27 جمادى الأولى 1432 - 01/05/2011
مهند حبيب السماوي
تعيش شعوب العالم العربي هذه الأيام منعطفا خطيرا ومرحلة تاريخية مهمة تجسدت فيما يقومون به في بلدانهم من تظاهرات واحتجاجات شعبيتان تطالب بالإصلاح والتغيير وإسقاط أنظمة الحكم الفاسدة المتعفنة منذ سنوات عديدة.
وكان بعض هذه التظاهرات سلمية كما تمثلت في مصر وتونس، التي أجبرتا رئيسهما على التنحي، والأردن واليمن والسعودية والبحرين وسوريا، وأخرى تظاهرات غير سلمية كما حدثت في ليبيا التي مازال لحد الآن " عقيدها الواهم " يُصارع من اجل البقاء أطول فترة ممكنة في الحكم والتي لم تكفي أربعة عقود فيها لكي تُشبع نهمه للسلطة.
هذه التظاهرات والاحتجاجات وجدت لدى العالم الآخر، الغربي والعربي، بدوله ومنظماته ومؤسساته ومجتمعه، تأييدا ودعماً مختلفا الإشكال والصور وصل إلى مرحلة صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بتاريخ 17 آذار 2011 لدعم ثورة 17 فبراير ضد نظام القذافي، وهو قرار يَقتضي فرض عقوبات على حكومة القذافي تتضمن حظرا للطيران وتنظيم هجمات مُسلحة ضد قواته الجوية لمنعها من الاعتداء على المدنيين.
أما في البحرين فلم نجد للمتظاهرين والمحتجين فيه، والذين بدأت ثورتهم السلمية الاثنين 14-2-2011 مُطالبة بإصلاحات سياسية بحتة، أي موقف دولي أو إقليمي مساند نظيراً للذي حصل مع الثورات العربية الأخرى في المنطقة، وهذا ما دفع صحيفة Guardian البريطانية الجمعة 29-4-2011 الى القول بان سكوت الغرب على ما يجري في البحرين دليل واضح على المعايير المزدوجة التي يستخدموها في التعامل مع القضايا العربية.
اللهم الا إذا استثنينا المسؤول في الاتحاد الأوربي نائب وزير الخارجية الهنغاري السيد زولت نيميث Zsolt Nemeth الذي طالب بتدخل دولي في البحرين مشابه للتدخل العسكري في ليبيا من اجل حماية المدنيين.
وهذا التدخل أو الضغط أمر مهم، خصوصا، ونحن نعلم، أن المواقف الغربية تجاه الإحداث العربية يمكن أن تشكّل نوعا من الضغط، لا يستهان به، على أنظمتها التي تقيم اعتباراً للدول الكبرى وما يمكن أن تتخذ موقفاً تجاهها أكثر من حرصها على مواطنيها وحقوقهم المسلوبة والمنتهكة.
ولم يقتصر هذا التجاهل المتعمد والمقصود لتظاهرات البحرين من قبل المجتمع الدولي والمحيط العربي، بل امتد ذلك أيضاً إلى أجهزة الإعلام العربي" الغوغائية" و" المُسيسة "
و" الطائفية " بامتياز، إذ على الرغم من الاهتمام الكبير التي تبديه القنوات الفضائية للتظاهرات في مصر وليبيا وسوريا وغيرها الا أنها لم تُبدي الاهتمام نفسه بما يجري في البحرين من قمع واستئصال واضطهاد للمتظاهرين فيه خصوصا بعد دخول قوات درع الجزيرة اليه يوم 18 آذار 2011.
فها هي صحيفة الكترونية عربية شهيرة يزعم أصحابها أنهم علمانيون وإنهم فوق الميول الطائفية وهي " ايلاف " نشرت الثلاثاء 26-4-2011 خبرا تنفي فيه نية الملك السعودي زيارة البحرين، وتقول في ثناياه "......قامت مجاميع من المتظاهرين الشيعة بتصعيد مسيرات مناهضة للحكومة قبل نحو ثلاثة شهور أفضت إلى قتل شرطيين ومدنيين وتعطيل الكثير من مقومات الحياة، قبل أن تعلن البحرين حالة "الامن والسلامة" وتستدعي قوات درع الجزيرة".
فايلاف " الموضوعية... التي تتوخى الدقة..كما تزعم " تقول عن المسيرات والتظاهرات البحرينية التي استمرت لعدة أسابيع انها "....أفضت إلى قتل شرطيين ومدنيين وتعطيل الكثير من مقومات الحياة....."، فكأنما كانت كل حصيلة هذا التظاهرات هي قتل شرطيين ومدنيين ولم يحدث أي شيء أخر ولا أي قتل للمتظاهرين، وهو خبر يعكس ويكشف العقلية الطائفية التي تقف وراء المحرر الذي كتب الخبر وصاغه لكي يُنشر في وسيلة إعلامية عربية تعزف باتساق وتناغم مع الحان نظيراتها الـ" عربيات ".
وبعيدا عن ما أحدثته أزمة البحرين من توتر بين الشيعة والسنة في المنطقة كما يقول دافيد بلير في مقاله في صحيفة Financial Times بتاريخ 18-4-2011، فان القمع الوحشي لقوى الأمن البحرينية مدعومة بقوات درع الجزيرة حوّل البحرين إلى جزيرة من الخوف على حد تعبير الكاتب بيل لو، وفوق كل هذا لم تجد معاناة أهل البحرين أي أصداء حقيقية في وسائل الإعلام العربية التي " تصرخ وتعوي كالكلاب السائبة " على أتفه الأسباب إذا ما كان هنالك دافعا سياسيا متعلقا به.
وعلى الرغم من أن صحيفةIndependent البريطانية قد أشارت إلى تدمير 7 جوامع و50 بيت ديني في البحرين، الا إن جمعيات حقوق الإنسان تتحدث عن اعتداءات على 412 حسينية، وتدمير أكثر من 35 مسجداً، بالإضافة إلى أن تهديم وتكسير عدد من محال ضيافة وإطعام زوار الحسينيات الذي تجاوز 1070.
بل أن بعض الجمعيات قد رصدت قيام تلك القوات بحرق عدد من نسخ القرآن التي زادت على 83 نسخة و1012 كتاباً جامعاً للأدعية والزيارات مما دفع بعض المحللين والمراقبين إلى اعتبار ما يجري في البحرين " حملة لإزالة أي مظهر شيعي"، وكل هذا يُقابل بصمت دولي وعربي سياسي وأعلامي مثير للأسى إزاء مأساة وتراجيديا البحرين الخفية على حد تعبير الكاتب أمير مدني في صحيفة Huffingtonpostالأربعاء 27-4-2011.