17 ربيع الأول 1433 - 11/02/2012
ما إن يقبل شهر محرم الحرام حتى تبدأ المرأة النجفية استعداداتها لإقامة المجالس الحسينية السنوية التي اعتادت اغلب النسوة أقامتها وهي ترتدي ملابس السواد تعبيرا عن الحزن والمأساة،الزى الخاص بهذه المجالس الذي أوجدته تقاليد المجتمع، فان العادات الموجودة في المجتمع النجفي ورثها الأبناء من الاباء والأجداد،فلابد من الحفاظ عليها.
فالشريعة الإسلامية تعتبر قضية الإمام الحسين (عليه السلام) قضية تكوينية كما يؤكد علماء الأمامية عليها ويحثون على إحياء الشعائر الحسينية. لذا ترى بعض النساء إن أقامت مجالس العزاء تعبيرا عن الوقوف مع السيدة زينب ومؤاساتها باستشهاد أخيها وأهل بيتها،
فالنسوة النجفيات تهيأ نفسها استعدادا لأقامت مراسيم العزاء واستذكارا لشهداء الطف الخالدة وأحياءا للنساء التي قدمت أبنائها وأزواجها وأخوتها من اجل الحق وإيمانا بنهضة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).
مظاهر الحزن والاسى:
تقول العلوية أم رضوان 56عاما "ان الشعائر الحسينية المقدسة و الجزع والعزاء على اهل البيت(عليه السلام) تعتبر من مقومات بقاء الاسلام والتشيع حيا في قلوب المؤمنين فهي من شعائر الله تعالى, مما جعل اعداء أهل البيت (عليه السلام) يحاربون هذه الشعائر الحسينية منذ قتل الامام الحسين (عليه السلام) وإلى يومنا هذا الا انها ازدادت علوا واستمرت يوم بعد يوم، فانا رهنت عمري ومالي ونفسي لخدمة سيد الشهداء(عليه السلام) واقامت العزاء على مصيبته العظيمة".
وتضيف "ان مراسيم العزاء النسوية كانت مسبقا مقتصرة على اللطم والنحيب وغيرها ،اما الان فأصبحت المرأة النجفية تستغل هذه المجالس بالقاء الخطب او محاضرات الوعض والارشاد لتوعية المرأة ولتائدية الرسالة الزينبية".
وتصف ام حسام مراسيم عزاء المرأة النجفية، "ما ان يقترب هلال محرم حتى نبدأ بتهيئة العمل لمراسيم كل يوم من ايام عاشوراء وذلك بخروج تشابيه لكل يوم, ويقوم بعمل هذه التشابيه النساء والاطفال فمثلا يوجد لدينا يوم يسمى باولاد مسلم بن عقيل (عليه السلام) فنلبس بعض الاطفال بملابس خضراء ونضعهم في وسط المجلس, ويوم اخر بطفل الرضيع ويوم ابي فضل العباس ونصف فيه كيف يخرج لملاقاة الاعداء ويوم عروس القاسم بن الامام الحسن (عليه السلام) وكيف كانت سكينة تنتظره وهي واضعة الحنة في يديها،كذلك يوم عاشوراء وهو يوم واقعة الطف والسبايا حوله وكل هذه المراسيم تقام في كل عشرة ايام من شهري محرم وصفر ".
وتضيف العلوية مسرة الخرسان "ان المرأة النجفية لا تستخدم التمثيل (التشابيه) فقط بل اصبحت تخصص طعام لكل يوم، فمثلا في يوم ابي فضل العباس (عليه السلام) فبعض المجالس النسوية تصنع الحلوى المكونة السكر والرز والدارسين، التي تطلق عليها اسم (الزرده) والتي تقوم النساء بتحضيرها كما تقدم النساء المساعدة للاقارب والجيران وذلك لخدمة الإمام الحسين ولبركة العمل".
وتتابع حديثها "في يوم عروس القاسم(عليه السلام) تهيء بعض النجفيات الصواني الخاصة التي تملىء بانواع الحلويات وتوضع فيها الحناء والشموع، وكذلك يوم الطفل الرضيع عبد الله بن الحسين، توزع النساء والاطفال الحليب والكعك كما تسهر المرأة النجفية في ليلة التاسع على ليلة العاشرمن محرم، والتي يطلق عليها (الحجة) وذلك مواساة للسيدة زينب (عليه السلام) لأخيها الامام الحسين (عليه السلام) وهناك ايام ووفيات خاصة تجري فيها احياء ذكرى اهل البيت (عليه السلام)، ومنها يوم وفاة الامام زين العابدين الذي تقوم النساء بتقديم نوع من الطعام والذي يطلق عليه (الأش)".
وتبين الخرسان سبب إعداد الموائد والطعام واقامت مجالس العزاء إن "الطعام الذي يقدم في عقيدتي له فائدة لشفاء المرضى فضلا عن النذور والهدايا التي تعقدها النساء للمجالس الحسينية لمالها من اهمية لقضاء الحاجات المتعسرة وإظهار الكرامات".
عاقبة محاربة المواكب الحسينية
اما ام الهام التي تبلغ من العمر 36عاما تقول "لخدمة المواكب الحسينية ثوابا وأجرا جزيلا عند الله سبحانه وفيها إحياء لشعائر الدين, فان التصدي لهذه المواكب ومحاربتها سيكون له عاقبة سيئة، فمن يضع العراقيل في طريق المواكب الحسينية عامدا او جاهلا سيلقى جزاءه في دار الدنيا قبل الآخرة ,لإن الثواب الحقيقي للأعمال هو في يوم الحساب، لكن المسيء للإمام الحسين (عليه السلام) سيدفع ثمن ذلك في الدنيا قبل وصوله الآخرة".
مبينة "ان هناك مسالة اخرى يجب الالتفاف اليها هي السعادة والنعمة التي يهبها الله تبارك وتعالى لعباده مقابل تقديم الخدمة في المواكب الحسينية, لذا علينا أن نغتنم هذه الفرص لننعم بظلالها قبل أن نندم على التفريط بها".
ذخر ليوم الحساب
وتصف لنا طالبة الحوزة العلمية هدى عبد الامير، "علينا أن نتزود ليوم الحساب مادامت الفرصة سانحة بسبب انقطاع الأموات عن العمل في الدار الآخرة ذكر ينفعهم او حسنة تضاف لهم.تراهم يتحسرون ويحسدوننا على كل لحظة من لحظات حياتنا, في حين إننا على العكس منهم, نستطيع أن نصحح أخطاءنا ونعوض ما فاتنا".
وتصف الشابة نور علي التي تعمل في خدمة زوار الحسين (عليه السلام) خدمة الحسين "ان صلاتنا وصومنا وحسن اخلاقنا ومعاشرتنا في الاسرة والمجتمع وكل ما يصدر عنا من عمل صالح, كل ذلك حسابه عند الله،اما الخدمة في سبيل الامام الحسين (عليه السلام) فلها وضع خاص عما سبق من الاعمال وذلك لان الله سبحانه وتعالى قد خص الامام (عليه السلام) امتيازات دون غيره".
وتذكر لنا سارة التي تبلغ من العمر 8 سنوات، "اذهب مع امي للمجالس الحسينية وذلك للمشاركة بهذه المراسيم لكي تبقى في بالي عندما اكبر".
اما بنين 10 سنوات، "اني اشارك في الحضور الى المجالس الحسينية مع أمي واذهب كل عام لزيارة الأربعينية واعمل في المواكب الحسينية وانتظر هذا اليوم وذلك لان وادعوا الله تعالى ان يوفقني في الدنيا والآخرة".
الاقتداء بالسيدة زينب(عليه السلام)
تؤكد الملة ام رضوان 45 عاما التي تعمل قارئة في المجالس الحسينية إن "المشاركة والخدمة في المجالس الحسينية فيها ثواب عظيم كما ان يوم العاشر من شهر محرم ليس مناسبة للندب والتعزية, بل وقفة للتأسي بدروسه،والاقتداء بأبطاله, وخصوصا نقتدي بالسيدة زينب وان نتأسى معها في جميع شئوننا".
وتبين رنا عقيل، طالبة في كلية الفقه إن، "قضية الإمام الحسين (عليه السلام) تتميز بميزتين هما العًبرة والعبٍرة وهاتان الميزتان متلازمتان, فان الذي يحظى بمنزلة ارفع وحرمة اكبر عند سيد الشهداء (عليه السلام)هو الاقدر على أخذ العبرة منه(عليه السلام) وذرف الدمعة والعبًرة عليه, وعلى قدر السعي في هاتين المسألتين يكون الثواب والجائزة لان الإمام (عليه السلام) اراد ان ينجي العباد من الجهل والضلال والتيه, فأذا أردنا ان نتوفق أكثر،علينا أن نبذل مانملك في خدمة هذه القضية".