29 ربيع الأول 1433 - 22/02/2012
لم يعرف "أبو محمود" الذي دخل عقده السابع من العمر، كيف اشتعل رأسه شيبا على حين غرة وهو يقاسي من الظروف المعيشية الصعبة التي أثقلت كاهله ولم تسمح له أن يقضي السنوات المتبقية من عمره شأنه شأن أقرانه الذين يعيشون أجواء الراحة مع أبنائهم الذين رفعوا عنهم كاهل العمل والمسؤولية.
وجد "أبو محمود" نفسه مسؤولا بالرغم من كبر سنه، عن أسرة تتكون من خمسة صغار وزوجة. ومما زاد من حجم معاناته إن الله ابتلاه بابن مقعد، ثم زاده ابتلاء بعد ذلك بأن يتوفى زوج أبنته، ليكون اثر ذلك مسؤولا عن توفير مستلزمات المعيشة لكل هؤلاء.
"71 عاما" من العمر، قضى "أبو محمود" الثلثين الكبيرين منه بالعمل الشاق، بحر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارس، يبدأ يومه بعد فرض صلاة الصبح الذي اعتاد على إن يؤديه في وقته، ويستمر مسلسل كده ومعاناته حتى مساء اليوم، ليزيد عمله من المعاناة التي تأبى إن تترك "ابا محمود"، معاناة عندما أوجزها فقال انها معاناة امراض السكر وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل.
وبالرغم من معاناة "ابي محمود" المعيشية والصحية او الجسدية، إلا انه لم يحمّل أي جهة أو مسؤول أية مسؤولية، مكتفيا بالقول إن متطلبات حياته مع أسرته المعيشية فاقت جهده ومقدرته على توفيرها، لذا وجد نفسه مضطرا على عمله في "العمالة" البناء وخاصة إن راتبه التقاعدي لم يعد يفي لتوفير مستلزمات الحياة.
أما الرجل السبعيني "أبو خيري" فأنه منذ زمن الحصار الاقتصادي إبان الحكم الصدامي البائد، وحتى الآن لم يفارق "البسطية" المكان المتواضع الخاص به قرب عمارة سيد نور الذي اتخذه للمتاجرة ببعض الحاجيات البسيطة.
يقول "ابو خيري" إنه لم يبرح مكانه طيلة تلك الفترة لا في الصيف ولا في الشتاء، وهو يعاني من صعوبة ظروف معيشته بالرغم من كبر سنه، التي لم تعد تعينه على العمل مثل السابق.
مضيفا انه استبشر خيرا بعد تغيير النظام السابق، وكان كله امل إن يكون مشمولا بقانون شبكة الرعاية الاجتماعية ليحصل على راتب متواضع إن لم يكفيه ليترك عمله في هذه "البسطية" بشكل نهائي فانه يساعده على سد بعض من مستلزمات معيشة أسرته.
فيما تجلس "ام حيدر" بالرغم من دخولها العقد السادس، في الشارع مفترشة أرضية السوق، لتتخذ من "بسطية" وسيلة لبيع بعض البسكويت وما شابه، لتعين بذلك نفسها مع ابنة أختها التي تبنتها هذا غير امها ابتلاها الله بالمرض فأصبحت مقعدة.
ويكاد يكون عدم الشمول بقانون شبكة الرعاية الاجتماعية، هو القاسم المشترك بين "ام حيدر" و"ابو خيري" مما جعلها مضطرة على هذا العمل الذي لا تجني منه من ارباح سوى مبلغ زهيد، لا يتكافئ مع المعاناة التي تواجهها "ام خيري" بسبب حر الصيف وشمه اللاهبة وبرد الشتاء ومطره.
ويرى الباحث النفسي محمد سعيد جبير إن في عمل كبار السن ثمة سلبية وايجابية في الوقت نفسه. مصنفا إن هذه الاثار السلبية والايجابية تعتمد على المسن نفسه.
وقال اذا كان السن مضطرا على الخروج الى العمل قد يؤدي ذلك الى زيادة حالات الانفعال النفسي في تعاملاته اليومية مع اسرته والمجتمع وقد يقود الكآبة الى مصاحبته له اثناء تأديته عمله.
واضاف جبير اما النوع الثاني من الاثار فهو الايجابي، فعمل المسن في هذه الحالة قد يسهم بصورة ايجابية عندما يعاني من الوحدة والعزلة النفسية وبعض من صور التهميش النسبي من اسرته او المجتمع.
موضحا إن الإحساس الأخير يقود المسن الى محاولة إثبات وجوده وانه ما زال مؤثرا بحيث يحتاجه الآخرون كما هو بحاجة اليهم وليس عالة على الأسرة او المجتمع، وهذا الاحساس او الدافع يعتبر نقطة ايجابية جدا تجعل من المسن مصرا على العمل بل انه يبدع فيه كما نشاهد ذلك في كثير من الصور والمشاهد التي شهدناها.
تحقيق/ دعاء القريشي