30 ربيع الأول 1433 - 23/02/2012
يسود كثيراً من المجتمعات العربية اعتقاداً مفاده، أنّ المرأة عندما تصبح من دون رجل، سواء أكان بسبب طلاقها أم وفاة زوجها، يحرم عليها الزواج مرة أخرى. في حين، أنّ الرجل، لو واجه الموقف نفسه وفقد زوجته لأي سبب، فإنّه يجد تشجيعاً على الزواج مرة أخرى، وإذا لم يمارس هذا "الحق" اعتُبر موقفه قمة التضحية. أما لو تزوجت المرأة ثانية اعتبرت "خائنة"، وينظر إليها على أنها لم "تصن العشرة"، خصوصاً إذا كان لديها أبناء.
بعد أن أنهت أسماء حياتها الزوجية بالطلاق، تخيلت أنّ هذه الخطوة هي نهاية الجراح، لكنها اكتشفت عقب طلاقها أنها تواجه مجتمعاً لا يسمح لها بالزواج مرة أخرى: "بعد طلاقي قررت بدء حياتي من جديد، وبالفعل أحببت زميلي في العمل وأحبني، لكن والده رفض هذه العلاقة لأني مطلقة". وتشير أسماء إلى مضايقات كثيرة تعرضت لها، أقلها سيل لا يتوقف من الرجال يعرض عليها الزواج سراً، أو قضاء وقت معها من دون زواج، ذلك أنهم يرونها "امرأة سهلة".
في المقابل نرى أن محمد كمال، الذي توفيت زوجته، تزوج بأخرى، على الرغم من عدم موافقة أبنائه وكذلك بعض المحيطين به، مبررين ذلك بضرورة تفرغه لرعاية أبنائه، وأيضاً نظراً لكبر سنه، يقول كمال: "أعيش حياة طيبة مع زوجتي الثانية"، مشيراً إلى واقعة وفاة زوج أخته، التي صمم هو بعد ذلك على "أن تتزوج مرة أخرى، وبالفعل تزوجت هي والآن تعيش مع زوجها الجديد، الذي شاركها تربية أبنائها الثلاثة حتى تخرجوا في الجامعة".
- من حقها الزواج:
يرى جمال أحمد أن "من حق المرأة المطلقة أو الأرملة الزواج مرة أخرى مثلها مثل الرجل، حتى ولو كان لديها أبناء"، ويشترط في ذلك "أن تحرص على التوازن بين رعاية أبنائها وزوجها الجديد".
واتفاقاً مع الرأي السابق، يشير حسين عبدربه إلى أنّ المرأة المطلقة أو الأرملة "إذا كانت صغيرة فإن من حقها الزواج مرة أخرى، ولكن كثيراً ما نرى أنّ المطلقة أو الأرملة تفضل أن تربي أولادها على الزواج، ويمكن إرجاع جزء من هذا القرار إلى الخوف من لوم المجتمع لها، على الرغم من أن زواج هذه الفئة، هو صيانة لكرامتها وسمعتها".
ويعترف شريف حسين بأنّ المجتمع "لا يرحب بفكرة زواج المطلقة أو الأرملة مرة أخرى، في حين يرحب بزواج الرجل المطلق أو الأرمل، ويجد له الكثير من الأعذار والحجج التي تبرر زواجه، في حين تختفي هذه الحجج في حالة المرأة".
وتشاركه هذا الرأي سعاد إبراهيم، التي تعتبر أن على المجتمع "تغيير نظرته إلى المرأة التي تتزوج بعد طلاقها أو وفاة زوجها، فقد يكون طلاقها رغماً عنها. ومشكلة مجتمعنا الشرقي أنه يتصور أنّ الرجل هو كل شيء، ولا يدرك أنّ المرأة إذا كان لديها أبناء يفرض المجتمع عليها حكمه بتكريس حياتها لتربيتهم متجاهلاً أو زواجها صون لها من الفتنة والوقوع في ما حرمه الله".
- الغزو الثقافي لم يغير شيئاً:
تقول د. إيمان شريف، (أستاذ علم النفس في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية")، إن نظرة المجتمع إلى زواج المطلقة أو الأرملة وزواج الأرمل أو المطلق تختلف، ففي الحالة الأولى لا يقبل المجتمع بصعوبة الزواج، والعكس مع الحالة الثانية، حيث يرحب ويشجع زواجه، فالرجل لا يستطيع الحياة من دون امرأة تقوم برعايته من ناحية، إضافة إلى الحياة الزجية من ناحية أخرى، حيث لا يستطيع الرجل بيولوجياً أن يعيش من دون معاشرة امرأة مدة طويلة".
وعن الزواج في حالة وجود أطفال، تؤكد د. شريف: "إذا كان لدى المرأة أبناء فهذا سبب قوي لمنعها من الزواج مرة أخرى لضرورة تفرغها لهم، وعلى العكس إذا كان للرجل المطلق أو الأرمل أبناء، فهذا سبب ادعى لزواجه، حيث يصعب أن يرعى أبناءه بمفرده".
وعن أسباب زواج هذه الفئة من النساء، تشير إلى أنّ "المرأة المطلقة أو الأرملة إذا كانت صغيرة السن ولديها أطفال صغار، تكون في حاجة إلى رجل يقوم بدور الأب، إضافة إلى المساندة المادية، أما من الناحية النفسية فهذه المرأة ترى في الزواج إعادة ثقة لنفسها، وأنّها لا تزال مرغوبة، وإذا كانت مطلقة فهو نوع من رد الاعتبار لها وإثبات أنها قادرة على تكوين أسرة ناجحة، وإن ما حدث لها في زواجها الأوّل لم يكن بسببها".
تضيف د. شريف: "على الرغم من كل التغيُّرات التي حدثت لمجتمعنا الشرقي مع الغزو الثقافي والعولمة، إلا أنّ الموروثات الثقافية لاتزال ثابتة ويؤمن بها المجتمع، التي منها وضع محاذير وموانع على علاقات الزواج بالمطلقة والأرملة".
- الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة:
وعما إذا كان هذا الموروث الثقافي، له جذور في العقيدة الدينية، يقول د. نبيل غنايم، رئيس "مركز الدراسات الإسلامية" في "جامعة القاهرة": "الزواج سنة للجميع، رجالاً ونساء، سواء أكانوا أرامل أم مطلقين أو أبكاراً، لأنّه يحقق الأهداف الشرعية، من حيث إشباع الغريزة الخلقية وتحقيق التناسل بطريق شرعي وإيجاد المودة والرحمة بين الزوج والزوجة. فيقول الله عزّ وجلّ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21). وقال الرسول الكريم، (ص): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج". وفي حديث آخر: "الزواج من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
يتابع د. غنايم: "على الرغم من هذه الدعوة الصريحة من الإسلام إلى الزواج، إلا أن نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة أو الأرملة نظرة غير شرعية، لأنّه يكاد يحرم على الأرملة الزواج خوفاً على الأبناء وحفاظاً على ذكرى زوجها المتوفَّى، وإذا تزوجت عُد ذلك كبيرة من الكبائر. كذلك، فإنّ المرأة المطلقة لا يحبذها كثير من راغبي الزواج أو من أهل هؤلاء الراغبين، بل ينظرون إليها نظرة انتقاص أو إساءة، اعتقاداً منهم أنها لا تصلح للحياة الزوجية المستقرة، فلو أنها كانت صالحة لاستمرت مع زوجها الأوّل، وهو ما يعد ظلماً شديداً للمرأة، ذلك أن زوجها السابق قد يكون غير سوي، أو أن زوجها الذي توفي تركها وهي لا تزال شابة صغيرة، فلا يجوز أن نُخضع الأحكام الشرعية للعادات والتقاليد ونظرة المجتمع".
وعما إذا كانت هناك شروط معينة لزواج المطلقة والأرملة، وفي المقابل الأرمل والمطلق يعتبر د. غنايم أنه "لا توجد شروط معينة عند زواج من سبق لهم الزواج من النساء أو الرجال، فهي شروط الزواج الشرعية المعروفة، وهي الولي والمهر والإشهار والشهود والعدول، والتوثيق المعروف على يد مأذون حفاظاً للحقوق، ولكن قد يكون مهر الأرملة والمطلقة أقل من مهر البكر، وليس هناك مانع في ذلك".
بقلم/ دعاء البادي