11 صفر 1429 - 19/02/2008
ان قيادة الامام الحسن بن علي عليه السلام، كانت القيادة المناسبة للامة في وقتها، وماقدمته للاسلام لايختلف عن ماقدمه بقية الائمة، فكل امام كان مناسبا لزمنه وقام بدوره كما يمليه عليه منصب الامامة، فقد نسف مشروعية الدولة الاموية بعد مهد السبيل لاخيه الحسين عليه السلام لينسف شرعية هذه الدولة الى الابد، ويسقطها امام المسلمين ليستمر تدحرجها الهابط وصولا الى نهايتها المعروفة.
ولد الامام الحسن المجتبى عليه السلام في المدينة المنورة في النصف من رمضان سنة ثلاث للهجرة النبوية الشريفة، وقد كان يوم مولده يوم فرح وسرور على البيت النبوي الطاهر، وجاءت تسميته من الله سبحانه وتعالى على لسان الامين جبرائيل، ليكون اسمه كأسم ابن النبي هارون عليه السلام (شبر)، وكان الحسن اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، وقد قيض الرسول وللحسن من العمر سبع سنين- وقيل ثمان سنين – وقام بالامر بعد ابيه امير المؤمنين وعمره سبع وثلاثون سنة، وكانت مدة خلافته ستة اشهر وثلاثة ايام، وصالح معاوية سنة 41هـ، وخرج الامام الى المدينة واقام بها عشر سنين، ومضى شهيدا مسموما وله من العمر سبع واربعون سنة واشهر، في الثامن من صفر – وقيل في السابع - سنة 50 ه، بعد ان سمته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس، وفي ذكرى استشهاده الاليم، نود ان نذكر عددا من المحطات في حياة هذا الامام العظيم.
اولا – فضله
هو الامام الثاني من ائمة اهل البيت، والذي شملته آية التطهير في قوله تعالى ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( الاحزاب: 33 )، وآية المباهلة، وسورة الانسان، ورابع اهل الكساء، وهو واخيه الحسين الذين قال فيهما الرسول: هذان ابناي امامان قاما او قعدا، وقال: الحسن والحسين امامان قاما او قعدا، وقال: من احب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة، وقوله في الحسن عليه السلام: اللهم اني أحبه وأحب من يحبه.... والاحاديث والروايات الواردة عن الرسول وامير المؤمنين وائمة اهل البيت في هذا الباب كثيرة جدا، وهي تبين ماللحسن عليه السلام من الكرامة والمنزلة.
ثانيا – مواقفه قبل توليه الخلافة
لقد اظهر الامام عليه السلام من الشجاعة والمواقف الكبيرة قبل توليه الخلافة مايعكس سمو منزلته وعلو همته نذكر منها الاتي:
1 - دخوله وهو لايزال حدثا على الخليفة الاول وهو جالس في منبر الرسول وطلبه منه ان ينزل عنه وتركه لمن هو احق به، ولم ينكر الخليفة قول الامام وصدقه بما قال،وهو ما يدل على مدى اطلاع الامام وأدراكه للظلم الذي لحق بالاسلام بعد قبض الرسول صلى الله عليه وآله.
2 - مشاركته في حروب الفتح الاسلامي الى جانب اخيه الحسين عليهما السلام، وهو في العشرين من عمره، حيث شارك في الجيش الذي قاده عبد الله بن نافع واخيه عقبة المتوجه لفتح افريقيا، وكان المسلمون مستبشرون بالنصر لمشاركة حفيد الرسول معهم في الجهاد وقد تحقق لهم ذلك، وكذلك مشاركته في جيش سعيد بن العاص المتوجه لفتح خراسان سنة ثلاثين للهجرة..
3 - لعب الامام الى جانب اخيه السبط وابيه امير المؤمنين دورا كبيرا في محاولة حماية الخليفة الثالث، وابعاد الثائرين عليه، لكن تصلب الخليفة في مواقفه، ودور بطانة السوء التي احاطت به منعت جهودهم ان تتكلل بالنجاح، وانتهى الامر الى مقتل الخليفة واندلاع الفتنة.
4 - شارك تحت قيادة ابيه في حرب الجمل والنهروان وصفين، وكان له موقفا مشهودا في قضية التحكيم المشهورة، وكان ساعد ابيه الايمن والمتكلم عنه اذا اعيته الخطوب.
ثالثا – خلافته ودوافع صلحه مع معاوية.
لقد تولى الامام الحسن عليه السلام الخلافة في صبيحة اليوم الاول الذي دفن فيه امير المؤمنين، وبعد انزال حكم الله في قاتله ابن ملجم، وقد خطب الامام في ذلك اليوم خطبة في رثاء ابيه ابكت الناس وانتهت ببيعتهم، وبمجرد توليه بادر الامام الى اكمال نهج ابيه في اصلاح امر الاسلام، حيث هيئ الجيش لحرب الشام، وقد بلغ عدد جيشه اربعين الفا – وفي رواية اخرى ستين الفا – والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: اذا كان الامام قد توجه بهذه الهمة لمقاتلة بني امية وعساكر الشام، فمالذي جعل الامور تنتهي بعقده الصلح مع عدوه معاوية ؟
حقيقة ان الدراسات التى حاولت الاجابة عن هذا السؤال كثيرة، وقد تعرض الامام بسبب الصلح لانتقاد شديد حتى من محبيه وانصاره، لكن الاسباب التي دفعته الى ذلك يمكن ان ترجع الى مايلي:
أ – الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية
بعد مقتل ابن عفان وتولي الامام علي عليه السلام الخلافة، مرت المجتمعات الاسلامية بفترة خطيرة جدا من القلاقل والاضطرابات، حيث انقسم الناس بين فئة تقر بمشروعية خلافة الامام علي عليه السلام وترضي الله في بيعته، وفئة بايعت طمعا بالغنائم والسلطة، وفئة انسحبت من الحياة السياسية ولزمت الحياد، واخرى رفعت قميص الخليفة المقتول واخذت تطالب بالثأر وتحتج بالعدل.. وفي هذه الظروف خاض المسلمون فيما بينهم حروبا طاحنة اهلكت الكثير، وقد مل كثير من الناس الحرب واخذوا يطلبون الدعة والسلام، ولان الحرية موجودة تحت حكم الامام الحسن عليه السلام، والظلم والقهر موجود في معسكر اعدائه، فأن التململ بدأ في المعسكر الاول فأخذ افراده يتجرأون على امامهم وينتقصون منه، وقد صور الامام حال عسكره هذا بقوله: وكنتم في مسيركم الى صفين، ودينكم امام دنياكم، واصبحتم اليوم ودنياكم امام دينكم، وأنتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون منا ثأره، وأما الباقي فخاذل، واما الباكي فثائر، بل مازاد الامر سوء هو ان الامام كان يواجه خصما لايتوانى عن استخدام اقذر السبل للوصول الى اهدافه، من الاغراء بالمال، والبنات، والاغتيال والسلب والنهب... حتى وصل الامر ان خان الامام اقرب مقربيه وابن عمه عبيد الله بن عباس الذي مال الى جانب معاوية مع اربعة الاف من جنده، ففتح باب الخيانة على مصراعيه لقادة القبائل وقادة الجند في بقية معسكر الامام كخيانة عمرو بن حريث، والاشعث بن قيس، وحجر بن الحارث، وشبث بن ربعي وغيرهم، وقد وصف الشيخ المفيد في ارشاده والطبرسي في اعلام الورى حال الامام بالقول: ان اهل العراق كتبوا الى معاوية بالسمع والطاعة، واستحثوه على السير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن اليه اذا شاء عند دنوه من معسكرهم او الفتك به، ووصلت حال الامام ان يقوم بلبس درعه حتى اثناء صلاته خوفا من اغتياله، وفعلا رماه احدهم بسهم اثناء الصلاة، وطعنه اخر بخنجر مسموم في ساباط مظلم، فقال لما طعن لزيد بن وهب الجهني: ارى – والله – ان معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون انهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي واخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهدا احقن به دمي واومن به في اهلي، خير من ان يقتلوني فتضيع اهل بيتي واهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما، والله لئن اسالمه وانا عزيز خير من ان يقتلني وانا اسير، او يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر...
اضافة لما تقدم من تدهور الوضع السياسي والاجتماعي في معسكر الامام عليه السلام، نجد ان الوضع الاقتصادي كان متدهورا ايضا اذ سلك معاوية في حربه اسلوب مانسميه اليوم بحرب العصابات حيث كان يختار مجموعات من جنده مهمتها الاغارة على دولة الامام بشكل مفاجئ فتقتل وتسلب وتنهب وتسبي وتحرق كل مايجابهها، وتنسحب بسرعة دون الاشتباك مع جند الكوفة وتوالي تكرار هذه الحوادث – وطبيعة الحرب المدمرة – ادت الى ارهاق الناس وتعبهم وتطلعهم الى حل ينهي هذه الفوضى وهذا الشقاء. اذا فضغط هذه الظروف كان امرا محفزا وقاهرا في نفس الوقت للدفع باتجاه الصلح مع معاوية.
ب – العلم الغيبي للامام
لقد كان الامام على قناعة تامة بأن مآل الامور يسير في صالح خصمه وانه منتصر لامحالة، لما امتلكه الامام من علم مسبق بذلك، ويتضحح ذلك في حواره مع سفيان بن ليلى، اذ تقول الرواية ان سفيان جاء على راحلة ودخل على الامام وهو محتب في فناء داره فقال له: السلام عليك يامذل المؤمنين.
فقال له الامام: انزل ولاتعجل.
ولما نزل قال له الامام: ماقلت ؟
قال: قلت: السلام عليك يامذل المؤمنين.
قال الامام: وماعلمك بذلك ؟
قال: عمدت الى امر الامة فخلعته من عنقك وقلدته هذا الطاغية يحكم بغير مانزل الله.
فقال الامام: سأخبرك لم فعلت ذلك، قال: سمعت ابي عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لن تذهب الايام والليالي حتى يلي أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولايشبع وهو معاوية فلذلك فعلت...
ج- رعاية عوائل الشهداء والابقاء على الشيعة
ان شأن الحروب الطويلة هو انها تخلف الكثير من الايتام والارامل والثكالى، وهذه الفئات بحاجة الى الرعاية والمساعدة لتجاوز ظروفها الصعبة، وكان امرها يؤرق الامام ويسعى لايجاد حل له، كما ان شيعة آل محمد والبيت النبوي ذاته كانوا يتعرضون الى تصفية تامة من قبل دولة بني امية حتى وصل الامر ان يقال للرجل زنديق او كافر افضل من ان يقال له محب علي، ولم تكن تقبل لهم شهادة، فأراد الامام بصلحه الابقاء على هذه النواة الخيرة، ولعل بنود الصلح هي التي تعكس دوافع الامام هذه وتوضحها.
رابعا – شروط الصلح ونتائجه
لقد كانت شروط صلح الامام مع معاوية – علما ان من بادر بطلب الصلح هو معاوية – هي:
1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبسيرة الخلفاء الصالحين.
2- أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن عليه السلام، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه السلام، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.
3- أن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام وفي القنوت بالصلاة، وأن لا يذكره إلا بخير.
4- إستثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف درهم فلا يشمله تسليم الأمر، وعلى معاوية أن يحمل كل عام الى الإمام الحسن عليه السلام ألفي ألف درهم، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم.
5- على أن الناس آمنون أينما كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وعلى أمان أصحاب علي عليه السلام أينما كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي عليه السلام بمكروه...الخ.
وما ان ابرم الصلح، حتى ارتقى معاوية المنبر فقال: أني والله ماقاتلتكم لتصلوا ولاتصوموا، ولاتحجوا ولاتزكوا، انكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، واني منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي ولا أفي بشئ منها. كما قال في موضع اخر: رضينا بها ملكا. وورد عنه قوله: انا أول الملوك، وكان يدخل عليه البعض فيسلم عليه بالقول: السلام عليك ايها الملك، في حين كان موقف الدولة الاموية من امير المؤمنين وشيعته مخالف تماما – ايضا - لشروط الصلح، حيث وجه معاوية كتابا موحدا لولاته يقول فيه: ان برأت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب وأهل بيته، وطلب اليهم في كتاب اخر: ان لايجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.. وفي كتاب ثالث قال: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطائه ورزقه، وفي كتاب رابع قال: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، واهدموا داره.. كما خالف معاوية شروط الصلح بأخذ البيعة لابنه يزيد وجعل امر الدولة قائما على الوراثة البعيدة عن قيم الاسلام واحكامه.
والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو ماذا حقق الامام الحسن عليه السلام من سياسة الصلح التي انتهجها مع خصمه ؟.
لقد حقق الامام بسياسته هذه النتائج الاتية:
- اثبت انه قائد واقعي، يجيد التعامل مع الظروف المحيطة، ويحسن تقديرها جيدا، فلا ينساق وراء طروحات فاشلة وعديمة الجدوى.
- استطاع الحفاظ على سلامة البيت النبوي من خطر الابادة، وحماية الشيعة ليكونوا نواة العمل السياسي المستقبلي في ظل ظروف افضل.
- كشف زيف واباطيل ادعاءات بني امية، فاظهرهم على حقيقتهم كطلاب ملك عضوض لايبالون بنصرة الدين وتطبيقه، وان مطالبتهم بثأر الخليفة المقتول وما تبعه من كوارث حلت بالمسلمين ماهي الا شعارات كاذبة للوصول للسلطة، وهذا النجاح نسف مشروعية الدولة الاموية وعراها امام جيلها والاجيال اللاحقة لتكون دولة غصب وطغيان واهلاك للحرث والنسل،و لعل هذا الامر هو الذي دفع الامام الى وصف صلحه مع معاوية بالقول: ليلة القدر خير من الف شهر.
- استطاع الامام عليه السلام تحويل الصراع مع خصمه من صراع بالسيف الى صراع بالكلمة، وليس ادل على ذلك من المناظرات الكلامية التي كانت تجري في مجلس معاوية، ويخرج الامام منها منتصرا وفاضحا لخبث وسوء الحاكم.
- اذا كان الامام الحسن عليه السلام قد نسف مشروعية الدولة الاموية، فانه قد مهد السبيل لاخيه الحسين عليه السلام لينسف شرعية هذه الدولة الى الابد، ويسقطها امام المسلمين ليستمر تدحرجها الهابط وصولا الى نهايتها المعروفة.
ومن خلال ماتقدم، يتضح ان قيادة الامام عليه السلام، هي القيادة المناسبة للامة في وقتها، وماقدمته للاسلام لايختلف عن ماقدمه بقية الائمة، فكل امام كان مناسبا لزمنه وقام بدوره كما يمليه عليه منصب الامامة، على الرغم من ان نمط التحديات قد اختلف من زمن لاخر.
خالد عليوي العرداوي / مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
http://www.fcdrs.com