b4b3b2b1
وقفة لاجل المواطن المشلوع قلبه | لماذا اختار الحسين عليه السلام، الكوفة مقصدا | مسؤولية العراقي في بناء عراق أهل البيت عليهم السلام | الامن المطلوب في العراق.. والخلايا الأميبية | المشاركة السياسية في الانتخابات وعسكرة الاحزاب | العلم ملتقى الدين والحياة | قيس بن مسهر الأسدي | صوم رمضان.. محطة لتزويد الإنسان بالإرادة والصبر | خيانة كربلاء.. خيانة لله ولرسوله وقربان رسالته | عصمة الزهراء | الحرية في الإسلام كما يراها المرجع الشيرازي (دام ظله) | طريق أهل البيت (عليهم السلام) |

مقومات الثورة الحسينية

 

1 محرم 1430 - 29/12/2008

تعرضت الثورة الحسينية الى الكثير من الغبن على يد المناهج التقليدية التي ترتكز في قراءة التاريخ على المنهج الوضعي وخاصة في المناهج الدراسية حيث اتسمت بانعكاسات مذهبية واضحة وما تسمى في عوالم النقد بالنظرية الاسقاطية اذا جاز التعبير الاستدلالي اذ وضعت موازيين الواقع الحياتي الآني على واقع تاريخي له مميزاته الخاصة كدلالات سببية او نتائج المنطق العام فتصبح الثورة الحسينية حسب هذه التأويلات وكأنها انقلاب عسكري خـُطط بمصالح شخصية، وفشل بسبب عدم النضوج القيادي.

ولو بحثنا في ولادة هذه المناهج سنجدها لم تلد عن عبث وانما هي وليدة فكر أموي سلطوي استخدم وسائله الترهيبية والترغيبية أسست لمفاهيم تحريفية ساذجة لم تستطع الوقوف امام قوة مرتكزات الثورة حتى بعد إنتهائها، لكنها كبرت واستفحلت وتطورت على يد الاجيال المتأخرة من المدارس التنظيرية الحديثة الحاقدة أي انها عاشت مرحلة تبني اعقبت مرحلة الانهيار الاموي المؤسس.

وقد عالجت المدارس المتأخرة بدهاء متطور مواضيع النقد والتجريح وزرع الشك والريبة وتقليل اهمية أي بحث جاد للمرحلة التاريخية ضمن مواصفات تلك المرحلة وماهية المحيط العام والخاص، إلا ان المنهج الحقيقي إذا ماأراد ان يتصف بالعلمية عليه :

أولا: ان يستوعب ما قبل الواقعة الحسينية.

ثانيا: ان يدخل صميم هذه الثورة بجميع معانيها ومضامينها.

ثالثا: عليه ان يدخل في عوالم ما بعد الثورة - أي النتائج التي افرزتها الثورة الحسينية - وفي طبيعة الامر ان أي مفهوم من هذه المفاهيم الثلاثة هو قابل للزيف والتحريف مالم يمتلك المصداقية البحثية والدقة التقييمية، وعلى سبيل المثال، هناك ناتج ظاهري وهناك نتائج معنوية، فالناتج الظاهري يدل على انكسار الثورة الحسينية هذا واقع لايمكن ان ينكر لكن السؤال الذي لابد ان يُطرح في مثل هذه المواقع الاستدلالية. هل بامكانية الواقع اذا كان منكسرا ان ينهض بمهمات تاريخية كبيرة؟

هل من الممكن لهذا الواقع الذي صوروه انكسارا ان يكسر شوكة الطغاة المنتصرين عسكريا ؟ هل من الممكن لأي منكسر ان يرقى للشموخ ؟ ويبقى خالدا على مر الدهور ؟ هل يستطيع تاريخ منكسر ان يسمو في كل تقييم يؤمن بالخلود وهو امام اندحار كامل لتاريخ يسمى في الصيغ العسكرية انتصارا ؟ وهذا يدل على ظهور مناهج تناقض المناهج التقليدية تمتلك دلالات واسعة مبدعة تستطيع ان تدرك ثنايا التاريخ وبوسعها ان تتحرك ضمن مستجدات الحاضر من حيث المعنى العام فيكون متعدد الابعاد والدلالات ولا ينظر الى التاريخ من زاوية واحدة بوجهة نظر واحدة وللابتعاد عن الجفاف البحثي ورفع ضيق الرؤيا والاعتماد على حيوية واعية تدرك أولا مقومات الثورة الحسينية من اجل خلق فسحة للمقارنة المدركة أي نقاط التقارب والتباعد ...

وهذه بطبيعة الحال مسائل تنظيرية تلجأ لاحتواء المناهج الاخرى ولا علاقة لها بالمحتوى الايماني، فأنا أؤمن تماما ان من الغبن ان تقاس الثورة الحسينية بأي مقياس مهما كان واعيا، وارى ان العكس هو الصحيح وقد ينظر البعض الى ان ما أقدمه الآن هو نوع من المثاليات الحوارية واجد ان مثل هذا الاسلوب يحمل روحية كسب المعنى الاخر من اجل احتواء القناعات، ولابد لي من امثلة ابرر فيها سلامة هذا الفعل الحواري، مثلا: لو سألت عن رجل ترك زوجته الشابة ورضيعها في الصحراء القاحلة وعاد دونهما ؟ ماذا سيكون الحكم العام عليه ؟

واذا سألت عن رجل يقتل طفلا لانه يعتقد إنه عندما يكبر يرهق ذويه ؟ فمن المؤكد سيكون الحكم ليس لصالحه ... وهناك الكثير من الاسئلة التي من الغبن ان تطرح لصيغة التداول المنطقي اذا عرفنا ان الرجل الاول كان النبي ابراهيم (عليه السلام)والرجل الثاني كان العبد الصالح الخضر (عليه السلام)لان مؤولات المسند الايماني سيبعد الفعل عن أي حكم وضعي وهذا سيمنحنا استدلالا آخر مفاده ان جميع المناهج التي درست الثورة الحسينية هي ليست مناهج اصلا. وانما هي مجرد اتفاقات على موضوع معين ومعظم هذه الاتفاقات لم تنظر الى الخصوصية الايمانية وتجاهلت نبوءات الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)ونبوءات الامام علي (عليه السلام)وتجاهلت الموروث الرسالي قبل ذلك والذي كان يشير الى نبوءات العديد من الانبياء حول واقعة كربلاء. ويعني انها نظرت الى الثورة كفعل انساني قائم على مصالح معينة. ورغم كل هذا ندخل مطمئنين الى رؤى البحث عن مقومات الثورة الناجحة التي لابد ان ننظر إليها من خلال المنظور الاسلامي الذي يرتكز على جوهر (البعد الإلهي للثورة) وبدونه سنرفع الخصوصية الأسمى عن هذه الثورة المباركة ونعرضها الى رؤى مادية متناقضة لكونها ستؤطـَّر بأطر سياسية وظيفية تعتني بالوازع السياسي كفكر قيادي، بينما قوة هذه الثورة الحسينية بارتباطها وارتباط حركتها التغيرية بالله تعالى. وبهذا الايمان سنصل الجوهر الحقيقي لهذه الثورة المتمثلة بالتكليف الرسالي الذي يمنح الثورة البعد الروحي والقدسية التي تتسامى بها حركات الانبياء الاصلاحية... والتحرك الثوري في قضية الإمام الحسين (عليه السلام)كان مرتبطا منذ النبوءة الاولى والوهج الاول بالله تعالى وبالاسلام مجموعة اهداف حملتها الثورة كحركة نهضوية ذات مفاهيم وشعارات تفاعل معها الوجدان لانها ذات محتوى مرتبط برسالة الاسلام ليس فيها اشر ولا بطر ولا فساد ولا ظلم، وانما هو سعي خالص لطلب الاصلاح في امة محمد (صلى الله عليه وآله)يريد قائدها ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جده المصطفى فهل ثمة مفاهيم اقرب للعقيدة الاسلامية منها؟

ثمة دلالات لايمكن التماس معها إلا بمعرفة وجهي المعادلة مثلا النمط السلطوي الحاكم الذي ابتدع الارتداد عن الاسلام بطرق ملتوية استطاعت تغيير سلوك الوعي الجمعي، حتى اصبح الحال يحتاج الى ثورة واعية تعيد التوازن لهوية كادت ان تضيع فحملت الثورة الحسينية البعد الانساني كمعنى يهدف الى الاهتمام بالنواحي الفطرية. وهذا هو المفهوم الامتدادي لحركة الرسل والانبياء فجميع تلك الحركات تساهم في مصير واحد يرتقي الى رفض الظلم ومقارعة المستبدين والدعوة الى الحق والعدل والفضيلة من اجل تحقيق الاستقرار. ولا يمكن ان تتحقق كل هذه المشاريع إلا ببعث عزة الانسان وكرامته والسعي لايقاد شعلة الحرية الحقيقية وهذا هو المسعى الرسالي الذي تكفل به الرسول (صلى الله عليه وآله)رفض العبودية وانحرافات السلطوية والاوهام والتقليد ومحاربة الطغاة الذين يسعون لاستغلال الناس والتحكم في مصائرهم وتوحيد عبادة الله التي تقود الى الكمالات وهذا يدلنا على الاهتمام الشامل بواقع الامة الحياتي لتحريكه من خلال القضايا الحسية المعاشة بمكونات رؤيوية مضيئة تسعى لتحرير الانسان من عبوديته لغير الله تعالى. وهذا كفيل بدفع الواقع المعاش للتعامل مع مصدر من اهم مصادر القوة والذي يمتلك مؤثرات تكوينية واضحة المعالم لأن الانسان الذليل يستسلم للظلم ولايمكن ان يملأ حضوره كانسان حر مقاوم للظلم او ان يطمح وسط هذه الذلة والمهانة للافضل. فلذلك أكد قائد الثورة على البعد الانساني وجعله احد الجوانب الانسانية التي دعته للتحرك لأنه رأى الاذلال الذي اراد يزيد ان يلبسه للامة والظلم الذي بسطه عليها. وقد أوضح الإمام الحسين (عليه السلام) هذا البعد في مواقف كثيرة (لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما) وشعار الثورة الخالد (هيهات منا الذلة) والكثير من هذه العبارات المليئة بالحضور. فالاخلاص حضور شمولي لابد له ان يحتوي بُعدا آخرا هو البعد الاخلاقي في المجتمع، بوصفه حاجة من الحاجات الانسانية وبدونه تضطرب حياة الانسان نتيجة الخواء النفسي العام الذي سيصيبه. وبهذا الوصف ستحتاج الثورة لتبعد هذا الدرك المظلم عن طريقها بواسطة قيادة عاقلة تمتلك الفاعلية العلمية السليمة بما يتلاءم والجوهر الايماني. وإلا فأي نجاح دون هذا المحتوى يضعنا امام مكون انفعالي لعاطفة شعورية واحاسيس توفيقية وقد تكون مجرد ردة فعل او تمرد او انعكاس للواقع السيء. لكن في كل الاحوال لا تعتبر عملية تغييرية بناءة تهدف الى الامتداد الرسالي الذي شيده النبي (صلى الله عليه وآله)لا تستطيع ان توفر القسط والعدل والتكامل الانساني. وهناك تصورات انحرفت عن المسار الفكري المعتدل فراحت تهيئ بأن الحسين (عليه السلام)كان لا أباليا في قيادته لكونه يمتلك نبوءة وضّحت شكل المصير، بينما نجد اولا ان تبيان الهدف وضح المسيرة النهضوية وقد تم تخطيط واع للحركة منح الانطباع التأكيدي على قدرة قيادية لإنجاح الثورة واستلام زمام الحكم لبناء قاعدة اسلامية تعيد ما بناه جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)وأما انحرافات المؤولين ابعدت عنهم النظرة الصائبة للنظر في ان مسألة استلام السلطة كانت وسيلة لنشر حكم اسلامي وليس غاية سعت لها الثورة. وبينما الكثير من الامور تؤكد حسن التخطيط ودقته كموقفه من البيعة ليزيد حيث طبق اسلوب قيادي متميز اسند الحماية لبعض اصحابه في الوقوف خلف الباب للبقاء على أهبة الاستعداد لإقتحام الدار. الوصايا التي تحمل شعارات الثورة وسعى لإلفات النظر الى هذه الثورة المقدامة اختياره الدقيق لتميزات نصب الخيام والخندق حول الخيام وقبل ذلك كان هناك الدور الاعلامي المتميز، لأن مجرد الوعي والادراك لا يحتوي كما احتوت الثورة الحسينية على هذا الكم العالي من البعد الوجداني الذي تميز بقدرته على الحركة والفاعلية لكون هذا البعد يشكل وجدان المحبة والمعاني الخيرة التي اودعها الله نبيه من العدل والعزة والحرية والكرامة ولينبع من هذا الوجدان الايماني بمنهج الثورة وشعاراتها واهدافها لتهيئ لها قاعدة جماهيرية تسعى لاعداد الجماهير فكريا ومعنويا حتى يتحقق التفاعل المنشود.