه أيضا، ولكيلا يعد تقصير الدولة في أطراف البلاد على الإمام الرضا، ولكيلا يضفي أي شرعية على هذا الحكم الجائر، لذلك ظل الإمام بعيدا عن أي عمل ولم يتدخل في أبسط الأمور.
وم مرة طلب منه المأمون ان يساعده في بعض المشاكل الاجتماعية والسياسية فيجيبه الإمام: إن وفيت لي وفيت لك، إنما دخلت في هذا الأمر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى ولا أولي ولا أعزل وما زادني هذا الأمر في النعمة عندي شيئا.
نعم بهذه الشروط فوت الإمام الرضا (عليه السلام) الخطة والفرصة من المأمون، لأن المأمون أراد أن يلوث الإمام الرضا ببعض الممارسات السياسية التي يرتكبها هو واتباعه والمظالم التي يفعلها عماله في البلاد ومع دخول الرضا في سلك السلطة سوف يشعر الناس أن الإمام الرضا راض بسياسة بني العباس وبالتالي تلوث سمعته ويتهم بالظلم.
ولكن الإمام أذكى من هذا، فقد اشترط أن لا يتدخل في شيء من سياسة الدولة وأعلن ذلك للناس وأصبح واضحا أن الإمام الرضا لا يعد من أفراد السلطة الحاكمة، وبذلك بقى الإمام الرضا في القمة بعيدا عن سخافات بني العباس.
صلاة العيد
لما حضر العيد بعث المأمون إلى الإمام الرضا يسأله أن يصلي في الناس مكانه، فقال الرضا للمأمون: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط، فقال المأمون: إنما أريد أن تطمئن قلوب الناس إليك، وألح عليه في ذلك، فوافق الإمام ورجع إلى بيته واغتسل وهيأ نفسه للصلاة كما كان يصنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وانتشرت الأخبار في أطراف خراسان بشأن صلاة العيد بإمامة الرضا، فخرج الناس عن بكرة أبيها وغصت الشوارع وسطوح البيوت وانتشر الشرطة في كل مكان.
فخرج الإمام الرضا وقد أرخى طرفا من عمامته على كتفيه والآخر على صدره وهو حاف وبيده عصا وهو يمشي بكل وقار وهدوء، وخرج معه خدمه وبعض أصحابه، فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات وكبر الناس معه، ثم مشى خطوات وكبر أربع تكبيرات فكبر الناس معه، فتزعزعت المدينة وخيل للناس والشرطة أن الهواء والحيطان وكل شيء يكبر مع الإمام الرضا، ثم مشى وكبر أيضا فنزع الناس نعالهم وأصبحوا حفاة مثل الإمام الرضا، ثم ضج الناس بالبكاء فقد ذكرهم المنظر برسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ كان يخرج بهذه الهيئة.
ووصلت الأخبار إلى المأمون وخاف الوزراء من هذه الحادثة فتقدم الوزير الأول في الدولة الفضل بن سهل وقال للمأمون: إن بلغ الرضا المصلى على هذا الشكل أفتتن به الناس فالرأي أن ترجعه وتمنعه من الصلاة، وبقي المأمون في حيرة من أمره لأنه هو الذي طلب من الإمام الرضا أن يصلي وهو الآن يريد أن يأمره بعدم الصلاة.
وفي ظل هذه الفترة القصيرة كان الناس يأتون ويلتحقون خلف مسيرة الإمام الرضا من أماكن بعيدة وأطراف نائية حتى تحولوا إلى مسيرة تضم عشرات المئات من الناس، عندها أوعز المأمون إلى أحد رجاله ليقول للإمام الرضا أن المأمون يقول لك أن لا يصلي في الناس ويرجع إلى بيته، فرجع الإمام ورجع أغلب الناس ونقموا على المأمون وجهازه الحاكم... ولكن مع ذلك ارتفع مقام الإمام عاليا وترك في أذهان الناس ذكرى عطرة كأنه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الإمام يستغل الفرصة
لقد استغل الإمام الرضا موقعه كولي عهد استغلالا جيدا فعمل على عدة أمور:
1- كان يعقد المناظرات والحوارات الفقهية والعقائدية لاسيما فيما يتصل بعصمة الأنبياء وأحقية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالخلافة وكونه الوصي الشرعي للنبي (صلى الله عليه وآله) وعندما كانت الأسئلة تتجه إلى المأمون وجهازه فإنهم يحولونها إلى الإمام الرضا، وكان الإمام يجيب بالحق ويصدع بالصدق ويصحح المسار العام للفكر الإسلامي وهو أمضى سلاح.
2- التأكيد على مأساة الإمام الحسين (عليه السلام) فما دام هناك حرية فلابد من ربط الأمة بأعظم شهيد في الإنسانية، فكان يعقد مجالس الرثاء والعزاء أيام محرم الحرام في بيته ويدعو الشعراء لرثاء الحسين، ومن هؤلاء الشعراء دعبل الخزاعي عندما جاء إلى الإمام الرضا وأنشده قصيدته العصماء التائية المشهورة، والتي أضاف إليها الإمام بيتين من الشعر فقال:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة*** ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما*** يفرج عنا الغم والكربات
فاستغرب دعبل وقال: سيدي لمن هذا القبر؟ فقال الإمام: إنه قبري، وهكذا كان الإمام الرضا يوسع الماساة ويؤكد مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) وكانت مثل هذه القصائد التي تتضمن العقائد الحقة والفضائل الشريفة تنتشر انتشارا واسع النطاق بفضل تلك المجالس التي يعقدها الإمام الرضا فتؤثر تأثيرا إيجابيا في الناس.
كرامة للرضا (عليه السلام) في البلاط الملكي
لقد كان أكثر بني العباس يكرهون الرضا (عليه السلام) لخوفهم بأنه سيأخذ الخلافة من أيديهم، وكان المأمون قد أمر الخدم والحشم أن يقوموا للإمام الرضا إذا دخل ويرفعوا له الستائر الموضوعية على الأبواب احتراما وإكراما له، فتعاقدوا يوما أن لا يرفعوا له الستائر الموضوعة على الأبواب احتراما وإكراما له، فتعاقدوا يوما أن لا يرفعوا له الستائر فجاء الإمام الرضا ودخل في الدهليز فقاموا إليه وسلموا عليه ولم يرفعوا له الستائر فجاءت ريح من خارج القصر ودخلت في الدهليز ورفعت الستائر للإمام الرضا فدخل، وهكذا رفعت الريح جميع الستائر التي يمر بها الإمام، وعندما خرج أيضا بعث الله تعالى ريحا رفعت له جميع الستائر، فتعجب بنو العباس والخدم فقال بعضهم: إن لهذا الرجل عند الله منزلة وله منه عناية انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته فهو خير لكم.
نعم فكما سخر الله تعالى الريح للنبي سليمان (عليه السلام) كذلك هي مسخرة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).
استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام)
عندما رأى المأمون أن خطته في ولاية العهد لو تنجح فظل الإمام الرضا محترم الجانب عند المسلمين ومن أحب الناس إليهم ورأى أن القواعد الشيعية أخذت بالاتساع على رغم كل المحاولات التي بذلها للحيلولة دون ذلك قرر أن يتخلص من الإمام الرضا (عليه السلام).
وكان المأمون قد تدرب وتعلم من أبيه هارون كيفية التخلص من المناوئين له، فاستخدم نفس تلك الطريقة إذ دس السم في بعض الأكل وأمر الإمام الرضا أن يأكل منه فأكل منه الإمام فسرى في جميع جسمه الطاهر حتى ضعف بدنه الطاهر وأغمي عليه عدة مرات إلى أن استشهد (عليه السلام)، وقامت الصيحة في طوس وهرع الناس إلى بيت الإمام الرضا (عليه السلام) ونقم الناس من المأمون العباسي.
وكان الإمام قد أوصى قبل وفاته بمحل دفنه وقد عينه لبعض أصحابه وأخبرهم أن قبره محفور مهيأ من قبل الله تعالى لأنه من بقاع الجنة، وبالفعل فقد وجد قبره هكذا وتم دفنه في طوس.
وقد حضر ابنه الإمام الجواد (عليه السلام) من المدينة بطريق الاعجاز وتولى غسله وتكفينه.