2 ربيع الثاني 1430 - 29/03/2009
يقول المثل الشعبي (من يعرف فيطمة بسوك الغزل) وكذلك ذوي الاختصاص في المجالات العلمية والاقتصادية وفنون الأدب والإعلام الذين تزخر بهم أسواقنا الشعبية، ووتعج بهم سيارات الأجرة (التاكسي) والمقاهي، والمطاعم، والأحياء الصناعية لتصليح السيارات من بنجرجية، وفيتريجية ومصلحي الصالنصات، وربما كان البعض منهم ركاعاً (إسكافي) أو بائعاً للباجة وقد صار خبيراً في صفوف الكراعين والكرشة كما غيرت الحاجة البعض منهم اختصاصه من الكيمياء أو الفيزياء إلى اختصاص آخر في مجال الخضروات فصار يعرف رائحتها ومصادر تسويقها ونوعية الأرض التي زرعت فيها من وراء حجاب.
وقد يحب الباحث اختصاصياً يحمل شهادة دكتوراه في الري والبزل مثلاً كما في إحدى المعاهد التعليمية التي تدرس الميكانيك والكهرباء وغيرها وقد صار عميداً له وبراتب قدره أكثر من 5 ملايين دينار عراقي فيما تجد المهندس الكهربائي أو مهندس الميكانيك شرطي مرور أو قائداً لمجموعة من العمال منظفي الشوارع، أو مصلحاً للصوبيات النفطية (المدفئات) وقد انزوى في دكان صغير مظلم في أحد الشوارع البعيدة عن مركز المدينة.
كما يمكن أن نجد طفيلياً - عفواً - متخصصاً في الطفيليات أو مهندساً خضرويا وقد صار محافظاً بعد حصوله على شهادة انتماء لحزب الله المختار، الذين اختارتهم الأيادي الخفية ليكون قادة هذه الأمة بعد أن تعروا طائعين وبمحض إرادتهم الوطنية وكشفوا حتى عما تحت ورقة التوت من أجل الوصول إلى كرسي السلطة ليكونوا قيادين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً يعني مثل (جوية العجل على ذيله) التي لا يمكن محوها إلا بقطع الذيل... ومن يجروء على أن يمس العجل وقد صار مسؤولاً؟!
وكذلك هو حال المسكين صاحب شهادة البكالوريوس أو الماجستير الذي أمضى أجمل سنوات عمره في مجال اختصاصه الذين يعمل فيترجياً في أحد الأحياء الصناعية والذي فقد الأمل في الحصول على وظيفة إلا أن يتخلى عن ذيله أو ليكون بكامل إنسانيته ذيلاً لإحدى الأحزاب المتنفذة حتى يتم تعيينه في إحدى المؤسسات الحكومية ليمارس اختصاصه الأصل قبل أن تبعث به يد الأقدار فيترجياً إلى الحي الصناعي، وهو ما يحتاج إلى معجزة من العيار الثقيل.
وكما يقول المثل الشعبي فصاحب الشهادة العليا أو المختص فقد صار كالأبتر بين البتران أو كما يقول المثل المتقدم الذكر (مثل فطيمة بسوك الغزل) ضائعاً لا يعرفه أحد إلا أن يكون لفطيمة أحد أبناء العمومة أو العشيرة قائداً أو مناضلاً سياسياً أو مسؤولاً حكومياً، ومن يجلس على كرسي المسؤولية وهو ما لا يمكن أن يعترف بفطيمة وإن كانت زوجته السابقة.
ولا غرابة أن يضيع الاختصاصيون في هذا البلد ما دام أغلب رؤوساء الدوائر هم من النزلاء على تلك الدوائر وبالتعبير الشعبي (قجق) تبوأ إداراتها عن طريق الحزب أو أبناء العمومة وبالتالي فلا يمكن أن يعين أي إنسان مختص يملك خبرة حتى لا تضيع من بين يديه كل النعم والمخصصات وقد يجد نفسه لو عمل بالعدل والإنصاف عامل تنظيف في زاوية الدائرة، ينتظر خروج الموظفين حتى آخر الدوام الرسمي ليقوم بعمله.
لاشك أن ذوي الاختصاص لا يشغلون الأماكن التي طالما تمنوا أن يعملوا فيها، طالما كان القرب والبعد من المسؤول الحكومي هي التي تقرر من يكون في هذا المكان أو ذاك، فنحن نعيش في سوق غزل ,السوق المعروف بصراخ الباعة والمتجولين وازدحامهم وضوضائهم، وفي وضع يكاد يكون المثل الشعبي القائل (صخم وجهك وصير حداد) ينطبق عليه لكي يتمتع بكافة الامتيازات من راتب خرافي وإيفاد إلى الخارج والرحلات الترفيهية على حساب الحكومة ووزارة الدنانير الأمنية على أموال الشعب والتي تعمل وفق مبادئ وضرورات المثل الشعبي (ودع البزون شحمة).