22 رمضان 1429 - 23/09/2008
بينما كان أمير المؤمنين عليه السلام يواصل تعبئة قواته من أجل أن ينهي حركة المعارضة التي يقودها معاوية لعنه الله في بلاد الشام كان يجري في الخفاء تخطيط لئيم من أجل اغتيال الإمام (عليه السلام).
فقد كان جماعة من الخصوم قد عقدوا اجتماعاً في مكة المكرمة، وتداولوا في أمر حركتهم، التي انتهت إلى أوخم العواقب.
فخرجوا بقرارات كان أخطرها قرار اغتيال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله ، وفي ساعة من أحرج الساعات التي يمر بها الإسلام والمسيرة الإسلامية، وبينما كانت الأمة تتطلع إلى النصر على عناصر المعارضة والفرقة التي يقودها معاوية بن سفيان، امتدت يد الأثيم المرادي إلى علي (عليه السلام) فضرب الإمام (عليه السلام) بسيف وهو في سجوده عند صلاة الفجر، وفي مسجد الكوفة الشريف، وذلك في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام 40 هجرية.
لقد اغتيل الإمام (عليه السلام) وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله في صلاة خاشعة.
وفي أشرف الأيام إذ كان يؤدي صوم شهر رمضان.
ثم هو (عليه السلام) في أعظم تكليف إسلامي حيث كان في طريقه لخوض غمر حرب جهادية، كما كان في بقعة من أشرف بقاع الله وأطهرها «مسجد الكوفة».
فطوبى لعلي (عليه السلام) وحسن مآب.
لكن جريمة قتل علي (عليه السلام) تبقى أشرس جريمة وأكثرها فظاعة ووحشية، لأنها جريمة لم تستهدف رجلاً كباقي الرجال، إنما استهدفت القيادة الإسلامية الراشدة.
واستهدفت كذلك اغتيال رسالة، وتاريخ، وحضارة، وأمة كلها تتمثل في شخص علي أمير المؤمنين (عليه السلام).
وبهذا خسرت الأمة الإسلامية مسيرة وحضارة، وأروع فرصة وأطهرها في حياتها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولقد بقي الإمام (عليه السلام) يعاني من جرحه ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط (عليه السلام) ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة الفكرية والاجتماعية.
وكان (عليه السلام) طوال الأيام الثلاثة –كما كان طول حياته– لهجا بذكر الله، والثناء عليه والرضا بقضائه، والتسليم لأمره، كما كان يصدر الوصية تلو الوصية، والتوجيه الحكيم إثر التوجيه، مرشداً للخير، دالاً على المعروف، محدداً سبل الهدى، مبيناً طريق النجاة، داعياً لإقامة حدود الله تعالى وحفظها، محذراً من الهوى والنكوص عن حمل الرسالة الإلهية.
وهذه واحدة من وصاياه بهذا الشأن –مخاطباً بها الحسن والحسين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وأجيال الأمة:
«أوصيكما، بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوى عنكما، وقولاً بالحقّ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.
أوصيكما، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله) يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».
الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.
الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم. مازال يوصي بهم، حتى ظننا أنه سيورثهم.
الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.
الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم.
الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.
وعليكم بالتواصل التبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
ثم قال:(يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: «قتل أمير المؤمنين» ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي.
انظروا إذا أنا مت في ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».
وهكذا كانت النهاية المؤلمة لهذا الرجل العظيم..
فلقد كانت خسارة الرسالة والأمة بفقده من أفدح الخسائر التي أصيبت بها الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فبموت علي (عليه السلام) فقدت الأمة:
بطولة غدت أنشودة للزمان..
وشجاعة ما حلم التاريخ بمثلها..
وحكمة لا يعلم بعدها إلا الله..
وطهراً ما اكتسى به غير الأنبياء..
وزهداً في الدنيا ما بلغه إلا المقربون..
وبلاغة كأنما هي رجع صدى لكتاب الله..
وفقهاً وعلماً وتضلعاً بأحكام الرسالة رشحته لأن يكون باب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله) ومرجع للأمة الإسلامية في جميع شؤونها.
فسلام على أمير المؤمنين يوم ولد ويوم قضى شهيداً في محرابه ويوم يبعث حياً..