b4b3b2b1
صناعة الورق بين الماضي والحاضر | مزار البقيع | السجاد الشرقي بين الفلكلور القديم وحداثة اليوم | الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة | المتحف العراقي | مضيف الامام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) | مدينة بلقيس الأثرية | قصر عالي قابو | مومياوات رجال الملح | منارة موجدة أثر تاريخي لعراقة كربلاء القديمة | عمارة سلطانية | أسد بابل |

مدينه حلب في الموسوعة الشيعية

3875

 

30 جمادى الآخرة 1433 - 22/05/2012

تقع حلب في شمال سورية في منتصف الطريق بين ساحل البحر المتوسط ونهر الفرات على خط عرض 36 وطول 63، وتعلو عن سطح البحر 390 متراً تقريباً. وهي تنبسط اليوم على ضفتَي نهرٍ صغير ينبع من منحدرات جبال طُوروس في الأناضول اسمه نهر « قويق »، وكان يطلق عليه سابقاً اسم نهر « خاليس » KHALYS. أمّا أهمية النهر الكبرى في العصور الغابرة فكانت لقدسيّته ونسبته للآلهة السورية الشهيرة أتارغاتيس، ATARGATIS، وموقع حلب جعلها تسيطر على الممرّات الطبيعية المجاورة لها، وأهمها:

( أ ) طرق وادي نهر الأسوَد، بين جبال الأمانوس وجبال الأكراد، وهي تؤدي إلى ثغرات جبال طوروس ومنها إلى الأناضول.

( ب ) ممرات بِيلان ( الأبواب السورية )، ووادي العاصي، والنهر الكبير، المؤدية إلى البحر المتوسط.

( ج ) ممرات برجيك وجرابلس وقلعة نجم وتل أحمر، المسيطرة على نهر الفرات العظيم.

( د ) السهول المتصلة بوادي الفرات والمؤدية إلى ما بين النهرين والخليج العربي.

( هـ ) السهول المؤدية إلى أواسط سورية وفلسطين ومصر عبر وديان العاصي والشريعة والبحر الميّت.

تكوينها الجيولوجي

تقوم حلب على طبقة الصخر الحوّاري المسمّى بالسينوني (NIENNe ـ SINON )، تغطّيه في بعض المواقع قشرة من الصخور القوية التي تعود إلى العهد الميوسيني ( MYOCENE ) في وادٍ قليل العمق، تحيط به هضبات قليلة الارتفاع. كما أن فيها مرتفعات هامة ساعدتها على النمو والدفاع، ففي الشمال يقع جبل العظام الذي يبلغ ارتفاعه 430م، والجبل الأحمر ويبلغ ارتفاعه425م، وجبل الغزالات وارتفاعه 420م. وفي الوسط مرتفع الجبيلة وعلوّه ( 405 م )، والبياضة وعلوّه ( 399م )، وأخيراً قلعتها الشامخة المشرفة على المدينة وتعلو ( 440م ). أما في الجنوب فهناك مرتفع قلعة الشريف ( 400م )، وباب المقام والمغاور والكلاسة.

مناخها

يتميز مناخ حلب بأنه قارّي وجافّ بصورة عامة، وقد تبلغ درجة حرارة فصل الشتاء 15م نهاراً و 5م ليلاً. أما في فصل الصيف فتزيد عن ذلك كثيراً، إذ تصل إلى 35م نهاراً وإلى 20م ليلاً. ومع هذا كله، فهواؤها جافّ ولطيف يضفي على مناخها انتعاشاً خاصاً، أمّا خريفها وربيعها فهما قصيران.

حلب في التاريخ

إن الحضارات المتعاقبة على مدينة حلب، خلّفت لها آثار تاريخية مهمة، وعلى الأخص الإسلاميّة منها، والتي تجعلها في مصافّ أعظم المدن الإسلاميّة من حيث العمران وفن الريازة العربية. وقلّ أن نجد مدينة في الشرق الأوسط تضاهي حلب بما تحتويه من الآثار الإسلاميّة التي تعتبر مثالاً واضحاً لدراسة فن الريازة. وهي تأتي من حيث الأهمية بعد القاهرة إن لم تكن تضارعها. فالقدس وإستانبول وقُونية ودمشق مدن ازدهرت لفترة زمنية محددة لأنها لا تتجاوز الثلاثة القرون، لكنها لم تحافظ على مميزاتها العمرانية لأنها كانت في أكثر أيامها عرضة للتأثير الأجنبي. أمّا حلب فتعطينا سلسلة متواصلة الحلقات من الآثار المدنية والدينية والعسكرية منذ نهاية القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) حتى يومنا هذا.

لم تبرز مدينة حلب في فترة ما قبل الإسلام، كما برزت في عهد الحمدانيين والمرادسيين، حيث نالت شهرة واسعة وأهمية كبيرة كما غدت في عهد السلاجقة ـ بسبب وقوعها على تخوم بلاد ما بين النهرين ـ مركز سياستهم في الشرق.

وفي نهاية القرن السادس الهجري ( الثاني عشر الميلادي ) ابتدأت نهضة المدينة على الرغم من الغزو التتري الكاسح في عام 658 / 1260هـ، ذلك الغزو الذي خلّفها خراباً مدة ربع قرن. ولعبت في عهد الملك الظاهر بيبرس دوراً تجارياً كبيراً لتجارات إيران والهند، كما كانت الثغر الإسلامي الثاني بعد القسطنطينية وأزمير، واشتهرت أسواقها وخاناتها بعظمتها وتعددها.

وهكذا صارت حلب تحتوي على عدد كبير من الأبنية الدينية والعمائر المدنية والثكنات العسكرية التي تتكون منها مجموعة لا تُقدَّر لدراسة تاريخ الحياة الاجتماعية في الشرق الإسلامي. الرحّالة ابن بطوطة ( 704 ـ 778م / 1303 ـ 1377هـ ) في كتابه « تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار » يقول: إن حلب تصلح أن تكون مركزاً للخلافة ولا عجب في ذلك، لأنها كانت ولم تزل تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي مهم جعلها تتمتع بأقصر طريق تجاري يصل بين الغرب والشرق الأقصى.

هذا فضلاً عن أهميتها الصناعية، ويكفي أن نذكر صناعاتها الحريرية الثمينة، ومهندسيها البارعين الذين أسهموا في صنع المنبر الجميل المنتصب في المسجد الأقصى والمصنوع من أرز لبنان والمرصّع بالعاج والصدف النادر، فقد تعاون في صنعه ابن ظافر الحلبي وحميد بن ظافر وسليمان بن معالي وفضايل وأبو الحسن ولدا يحيى الحلبي.

كما نعمت حلب بعصر أدبي وعلمي رائع في عهد بني حمدان ( بلاط سيف الدولة الحمداني )، وفي مطلع القرن الثامن عشر الميلادي أُنشئت في حلب أول مطبعة عربية.

عُرف الحلبيون بأنهم نشيطون هادئون، فعلاقاتهم التجارية والثقافية والحضارية هي أبعد من منطقتهم أو إقليمهم؛ إذ أن حلب مدينةُ التقاء حضاراتٍ مختلفة، تلاقت فيها الحضارة السامية بالحثيّة والحضارة العربية الإسلامية بالحضارة البيزنطية والشرق بالغرب على الصعيد التجاري أيضاً. فحلب تقع على محور تجارة البحر المتوسط، ومنفذها على البحر مزيّة حيويّة خاصة بالنسبة إلى تجارتها مع الحوض الغربي لهذا البحر.

تاريخها عبر العصور

( أ ) حلب في العصور الحجرية: جميع الدراسات الأثرية العلمية التي جرت تدل على أن منطقة حلب سكنها الإنسان القديم الذي ربّى الماشية وعَرف الزراعة وبنى البيوت البدائية ( حفريات تل المريبظ )، كما سكن حلبَ نفسها في مغاور كبيرة تمتد على مسافات واسعة تحت المرتفع الصخري في جنوبي حلب.

( ب ) حلب في العصور التاريخية: إن أقدم ذكر لمدينة حلب ورد في رُقُم أوروماري وأخيراً « ابلا » التي اكتُشفت في عام 1975م. والمعاهدة التي وقعت بين حلب وملك الحثيّين مورسيل الثاني، كانت تشير إلى حلب كمملكة في شمال سوريا، هي مملكة يمحاض التي كانت لها صلات وثيقة مع ممالك ما بين النهرين الآمورية التي حاربها مورسيل ملك الحثيّين. وبعد انحطاط الحثيّين ظهر الميتانيون واحتلوا منطقة حلب حوالي 1650ق.م. كما أن المصريين حين تخلصوا من حكم الهِكْسُوس تابعوا تقدمهم بزعامة تحوتمس الثالث فاحتلوا سورية الشمالية. وفي سنة 1370ق.م استعاد الحثيون السيطرة على حلب في عهد شوبيلولوما، واشترك ملك حلب مع حلفائه في معركة قادش عام 1289ق.م ضد المصريين بقيادة رعمسيس الثاني.

وفي العهد الآشوري زحف شلمناصر في عام 854ق.م على سوريا، وعبر الفرات إلى منطقة حلب حيث لقي استقبالاً حسناً من سكانها.

وبعد الحكم الآرامي دخلت سوريا الشمالية ( بما فيها حلب ) عام 539ق.م تحت الحكم الفارسي، وأصبحت مقاطعة فارسية إلى أن جاء الاسكندر المقدوني في عام 333ق.م واهتم بمنطقة حلب التي تدفق عليها اليونانيون وبدّلو اسمها فأصبح بيريه نسبة إلى مدينتهم الأصلية؛ فقد انتشرت اللغة اليونانية في هذه الفترة، وكذلك العادات والتقاليد في المدن الشرقية التي استوطنها القادمون الجُدُد. ونشأت بذلك حضارة جديدة بامتزاج الحضارتين الشرقية واليونانية سمّيت بالحضارة الهلنستية التي سُرعانَ ما أصابها الشلل نتيجة الحروب المتواصلة التي قامت بين البطالة في مصر والسلوقيين في سوريا. هذه الحروب مهدت الطريق إلى الاحتلال الروماني عام 64ق.م، حيث دخلت سوريا تحت الحكم الروماني وأصبحت المنطقة الشمالية مقاطعة رومانية باسم سوريا العليا. وحافظت حلب على اسمها اليوناني بتحريف بسيط حيث أصبح بيرويا.

ولدى انقسام الأمبراطورية الرومانية، ألَتْ حلب إلى القسم الشرقي البيزنطي، وحين انتشرت الديانة المسيحية في سوريا لعبت حلب دوراً بارزاً في دعم هذه الديانة الجديدة، غير أن الصراع بين الفرس والبيزنطيين كان له تأثيره المباشر على حلب التي كانت من المراكز المتقدمة والمهمة؛ ففي عام 450ق.م هاجم الفرس مدينة حلب وأحرقوها، ثم أعقب ذلك سلم، إلاّ أنه لم يَدُم طويلاً حيث تَهدّدَ الامبراطوريتين معاً قادمٌ جديد آتٍ من الصحراء، فقضى على الأمبراطورية الفارسية قضاء مبرماً، كما أنهى حكم البيزنطيين في سوريا.

( ج ) حلب في العهد الإسلامي: لم يكن فتح حلب بالأمر السهل، فبعد حصارٍ لقلعتها دام أشهراً فُتحت في عام 15 هـ ( 637م ). وازدادت أهمية حلب بعد هدم مدينة قِنِّسْرِين 17 هـ ( 639م ) ونُقل سكانها إلى حلب.

وفي العصر العباسي ازدهرت مدينة حلب، ففي عام 254هـ ( 868م ) سيطر على الحكم في سورية أحمد بن طولون. ثم ظهر الحمدانيون العرب التَّغلِبيون واقتطعوا مِن جسم الأمبراطورية العباسيّة مملكةً امتدّت من الموصل على نهر دجلة حتّى الرقّة على الفرات، وضمّت كل سوريا الشمالية حتّى جبال طوروس.

وقد عرفت حلب في تلك الحقبة الصغيرة 324 ـ 394 هـ ( 944 ـ 1003م ) أزهى أيامها، وبخاصة في عهد سيف الدولة.. حيث أصبحت عاصمة الحمدانيين، ومركزاً عسكرياً لمناوأة البيزنطيين؛ إذ كانت الحرب سِجالاً بين الطرفين، لم يعرفها العرب قبل ذلك، وكانت تتميز بغزوات سريعة متبادلة تنتهي بانسحاب الطرفين.

وبعد موت سيف الدولة 356 هـ ( 965 م ) ضَعُف الحمدانيون واضطربت الأمور، وبخاصة أمام هجمات البيزنطيين والبدو المجاورين، وأخيراً الفاطميين الذين استقروا في القاهرة واتّخذوا من حلب ممراً للسيطرة على الخلافة في العراق. وكما قال المؤرخ ابن القلانسي عن طريق حلب كانوا يطمحون إلى بلوغ بغداد.

وبذلك تقدّم الفاطميون عام 353 هـ ( 962م ) حتّى أبواب حلب، واضطر سعد الدولة للاعتراف بخليفة القاهرة، وخطب باسمه على المنابر، وعمد إلى إعادة بناء الجامع الأموي الكبير وترميم الأسوار التي كانت بحالة يُرثى لها.

وبعد ضعف الفاطميين استطاع المرداسيون ـ وهم من بعض عرب الصحراء ـ السيطرة على منطقة حلب، إذ تمكن صالح بن مرادس من أن ينفرد بالحكم، وأن يجمع في بلاطه بعض الشعراء. وبازدياد النفوذ التركي في بغداد اضطر المرداسيون إلى الاعتراف بسلطة السلطان السلجوقي ملك شاه الذي عُيّن فيما بعد حاكماً لمدينة حلب، غير أنه كان في غاية الضعف فلم يَقوَ على الوقوف بوجه لغزو الجديد الآتي من أوروبا، ونعني به الغزو الصليبي الذي طوّق مدينة حلب باحتلاله أنطاكية وأورفه وأعزاز وأخيراً أفامية في عام 493هـ ( 1100 م ). ولم يكن من مناص أن يتم الاشتباك مع رضوان بن تتش السلجوقي حاكم حلب في سنة 493هـ ( 1100 م )، والذي انكسر أمام بوهيمند ودفع له الجزية السنوية. وقد تتالت المعارك بين أمراء المسلمين والصليبيين إلى أن ظهر أتابك الموصل زنكي في عام 522هـ ( 1128م ) الذي احتل حلب ودفع عنها حلفاً صليبياً كبيراً. وفي عهده جرى زلزال عام 522هـ ( 1128 ) المروّع. وقد أتى من بعده ابنه نور الدين زنكي في سنة 541 هـ ( 1146 م )، فاستأنف القتال ضد الفرنجة وهزمهم وسجن الكثير من أمرائهم في قلعة حلب، ولمّا داهم مدينةَ حلب زلزالٌ آخر عام 565هـ ( 1170م ) قام بترميم أسوار المدينة ومداخلها وأعاد بناء القلعة، كما نراها في وضعها الحالي تقريباً. وأشهر أمراء حلب في هذه الفترة التاريخية الملك الصالح وابنه الملك الظاهر ثم أخيراً الملك العادل عمّ الملك الظاهر الذي فرض سيطرته على سوريا ومصر.

آخر عهود الحكم العباسي في حلب كان عصر المماليك بين عامَي 655هـ ( 1260 م ) و 921 هـ ( 1516 م ) الذين تميز عهدهم في حلب بمحاربة أخطر الهجمات عليها، هجمات المغول، ففي عام 1260م هاجم هولاكو مدينة حلب واستباحها أسبوعاً كاملاً، وعندما جاء تيمورلنك عانت منه حلب ما عانت. واضطُرّ قايتباي المملوكي إلى أن يحدّد بناء حلب، فترك لنا آثاراً عديدة. ثم جاء بعده قانْصُوه الغُوري الذي لم يستطع الاحتفاظ بهذه البلاد أمام الغزو العثماني الجديد الذي بدأ مع حكم السلطان سليم الأول واستمر حتّى عام 1918م.

لقد عانت حلب الكثير من الحكم العثماني وتغيير الولاة وسيطرة الانكشاريين، ومع ذلك ظلت تحتل مكانَ الصدارة بين مدن شمالي سوريا، حتّى أنها كانت تفوق دمشق في الأهمية التجارية والصناعية. ويذكر الرحّالة بلون BELON ـ وقد زار المدينة عام 1537م ـ « أن قوافل الفرس والهند والعراق كانت تحمل إليها محاصيلها، وأن كل المسافرين نحو هذه الأقطار المذكورة كانوا يجدون بحلب تجاراً مستعدين لمرافقتهم. وكان الإنسان يجد في هذه المدينة كل حاصلات الشرق، وكان أهل البندقية يرسلون أولادهم إليها ليتعلموا لغة أهل سوريا وعاداتهم ». هذا الازدهار لم يَدُم، فمنذ أن أصبح البحّارة البرتغاليون يشترون التوابل من الهند مباشرة فقدت أسواقُ حلب احتكار هذا النوع من ( الترانزيت ) فضلاً عن أنّ التجارة نفسها تعرّضت لمضايقة الحكّام بسبب الضرائب الباهظة، وبسبب الخدمة العسكرية الطويلة الأمد والجائرة، وأخيراً بسبب انعدام الأمن على الطرق التي تمر من البادية السورية.

وابتداء من افتتاح قناة السويس أمام التجارة العالمية، أخذت تجارة العراق تهجر حلب، وعندها بدأ ضياع معظم ما تبقّى من ازدهارها التجاري والصناعي، وأصبح من اليسير التنبؤ باقتراب زوال أهميتها.

لقد اختُتم هذا التاريخ الحافل لمدينة حلب نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ وجدت حلب نفسها أمام دولة أجنبية جرّدتها من منطقتها الواسعة. وقد حاول الجنرال غورو قائد الجيوش الفرنسية المنتدَبة على سوريا جعلها دولة كاريكاتورية اسمها دولة حلب إمعاناً في تمزيق سوريا.

واليوم تحتل حلب المرتبة الثانية بين مدن القطر السوري، وتحتل المرتبة الممتازة في تجارة الشرق الأوسط، خاصة وأنّ سكانها زادوا على المليون نسمة، وأصبحت تتمتع بشهرة اقتصادية مرموقة.