30 جمادى الآخرة 1433 - 22/05/2012
كانت تسمى سابقاً « سناباد » وهي قرية كانت تقع بجوار قريتين هما طابران ونوقان وقد أصبحنا تشكلان مع سناباد مدينة مشهد الحالية، وقد كانت هذه القرى تابعة لمدينة طوس القديمة، التي كثيراً ما تحشر خطأ مع مدينة مشهد التي تعتبر وريثتها إلى حدٍ ما. وطوس كانت تبعد حوالي 30 كلم عن سناباد، وهي لم تعد قائمة منذ هدمها سنة 791هـ ميرانشاه أحد أولاد تيمورلنك، وقتل أكثر أهلها وقد فرّ الباقون والتجأوا إلى سناباد حيث احتموا بالمشهد الرضوي الذي سلم وسلمت المدينة ببركته من تخريب المغول الذين دمّروا خراسان بأسرها. وما لبثت سناباد التي ازدادت أهميتها بعد دفن الإمام الرضا عليه السّلام فيها أن اتسعت لتضم طابران ونوقان واقتربت بمساحتها من طوس القديمة، وهكذا غلب اسم المشهد المقدّس للإمام الرضا عليه السّلام على سناباد فأصبحت تُعرَف باسم « مشهد ».
وقد توالت على مشهد المدينة وعلى المرقد الرضوي الشريف عهود حظيا خلالها بعناية واهتمام بعض الحاكمين وبنقمة وتخريب البعض الآخر.
فقد اعتنى ببنائها السلطان محمد الغزنوي ليعوّض تخريب والده سبكتكين لها عام 428هـ، كما حظيت بعناية خاصة من السلطان محمد خدابنده ( عبدالله ) حفيد هولاكو الذي أسلم واعتنق المذهب الشيعي على يد العلاّمة الحلي بعدما كانت أمه المسيحية قد عمّدته وسمّته نقولا، وحكم من ( 703 حتى 716هـ ) وقد رمّم الحرم الذي كان قد اعتدى عليه المغول، وزيّنه.
كذلك اهتمّ بها كثيراً الملك شاهرخ بن تيمورلنك ( 807 ـ 840 هـ ) الذي عمل بمذهب أهل البيت عليهم السّلام، حيث جدد بناء المدينة وأسوارها وعني ببناء الروضة الرضوية، وقد بنت زوجته ( گوهرشاد ) سنة 821 هـ مسجداً فخماً وضخماً إلى جانب الحرم الرضوي ما زال قائماً يحمل اسمها حتّى الآن. كما أنشأت مدرسة بيريزاد ذات البناء الرائع والتي ما زالت شاخصة هي الأخرى، وشاركهما هذا الاهتمام ابنهما الأمير بايسنقر.
وكان للصفويين اهتمام بالغ بالمدينة تعظيماً للإمام الرضا عليه السّلام برز في النواحي العمرانية والمشاريع الاقتصادية. وأصبحت مشهد عاصمة نادرشاه الذي ترك آثاراً كثيرة فيها. وكذلك اهتم القاجاريون بالمدينة لتحسين صورتهم أمام الشعب المتعلق بالمشهد المطهّر. وإضافة إلى التخريب والدمار الذي طال المدينة والمرقد الرضوي في العهود المختلفة من قبل سبكتكين الغزنوي والمغول، فقد اعتدى عليها ونهبها عبدالمؤمن زعيم قبائل الأوزبك في أوائل العهد الصفوي، وقد استطاع الشاه عباس الصفوي استرجاع ما نهبه هذا من الروضة وقام بترميمها.
وأخيراً فقد احتل الروس القياصرة مدينة مشهد عام 1911م وقصفوا الحرم الشريف بالقنابل وأنزلوا به أضراراً فادحة وقتلوا كثيراً من الزوّار.
ومشهد اليوم تعتبر ثاني مدن إيران من حيث عدد السكان، وهي مدينة جميلة ذات شوارع عريضة محاطة بالأشجار المتشابكة. وتنتشر في مناطقها الجديدة الحدائق العامة، كما تقع بالقرب منها مصايف مشهورة يقصدها المستجمّون.. وهي غنية بمساجدها المعمورة وجامعاتها الحديثة. ومن هذه المدارس مدرسة ميرزا جعفر المجاورة للمقام، بُنِيت سنة 1059هـ وفيها قبر الحرّ العاملي من كبار علماء الإمامية. وقد جُدد بناؤها بعد الثورة الإسلامية وسُميت بجامعة العلوم الإسلامية، ومدرسة مستشار تأسست في عهد ناصر الدين شاه، ومدرسة عباس قلي خان تأسست سنة 1077 هـ. وفي مشهد مقابر لكثير من المشاهير منها مقبرة الشاعر فردوسي صاحب كتاب ( شاهنامه ) ومقبرة أبي الصلت الهروي المتوفى في سنة 236هـ وهو من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام، ومقبرة الشيخ الطبرسي صاحب تفسير البيان ( ت 548هـ )، ومقبرة الشيخ البهائي العاملي من أعاظم علماء الإمامية، إضافة إلى مقبرة الشيخ الحرّ العاملي.
وتنتشر في مشهد مئات الفنادق وبيوت السكن الخاصة بالزوار ( مسافرخانه ) و ( مهمانخانه )، إذ يفد إلى المدينة أكثر من 13 مليون زائر وسائح سنوياً من داخل إيران وخارجها. وفيها أسواق ذات طرز هندسية إسلامية، كسوق الإمام الرضا عليه السّلام والسوق المركزي وسوق السجاد وسوق الباقر عليه السّلام وغيرها.
صاحب المقام: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام
هو أبو الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر الصادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، ثامن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
وُلد في المدينة المنوّرة سنة 148هـ واستُشهد في طوس ـ سناباد ـ من أعمال خراسان في إيران سنة 203هـ. وقد بقي مع أبيه الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام نحواً من ثلاثين سنة شاَهَد فيها ضروب المحن والبلايا التي أحاطت به من قبل الحكّام العباسيين. وإلى جانب مأساة أبيه كان الإمام الرضا عليه السّلام يشاهد بألم ومرارة تلك الأحداث القاسية التي التهمت الكثير من أهل بيته وبني عمومته.
لمحة عن خصائصه وصفاته
لابدّ وأن يكون الإمام بنظر الإمامية أعلم الناس وأعرفهم بما تحتاج إليه الأمة سواءً في ذلك ما يتعلق بأمور الدين أم غيرها من ضرورات الحياة، وأن يكون بالاضافة إلى ذلك أعبدهم وأزهدهم وأكملهم في أخلاقه وشيمه.
وقد روى لنا التاريخ الكثير من مواقف الإمام الرضا عليه السّلام العلمية ومناظراته التي كان يخرج منها منتصراً على خصومه، كما روى الكثير من مختلف العلوم التي كان يمدّ بها رواد العلم ورجالات الفكر.
وجاء عن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام أنه كان يقول لبنيه: « هذا أخوكم علي ابن موسى عالم آل محمد، فاسألوه عن دينكم واحفظوا ما يقول لكم، فإني سمعت أبي جعفرَ بن محمد عليه السّلام أكثر من مرّة يقول: إن عالِم آل محمد لَفي صلبك، وليتني أدركته، فانه سميّ أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السّلام ».
وروى الرواة عن إبراهيم بن العباس الصولي أنه قال: ما رأيت الرضا عليه السّلام سُئل عن شيء إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان جوابه كله انتزاعات من القرآن المجيد.
وقال المأمون لمن ثقل عليهم اختياره عليه السّلام ولياً لعهده من بني العباس: وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا، فما بايعت له إلاّ مستبصراً في أمره عالماً بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً ولا أظهر عفة ولا أورع زهداً في الدنيا ولا أطلق نفساً، ولا أرخى للخاصة والعامة ولا أشد في ذات الله منه.
وجاء عن أبي الصلت الهروي أنه قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي.
وامتاز الإمام الرضا عليه السّلام مع ذلك بخلقٍ رائع ساعده على أن يجتذب بحبه العامة والخاصة، استمده من روح الرسالة التي كان من حفظتها والأمناء عليها والوارثين لها.
وقد نصّ على إمامته والده الإمام موسى الكاظم عليه السّلام من بين أولاده العشرين، ولُقّب: بالرضا والصابر والوفي والصادق والفاضل وغيظ الملحدين وغير ذلك. مدّة إمامته بعد شهادة والده عليه السّلام كانت عشرين سنة.
ولاية العهد وشهادة الإمام عليه السّلام
بعدما قتل المأمون أخاه الأمين واستقل بالحكم، أراد أن يعهد بولاية عهده لأحدٍ من بعده.. ولما كان المأمون يتظاهر من جهة بالعطف على آل علي عليه السّلام وبرغبته في إنصافهم بعد ظلم أسلافه الكبير لهم، ولما كان يريد أن يمتص نقمة العلويين وثوراتهم المتتالية في أنحاء البلاد ضد أسلافه من جهة ثانية، رأى أنه ليس في الهاشميين أفضل من علي بن موسى الرضا عليه السّلام ليوليه عهده ويحقق له رغباته هذه.
وهكذا استدعى المأمون الإمام الرضا عليه السّلام من المدينة، بعد أن رفض العرض بشدة في بادئ الأمر ولكنه استجاب بعد التهديد بالقتل، وانتقل إلى « مرو » عاصمة المأمون في خراسان.. وهناك في سنة 201 هـ تمت البيعة للإمام عليه السّلام بولاية العهد، التي قبلها مكرها مشترطاً عدم إقحامه في أمور السلطة.
وبعد سنتين بقي فيها الإمام عليه السّلام محل تكريم وتعظيم الناس له، وأثناء خروج المأمون إلى بغداد مصطحباً الإمام عليه السّلام معه استُشهد الرضا عليه السّلام في قرية سناباد مسموماً. وقد توجّهت التهمة بقتله إلى المأمون الذي أراد أن يرضي بهذا الفعل العباسيين الغاضبين من تولية الإمام الرضا عليه السّلام. ودفنه المأمون إلى جوار قبر أبيه هارون الرشيد في سناباد وكان ذلك في صفر سنة 203هـ.
ومنذ ذلك الحين أضحى قبره الشريف مقصداً لوفود زوار أهل البيت عليهم السّلام الذين اعتادوا التشرف بزيارة عتباتهم وأضرحتهم الشريفة من داخل إيران ومن شتى أنحاء العالم، في المناسبات المختلفة وما أكثرها، متحملين أعباء السفر من أجل الإقامة لعدة أيام لإجلاء قلوبهم وتنقيتها بزيارة مرقد ثامن الأئمّة عليهم السّلام ونيل مرادهم وقضاء حوائجهم ببركة هذا اللقاء حيث يتأكد قضاء ثلاث حوائج لكل زائر مخلص في دعائه وزيارته.
فضل زيارته عليه السّلام
جاء في رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « ستُدفَن بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله عزّوجلّ له الجنة وحرّم جسده على النار ».
وعن أمير المؤمنين علي عليه السّلام: « سيُقتل رجل من وُلْدي بأرض خراسان بالسمّ مظلوماً، اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السّلام، ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه.. ».
وعن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام قال: « من زار ابني هذا ـ وأومأ بيده إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام ـ فله الجنة ».
وعن الرضا عليه السّلام قوله: «.. ولا تنقضي الأيام والليالي حتّى يصير طوس مُختلفَ شيعتي وزوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ».
مما جاء في مدحه ورثائه
أكثرَ الشعراءُ في مدح الإمام الرضا عليه السّلام في حياته كما عبروا عن بالغ تأثرهم بعد استشهاده.. ومما قاله فيه أبو نواس:
قيل لي: أنت أوحدُ الناس طُرّاً في فنونٍ مـن الكـلام النبيـهِ
لـك في جـوهر الكـلام بديعٌ يُثمرُ الدُّرَّ فـي يـدَي مجتنيـهِ
فعلى ما تركتَ مدحَ ابنِ موسى والخصـالَ التي تجمّعن فيـهِ
قـلتُ: لا أهتـدي لمـدح إمامٍ كـان جبـريـلُ خادمـاً لأبيهِ
وقال أبو فراس الحمداني:
باؤوا بقتل الـرضا من بعـد بيعتِهِ وأبصروا بُغضَه من رشدهم وعَمُوا
واكثر دعبل من مراثيه، ومما قاله:
يـا نكبةً جـاءت من الشرقِ لـم تتركـنْ منـي ولم تُبقِ
موتُ علي بن موسى الرضا مِن سخـط الله علـى الخَلْقِ
الحرم رضوي المطهّر
تمثّل الروضة الشريفة للإمام الرضا عليه السّلام المشرقة ببهائها على ما حولها، مركز المدينة، حيث يحيط بها وبملحقاتها العديدة شارع دائري ( فلكة ) محاط بسور مزيّن بزخرفة إسلامية جميلة. وتتصل به وتتفرع عنه أربعة شوارع متقابلة هي: شارع الإمام الرضا عليه السّلام ويتجه نحو الجنوب إلى طهران، يقابله من الشمال شارع العلامة الطبرسي، وشارع آية الله الشيرازي من الغرب، يقابله شارع الشهيد نواب صفوي.
وأول ما يلفت نظر الزائر ويدهشه سعة الروضة الشريفة وعظمة بنيانها، وكذلك فن العمارة والهندسة الإسلامية الفريدة التي اشتركت فيها آلاف الأيدي الماهرة المتخصصة وعلى مرّ العصور، لدرجة أنها تحير المختصين عند مشاهدتها فضلاً عن الناس العاديين.
أما تاريخ الروضة فيعود إلى عهد الإمام عليه السّلام، حيث ذُكر أن الإمام أوصى أحد أصحابه ويدعى « أبا الصلت » بأن يُدفن في هذه المنطقة، قبل أن يدفن فيها هارون العباسي. وقيل إن أول من أقدم على عمارة مشهد الرضا عليه السّلام هم ملوك الديالمة، وشهد الحرم أهم التوسعات والتحسينات أيام الصفويين ونادر شاه.
وصف عام للحرم الشريف
نقطة المركز المضيئة في الحرم هي ضريح الإمام عليه السّلام، الذي تدخل إليه من الصحون المتعددة المحيطة به، وغير مداخل وبوابات عالية مهيبة مغشاة بالذهب ومزينة بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. والضريح يقع وسط الحرم يحيط به قفص بطول 4 × 3م تقريباً، مصنوع من الذهب والفضة. ويعلوه بناء يرتفع 7 ، 8م يحمل القبة الذهبية الرائعة والكبيرة. وجدران الحرم من الداخل صممت بحيث يبلغ محيطها أكثر من 30م، أما السقف الذي يحمل القبة فهو مغطّى بالزجاج والكرستال المُطعّم بأنواع الأحجار الكريمة والهدايا من السيوف الذهبية والخناجر العاجية والذهبية والقطع المختلفة الأخرى من الألماس والذهب، وهي من تقديم الملوك والأمراء من مختلف أنحاء الأرض.
تُفتح على الحرم عدة أبواب من أروقة وقاعات مفتوحة على بعضها، تزينها الكتابات القرآنية وجدرانها الزجاجية، وقد سُمّيت هذه القاعات بأسماء: كدار السلام، ودار الزهد، والفيض، والذكر، والسيادة، والسقاء، والشرف، والشكر، والسعادة، والتوحيد، والحفّاظ. وقد غُطّيت أرض الحرم والأروقة المتصلة به بالمرمر الجميل. وتقع فيما بين هذه الدور ممرات للدخول من الأبواب الكثيرة التي تحجزها أبواب كبيرة صُنعت من الذهب وطُعّمت بالعاج والفيروزج والزمرّد.
والأبواب الخارجية تُفضي إلى خمسة صحون واسعة سميت حديثاً بأسماء مختلفة وهي: صحن الإمام الخميني رضي الله عنه وصحن الجمهورية الإسلامية وصحن الحرية وصحن القدس، وهي تسع مئات الآلاف من الزوار، وتحيط بالصحون إيوانات عديدة إلى الخارج بعد اجتياز الأبنية الملحقة بالمدينة المقدسة ( الآستانه ) وفي كل صحن مَرافق متعددة للوضوء والمرافق الصحية للنساء والرجال. ودوائر للشرطة، والبريد والبرق والهاتف والاستعلامات والنذورات والأمانات والمفقودات والمسائل الشرعية وغيرها...
وأروع ما نراه في الحضرة الرضوية هي الأواوين الذهبية والقاشانية المتصلة بالحرم من الداخل، وهي:
الأيوان الشمالي: ويبلغ طوله 8 / 14م وعرضه 20 / 8 م يعلوه السقف المتعرج ( المقرنس ) وتعلو الإيوان أربع غرف مزينة بالقاشاني، وقد بنيت عند هذا الإيوان المنارة الذهبية عام 1116هـ وهي ترتفع 35م.
الإيوان الجنوبي: ويسمى بإيوان الذهب، وهو أقدم الإيوانات في الصحن القديم، ويبلغ طوله 10 م وعرضه 8م وارتفاعه 25 / 26 م وقد طلاه بالذهب الشاه طهماسب الصفوي. ولهذا الإيوان أربعة أبواب من الفضة تعلوها كتابة رائعة جداً، وعليه منارة طُليت بالذهب وهي تقع بجانب القبة فوق محراب الإيوان.
الإيوان الشرقي: ويعتبر من أجمل إيوانات الروضة المباركة، ويسمى أيضاً بإيوان النّقارة، حيث تُقرع الطبول بعزفٍ خاص كل صباح ومساء. ويبلغ طوله 2 / 18م وعرضه 8 / 7م وارتفاعه 26م.
الإيوان الغربي: ويسمى أيضاً بإيوان الساعة، حيث نُصبت عليه ساعة كبيرة لها أربعة وجوه. يبلغ ارتفاعه 10 / 24م وعرضه 9 / 6م.
وهناك أواوين أخرى تقع في الصحون العديدة: وهي المتصلة بالحرم من الخارح.
الإيوان الغربي: وهو الإيوان الذهبي المتصل بالحرم وقد طلي بالذهب بأمر من ناصر الدين شاه القاجاري، ويبلغ طول الإيوان 30 / 15م وعرضه 25 / 7م وارتفاعه 10 / 20م. ويتصل هذا الإيوان بدار السعادة عن طريق باب ذهبي رائع.
الإيوان الجنوبي: وهو إيوان آخر يبلغ طوله 30 / 18م وعرضه 30 / 7م وارتفاعه 20م وهو مزين بالقاشاني والآيات القرآنية الكريمة.
الإيوان الشمالي: ويقع في الجهة الشمالية ويبلغ طوله 20 / 17م وعرضه 20 / 7م وارتفاعه 20م. تم بناؤه عام 1295هـ، وهو يواجه الحرم من الجهة الثانية من الصحن الذي يتوسطه حوض ماء كبير.
المآذن: هنالك مئذنتان مغشّاتان بالذهب وتقعان على طرفَي القبة الذهبية، ويبلغ طول المئذنة 5 / 40م ومحيطها 13م، ومئذنتان أخريان قيد الإنشاء والتذهيب.
القبة الذهبية: التي تعتبر بحق غاية في الفن والهندسة والمعمار، ارتفاعها من سقف الحرم 20 / 31 م ومحيطها الخارجي 10 / 42 م ارتفاع العنق 79 / 4م تحتوي على 777 لوحَ ذهب، وقد أمر بتذهيبها الشاه عباس الصفوي حين شدّ الرحال إلى زيارة الإمام عليه السّلام من عاصمته أصفهان سنة ( 1010هـ ). وقد ذكر أنه حينها وضع حذاءه على كتفيه وسار إلى مشهد حافياً تعظيماً للإمام عليه السّلام.
الأبواب: يوجد أكثر من 22 باباً أكثرها مذهبة. منها 20 باباً من الذهب والفضة وأخرى من الخشب الثمين كخشب الشمشاد والإبنوس والساج.
الصندوق الموضوع على القبر الشريف: يرجع تاريخه إلى غابر العصور، فمنهم من يقول منذ دفن الإمام وضع على قبره صندوق خشبي. إلاّ أن طهماسب الصفوي هو أوّل من وضع صندوقاً مغطى بطبقة سميكة من الذهب. ثم قام بعده الشاه عباس الصفوي بوضع صندوق جديد مطلي بالذهب ومزيّن بالورود الرائعة، لكن في عام 1311هـ نُقل هذا الصندوق إلى متحف الإمام ووضع محله صندوق من المرمر مكوّن من 11 قطعة وبلون أخضر ليموني من مرمر خراسان النفيس، ويبلغ طوله 10 / 2 م × 60 / 1م وارتفاعه 95 سم.
مقبرة الحر العاملي: وتقع في الصحن القديم.
هذا، ولابدّ من المرور ولو عاجلاً على أهم ملحقات الحرم الشريف ( الآستانة ) التي تشكّل معه تجمعاً روحياً وثقافياً واجتماعياً منقطع النظير، وهي:
1 ـ دار الشفاء: وهو مستشفى تجري فيه مختلف المعالجات والتحليلات المرضية والتصوير الشعاعي والفحوص السريرية، ويراجعه يومياً المئات من المرضى، جلّهم من المسافرين والزائرين.
2 ـ المكتبة: وهي أقدم مكتبة إسلامية، توجد فيها كتب يبلغ تعدادها زهاء مليون كتاب في 42 لغة، وتحتوي على أمهات الكتب والمصادر إضافة إلى المخطوطات النادرة التي لا توجد في العالم وعددها 40 ألف مخطوطة تقريباً. ويعمل فيها مئات الموظفين يرأسهم موظف بدرجة مدير عام، ويقصدها الدارسون والمحققون من مختلف البلدان.
3 ـ متحف القرآن الكريم: وهو متحف خاص بالقرآن الكريم أُسس في عهد الجمهورية الإسلامية، يضم نسخاً نادرة للقرآن الكريم المخطوط والمطبوع ولمخطوطات من التفاسير المتعددة والمتنوعة. وهو من طابقين، في الأول توجد لوحات ورسوم لكبار الفنانين الإسلاميين الإيرانيين، وفي الطابق الثاني مجموعة من النفائس التي لا تقدر بثمن، مثل مصحف في 68 صفحة، كل صفحة ذات 15 سطراً مكتوب بخط أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام أوقفها الشاه عباس الصفوي، وهي بخط كوفي خطها الإمام عليه السّلام على جلد الغزال، كذلك هناك نسخة تتألف من 122 ورقة كل صفحة فيها 7 أسطر بخط كوفي على جلد الغزال، منسوبة إلى الإمام الحسن السبط عليه السّلام، ونسخة أخرى أيضاً من جلد الغزال في 41 ورقة كل ورقة فيها 7 أسطر وبخط كوفي خطها الإمام الشهيد الحسين بن علي عليه السّلام، كذلك هناك نسخة خطية رائعة في 369 صفحة كل صفحة ذات 18 سطراً تبدأ من الآية 180 من سورة البقرة حتى نهاية القرآن الكريم وهي بخط الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام. كذلك هناك نسخة أخرى بخط أحد الأئمّة الأطهار في 58 ورقة.. وهناك نسخة نفيسة جداً من القرآن الكريم خُطّت بخط الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام وقد جلبت من العراق ووقفها العلامة البهائي.. كما هناك نسخ رائعة من القرآن الكريم الخطية تعود إلى فترات مختلفة، ومنها مصحف كتب بطريقة عجيبة جداً وقد وضع برقم 112، صفحاته من ماء الذهب وكتب بخط الثلث بـ 402 صفحة كل صفحة في 11 سطراً مرصعاً، كتبه عبدالقادر الحسيني الشيرازي وأوقفه حيدر علي خان بتاريخ 1248هـ. والعجيب في هذا المصحف أن أسطره الأحد عشر رتبت في كل صفحة بشكل غريب وعجيب بحيث أن السطر الأول يبدأ بحرف يبدأ به السطر الحادي عشر. والسطر الثاني يبدأ بكلمة حرفها الأول هو حرف الكلمة التي بدأت في السطر الحادي عشر. والسطر الثاني يبدأ بكلمة حرفها الأول هو حرف الكلمة التي بدأت في السطر العاشر، وهكذا بقية الأسطر: الثالث والتاسع، والرابع والثامن، والخامس والسابع، أما السطر السادس وهو سطر حر لا يرتبط بالأسطر الأخرى وقد كتب القرآن كله بهذه الصورة.
4 ـ المتحف المركزي للحرم: وهو مركز ثقافي وتراثي وحضاري عام يجمع بين الهدايا والتحف التي تُهدى إلى حرم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام وأشياء نفيسة قديمة منها:
1 ـ أول حجر من المرمر المعروف بالصابوني بطول 30 × 40 سم يعود إلى عام 516هـ وهو يمثل أول قطعة وضعت على ضريح الإمام عليه السّلام.
2 ـ السنگاب: وهو كوز للماء كبير قلّ نظيره، صنع بأمر خوارزمشاه عام 597هـ من المرمر الأسود.
3 ـ الصناديق التي توضع فوق الضريح: ومنها صندوق رائع صنع عام 952هـ. وقد زيّن بسورة الفتح المباركة.
وهناك أنواع عديدة وثمينة جداً من السجاجيد البديعة والمصابيح الذهبية والستائر والأقمشة والمطرزات والأواني المزخرفة واللوحات المذهبة، فضلاً عن الأبواب والأقفال الذهبية والفضية والمجوهرات والنقود القديمة ومجموعات من السيوف والأسلحة القديمة والمنابر، وغير ذلك مما يعدّ من التحف النادرة. وقد أنشئ متحف خاص بالطوابع البريدية التي تحوي صوراً وأسماء لعلماء ومجاهدين وشهداء وعظماء من العالم الإسلامي قديماً وحديثاً.
4 ـ الجامعة الإسلامية الرضوية: وهي بناء حديث ضخم مؤلف من أربعة طوابق ومساحته تبلغ 22 ألف متر مربع، مبني وفق طراز هندسي إسلامي جميل، ويحتوي على مرافق وتجهيزات كاملة. ومهمة الجامعة هي إعداد أساتذة إسلاميين ومبلغين رساليين ومتخصصين في التحقيق العلمي، وهي تجمع بين طريقتي التدريس المتبعة في الحوزات العلمية الإسلامية والجامعة الحديثة، وطلابها من أنحاء العالم، وتدرّس الجامعة اللغات العربية والفارسية والانكليزية والفرنسية للمبلغين.
5 ـ جناح التشريفات: وهو عبارة عن طابقين في كل منهما قاعة واسعة رائعة الهندسة والتزيين.
6 ـ دار ضيافة الإمام: وهو مطعم كبير حسن البناء والتجهيزات يقدّم يومياً وجبات الطعام مجاناً للآلاف من زوار الإمام عليه السّلام.
7 ـ هذا إضافة إلى مسجد گوهرشاد الفخم الجميل الذي مرّ ذكره، وتعلوه قبة كبيرة بارزة ذات لون أزرق، ودوائر الشرطة والبريد والاستعلامات، والإدارة العامة للعتبة الرضوية الشريفة.
مؤسسات ومشاريع تابعة للحرم الرضوي
يمتاز الحرم الرضوي الشريف بوضع يكاد يكون فريداً من نوعه بين العتبات المقدّسة، إذ أنه وبفضل الموقوفات الكثيرة المتعددة التي قدّمها محبو أهل البيت عليه السّلام على مرّ السنين، والهبات التي تمنحها الحكومات المتعاقبة والاستثمارات التي تتعهدها بنجاح إدارة الروضة الرضوية، أضحى الحرم الرضوي يمتلك أراضي زراعية ومراعي ومزارع كثيرة لتربية الحيوانات، كما يمتلك عدداً كبيراً من مصانع المواد الغذائية والمعلبات والنسيج والبلاستيك والسجّاد وغيرها. إضافة إلى الشركات التجارية وشركات الإنشاء والبناء المختلفة، وتبعاً لذلك فإن عائدات هذه المشاريع الاقتصادية ـ التي تقدّر بعشرات ملايين الدولارات ـ توظّف في تحسين دائم لوضع الحرم والزوار، وفي قطاع نشط للخدمات الثقافية والاجتماعية التي تطال أعداداً كبيرة من الفقراء والمحتاجين في داخل إيران وخارجها.
نشاطات الادارة الرضوية في عهد الجمهورية الإسلامية
مع بداية عهد الجمهورية الإسلامية في إيران وبإيعاز من مؤسسها الراحل الإمام الخميني رضي الله عنه تضاعفت نشاطات الإدارة، وتدير « الآستانة الرضوية المقدّسة » التي يرأسها حالياً ممثل مرشد الثورة الإسلامية في خراسان، متولي الحرم حجة الإسلام الشيخ عباس واعظ طبسي، نشاطاتها من خلال سبع معاونيّات هي: معاونية الشؤون الثقافية، شؤون الحرم الرضوي الشريف والزائرين، والزراعة، التخطيط والتمويل، الشؤون الفنيّة، الشؤون الاداريّة والمالية. وهذه كلّها تدار تحت اشراف نائب متولّي الآستانة الرضويّة المقدّسة. وهناك ما يقارب الأربع والأربعين مؤسسة وشركة مستقلة تمارس نشاطاتها في شتّى المجالات الأساسية. وتعود معظم عائداتها إلى الآستانة الرضوية المقدّسة حيث أن منها سبع مؤسسات ثقافية، وثماني مؤسسات وشركات زراعية، وثماني مؤسسات صناعية.
نشاطات الأقسام المختلفة التابعة للآستانة
يؤكد المسؤولون في الآستانة الرضوية المقدّسة باستمرار على تعمير المرقد الشريف وتوسيع الحرم، وارشاد الزائرين، والمحافظة على النظام، وتأمين الأمور الصحية ونظافة الأبنية العائدة للحرم الرضوي الشريف، وايصال وتأمين الزائرين الذين انقطع بهم السبيل والاهتمام بالمحتاجين منهم، وتقديم وجبات الطعام لهم في دار الضيافة، واسكان بعض الزائرين في الفنادق. وبصورة عامة، ايجاد تسهيلات أكثر للزائرين نظراً إلى الحضور المليوني والازدياد المتعاظم للمشتاقين والعاشقين من زوّار المرقد المقدّس.
انّ أهم الخطوات التي تمّ اتّخاذها في عهد الجمهورية الإسلامية هو القيام بالمشروع الكبير المتعلّق بأطراف ساحة الحرم الرضوي الشريف حيث دخل حيّز التنفيذ في ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: تمّ في هذه المرحلة اتمام الأبنية العائدة إلى الحرم الرضوي الشريف، انشاء صحن الجمهورية الإسلامية، انشاء صحن القدس الملاصق لمسجد ( گوهرشاد ) من جهة القبلة، تشييد الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، تشييد بناية المكتبة الجديدة على أرض تبلغ مساحة بنائها ثمانية وعشرين ألف متر مربّع في ثلاثة طوابق مع تجهيزات تامّة، تسع هذه المكتبة أكثر من مليون كتاب، وهي مجهزة بنظم كمبيوترية لجمع المعلومات، مشروع مياه المجاري التي تروي بعد تصفيتها ثلاثمائة هكتار من الأراضي الزراعية في الوقت الحاضر، ثم يصل هذا الرقم إلى ألفي هكتار في المستقبل القريب.
المرحلة الثانية: تشمل هذه المرحلة مشروع حركة المرور في الشوارع المحيطة بساحة الحرم الرضوي الشريف التي تجري من خلال نفق في الأرض طوله 1350م وعرضه 23م وارتفاعه 6 / 5م. وقد أُنشئت أربع فتحات لاستدارة السيارات في بداية الشوارع الرئيسية الأربعة المتفرّعة عن ساحة الحرم الرضوي الشريف، وكذلك لتردد الزوّار.
المرحلة الثالثة: تشمل هذه المرحلة تشييد بعض البنايات التي يحتاجها الزوّار. وتطلّب هذا التشييد تدمير الجدار الدائري السابق. وقد تمّ التخطيط في هذه المرحلة لانشاء مصلّى كبير للرجال، وآخر للنساء. وكذلك بناء مطعمين يستقبلان زهاء عشرة آلاف نسمة يومياً. وتشييد دار الشفاء، وصيدلية، وكذلك بقية المرافق التي يحتاجها الزائرون من قبيل مكاتب ثقافية، ومكاتب للاستعلامات وارشاد الزائرين وبعض المصارف. وتمّ معظمُ ذلك ـ بحمد الله تعالى ـ وافتُتح أعظم صحن سُمّي بالصحن الرضويّ من جهة القبلة لتُقام فيه صلاة الجمعة.
من النشاطات الثقافية
أ ـ مجمع البحوث الإسلامية:
تأسسس هذا المجمع التحقيقي الثقافي سنة 1404هـ، ويعمل فيه زهاء ثلاثمائة شخص من أساتذة الحوزات العلمية والجامعات، والمترجمين والباحثين في مختلف اللغات الحية. ولقد أصدر هذا المجمع لحدّ الآن مئات المؤلّفات كتاباً في شتىّ الحقول الإسلامية والعلمية. وعقد خمس ندوات عالمية في مجال جغرافية الأقطار الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، والهجرات الريفية. ومن نشاطاته الثقافية الأخرى: اصدار مجلة مشكاة الفصلية بصورة منتظمة، ومجلة الدراسات الجغرافية، ومجلة المتعلم المبتدئ وكذلك مجلتي زائر والحرم الجديدتين.
ب ـ المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام:
تمّ تأسيس المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام، بهدف البحث والتحقيق حول الشخصية العلمية والاجتماعية للإمام الرضا وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام.
وقد عقد مكتبه الدائم لحدّ الآن مؤتمرين: أحدهما سنة 1404هـ، والآخر سنة 1406هـ. وكلاهما كان حول سيرة الإمام الرضا عليه السّلام.
وعقد المكتب مؤتمره الثالث سنة 1409هـ حول سيرة الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام.
ج ـ شركة النشر:
وتتولى هذه الشركة توزيع الكتب في أكثر محافظات إيران مضافاً إلى توزيع الكتب الصادرة عن الوحدات الثقافية التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة في طهران. وأصدرت هذه الشركة، بوصفها من دور النشر، عشرات الكتب في المجالات المتنوّعة.
د ـ مركز الابداعات الفنية:
يمارس هذا المركز عمله الآن في حقول تعليم الفن، وانتاج الآثار الفنية ونشرها، والتعريف بالفنانين من مختلف الفروع الفنية.
هـ ـ كنز المصاحف النفيسة:
وقد سبقت الاشارة إليه.
و ـ المجمع الرضوي الثقافي:
تمّ تأسيس المجمع الرضوي الثقافي الذي يعمل على إنشاء جامعة كبيرة باسم « جامعة الإمام الرضا عليه السّلام ». وتضمّ هذه الجامعة كليات الطب، والهندسة، والعلوم الأساسية، والعلوم الانسانية، والزراعة، والفنون، وهناك مشروع انشاء مستشفى تعليمي تابع لكلية الطب. ومن مشاريعه تأسيس مجمّعات تعليمية تمهيدية للمرحلة الجامعية في المناطق المحرومة، وقد أنشئ عدد منها وباشرت عملها.
ز ـ الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية:
وقد سبق حديث موجز عنها.
ح ـ مؤسسة الطبع والنشر:
قامت لحدّ الآن مئات الكتب، ثمّ تقديمها للأمّة الإسلامية.
ط ـ توسيع المكتبة المركزية ومضاعفة عدد الكتب:
تضمّ المكتبة المركزية للآستانة الرضوية المقدّسة ذات القرون العشرة نفائس يقلّ مثيلها. وقد طرأت على هذه المكتبة تطوّرات أساسية ملحوظة من حيث توسيعها، وعدد كتبها، ونظامها المكتبي. وتهتمّ الآستانة الرضوية المقدّسة دائماً بتأسيس مكتبات ومتاحف جديدة في مختلف المدن الإيرانية، وقد قامت بتشييد بناية جديدة لمكتبة ومتحف ملك في طهران.
هذا فضلاً عن مؤسسة القدس الثقافية والمعاونية الثقافية ومديرية الشؤون الثقافية.
النشاطات الاجتماعية
من أجل تقديم خدمات أوسع للمحتاجين فقد قامت الآستانة بانشاء الشركة الرضوية للاسكان والعمران، وصيدلية الإمام، ومشروع توسيع واعمار جنوب خراسان، وأمثال ذلك من المشاريع. وقد أفلحت الآستانة لحدّ الآن في تقديم آلاف الوحدات السكنية للمستضعفين وتقديم دفعات نقدية للمؤسسات الخيرية، ومراكز علاج المعاقين، وتأسيس صيدلية الإمام التي توزع أدوية مجانية في مختلف مناطق إيران، وكذلك فانّ هذه الصيدلية تتولى مسؤولية تقديم أدوية خاصة، وأجهزة مفيدة للاستعمال الطبي للمرضى المحتاجين مثل: صمّامات القلب، وجهاز مهدّئ، وجهاز لدوران الدم في الدماغ. وفي هذا المجال تمّ توسيع دار الضيافة التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة. وقد تمّ في هذا المجال أيضاً اعمار مدينة الحويزة في منطقة خوزستان التي هدمت أثناء الحرب.
كما تمّ أيضاً تشييد المساجد وترميم بعض المقامات وتشييد بعض المستشفيات والمدارس وإنشاء الطرقات في العديد من المناطق والمدن.
النشاطات الزراعية
بلغت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة التي تدار من قبل الآستانة الرضوية المقدّسة على شكل إيداع في قالب الشركات والمؤسسات الزراعية أو على شكل مزارعة واجازة تحت تصرف الزارعين 286000 هكتاراً. وتبلغ المنتوجات الحيوانية للمجموعات المذكورة أربعين طنّاً من الحليب وطنّين من اللحم يومياً.
وتقوم المعاونية الزراعية التابعة للروضة بجهود كبيرة من أجل زيادة الأراضي الزراعية وإروائها وتقديمها للمزارعين، وزيادة عدد مزارع تربية الحيوانات وذلك في مختلف مناطق البلاد.
النشاطات الصناعية والتجارية
تستثمر الآستانة الرضوية المقدّسة الموقوفات المطلقة لايجاد أرصدة مالية مناسبة للنشاطات الثقافية وادارة شؤون الحرم الرضوي الشريف، وكذلك تعزيز النموّ الاقتصادي للبلاد. وهي تمارس نشاطاتها الاقتصادية في قالب شركات انتاجية عديدة كمعامل المعجنات والتعليب والتبريد والبلاسيك. وهناك شركة الآستانة الرضوية المقدّسة للسجّاد لأروقة الحرم الشريف.
من الجدير ذكره أنّ العاملين في هذه الشركة حاكوا سجّادة مقدارها 1991 متراً مربّعاً سنة 1411 هـ.
وهناك شركة القدس الانتاجية للقيشاني الصناعي، والتي يعمل فيها ثلاثمائة عامل، وشركة الإمام الثامن عليه السّلام لصناعة المصول، وشركة « خسروي » للحياكة والنسيج. ومما يجدر ذكره أن الآستانة الرضوية المقدّسة قامت بتمويل ( 15 ) شركةً ومعملاً على صعيد القطر بنسبة تتراوح بين ( 3 ) و ( 50 ) بالمائة.
مشاهدات
ان أول ما يلفت نظر قاصد مدينة مشهد والحرم المبارك أمران: القبة البرّاقة بذهبها تحت أشعة الشمس الخافتة المنسابة بين بعض الغيوم والضباب، وكلمة ( الحرم ) التي تصادفك أينما حللت أو سرت في مشهد.. على الباصات مثلاً حرم ـ ترمينال، حرم ـ منطقة كذا.. فتعرف ان الوصول للحرم بالباص أو السيارة أمر سهل إذ هو مركز ووسط ومقصد للسكان والزائرين.
وكلما تقترب من الحرم أكثر تشاهد ازدحام الفنادق وأماكن نزول واستئجار الزوار للسكن، وكذلك تحتشد المحال والأسواق والأحياء التجارية. وكلما اقتربت من الحرم تهتدي إلى طريقه وأبوابه من خلال ازدحام الناس وحركتهم الدائمة الدائبة دخولاً وخروجاً.. وتقترب أكثر بين الحشود لتسأل عن سبب الزحمة هذه فيأتيك الجواب. هذه حال الحرم والزوار في قصة لا متناهية على مدار السنة ليلاً ونهاراً، لا سبب خاصاً للازدحام، وأما في المناسبات فلا تستطيع الوصول إلى داخل الحرم إلا بصعوبة أحياناً.
وتقف على الباب في لحظات دهشة واعجاب واستغراب: يشدّك صاحب المقام عليه السّلام للدخول والزيارة، ويمسك بفضولك ويلفت نظرك مشهد لا يصدّق أشبه بلوحة فنية رائعة فكأنك أمام مشهد جنائزي استنفر الناس للحشر أو أمام قصر سلطان في مناسبة مهمة.. الداخل والخارج يبكيان، ترى الأنوار على وجوه كثيرين وكأنهم يشيّعون إمامهم الآن، أو يتشرفون بالتبرك والعهد والوفاء لسلطان زمانهم الراقد هناك تحت القبة المذهبة.. والحركة دائرية يصطدم فيها الداخل بالخارج فالكل يتوجه نحو « السلطان » بتحية إكرام واعظام وسلام « السلام عليك يا إمام » « السلام عليك يا غريب » « السلام عليك يا علي بن موسى الرضا ». وفي تلك اللحظات تطرق أذنيك ضربات عمال منتشرين هنا وهناك في حركة عمران وتوسعة وانشاء وتجهيزات في أكثر من مكان في الخارج والداخل. وعلى باب لجهة القبلة عُلّقت لوحة تمثل خريطة الحرم بأقسامه وصحونه ومداخله ومخارجه وأبوابه ودوره والضريح.. وإلى زاوية الباب الأخرى رجل باللباس الرسمي الكحلي يحمل عصا فضية يسلم عليه بعض الناس الداخلين والخارجين يشدّون على يده فهو واحد من حرس السلطان علي بن موسى الرضا عليه السّلام الذين يقفون على مداخل الحرم.
وتلج الصحن لتطالعك صورتان للإمام الخميني وللسيّد الخامنائي فتعرف أن الصحن هو صحن الإمام الخميني رضي الله عنه وبركة ماء كبيرة تحولق حولها الزوار في وسط الصحن...
وفي مدار الصحن أبواب وغرف في طابقين موزعة بين الاستعلامات وباب المتحف وباب المكتبة وأبواب، اثنان لصحن الحرية وآخر لصحن القدس وثالث لمسجد گوهرشاد ورابع في الزاوية الشمالية الغربية لدار يتوسطها قبر الشيخ البهائي فتقف لتقرأ هناك الفاتحة له ولأموات المسلمين.
تدخل الحرم ومعك دليل يعرفك على أشياء كثيرة تدهش لسماعها فتعرف ان هناك 16 باباً ومدخلاً مكتوب عليها ( كفشداري ) أي مكان الأحذية وان العاملين عليها الذين يأخذون منك حذاءك ويعطونك رقماً كوصل أمانة هم من العلماء والأطباء والمثقفين والمحاضرين وقلة من الموظفين وقد جاؤوا إلى هنا ليتشرفوا بخدمة ضيوفهم زوّار الإمام الرضا عليه السّلام تواضعاً وتقرّباً لله سبحانه. وفي جنبات الدور المتواصلة تسمع بكاء وعويلاً وحدواً حتّى لتظنّ أن مشكلة حصلت.. وتزداد الأصوات حين تقترب من الضريح عبر أحد الأروقة المتعددة المرصّعة بالزجاج والفضة والذهب والكريستال وما لا تقدر أن تعرفه من خلال مرة واحدة.
وعند باب الضريح تعرف أن هناك مشكلة حقيقية وهي حوائج للزوار وشوق وحنين، ولوعة فراق وشغف للقاء صاحب الزمان عليه السّلام، ورجاء شفاعة الإمام الرضا وآبائه الأطهار عليهم السّلام، تدرك ذلك من الأصوات المنبعثة من أرجاء الأروقة والدور وعلى جوانب قفص الضريح، باللغة العربية بين مرتل للقرآن وقارئ للدعاء وزوار بمختلف اللهجات والأعمار والألوان، يحملون كلهم كتب الزيارة « السلام عليكم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى » « السلام عليك يا إمام رضا » وتكون هناك الضاد ( زاي ) عند الشعوب الفارسية ومن جاورها مع بكاء ونحيب ينمّان عن الصدق والاخلاص لله وصفاء الولاية لأهل البيت النبوي المطهر عليهم السّلام...
وبين حيرة المنظر والرغبة للزيارة وازدحام الأصوات وتنظيم الخدم للحركة منعاً لقطع الطرق ومراقبة أمور الطهارة داخل الحرم ومنعاً لاختلاط النساء بالرجال، وجمعاً لكتب الأدعية والمصاحف ووضعها في الأماكن المخصصة، بين كل هذا وذاك تسقط منك دمعتان، دمعة حسرة، ودمعة وجل من عدم الصدق والتفريط في جنب الله..
وتمضي ما شاء لك الله ان تمضي من الوقت ثم نخرج لنتعرف على بقية أقسام الحرم.. وتُدهَش من جديد لاتساع الأبنية والصحون.. ويشدّ سمعك من أحد الصحون حيث ازدحام الناس فتقترب كغيرك لترى مجموعة من الزوار قادمين بندب ولطم وضرب خفيف للصدور والمتون: إنه مشهد شبه يومي في الصحون، انهم يقيمون مجلس عزاء حسيني ويندبون شهيد كربلاء.
وفي الصحون المختلفة كما في داخل الأروقة والدور واطراف الحرم.. كهول وبعض شيوخ وشباب يحملون المكانس بلهفة ورغبة واقبال، ورحمة وعناية بالزوار يطلبون منهم الابتعاد لتنظيف دائم للحرم، أحدهم قال: ان بعض هؤلاء من عائلات عريقة في هذا العمل التطوّعي يتوارثونه جيلاً بعد جيل ويفتخرون بهذا العمل المبارك..
أمّا نشاطات قسم العلاقات الدولية فثلاثة:
ـ متابعة أحوال المسلمين خارج إيران وخدمتهم ثقافياً أو في مجالات أخرى كبناء المساجد والمدارس كما حصل في تنزانيا وأوغندا.. وتقديم دراسة للجامعة الرضوية عن أحوال البلدان الإسلامية لتأمين المبلغين إليها.
ـ التواصل مع المسلمين عبر الرسائل، ويؤدي القسم دور صلة وصل بين أقسام الآستانة والمراسلين الأجانب من مسلمين وغيرهم.
ـ الاهتمام بشؤون الزوار والسياح خصوصاً المنقطع بهم، وتأمين مترجم أو دليل معهم، وتأمين الملصقات والصور والكتب وما يحتاجونه عن الحرم وما يتعلق به.
إن زائر مشهد الإمام الرضا عليه السّلام ليدرك حقيقة لا مفر من إدراكها وهي أنّ « من تواضع لله رفعه الله » وأن أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله مع ما أصابهم من قتل وتشريد وتهجير ونفي ومحاولة محو آثارهم فقد هيأ الله لهم أناساً يعظمونهم لدينهم ويوالونهم لحب الله لهم ويكرمونهم إكراماً لنبيهم والتزاماً بأمره، حتّى أخذ يتردّد في كل عام ما يزيد عن 14 مليون زائر يقفون ليقولوا بخشوع « السّلام عليك يا بعيد المدى.. السّلام عليك يا عليّ بن موسى الرضا ».