25 ذي الحجة 1428 - 05/01/2008
تعتبر مزارات أهل البيت (عليهم السَّلام) معاهد التثقيف الديني ومنطلق الاعتبار بالتاريخ والجهاد بالنفس والمال والتضحية في سبيل الله. ونصوص الزيارات المأثورة تعتبر سلسلة دروس تتضمّن استعراضاً لأهم النقاط البارزة في حياة المزور، والتزامه بالمبادئ. وتتفق كلمة المسلمين - سنة وشيعة - على مشروعية زيارة قبور الأنبياء والأئمة والأولياء وفي ذلك روايات كثيرة - سنشير إلى بعضها -.
قال الإمام الرضا (عليه السَّلام): (إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، فإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة).
وقال الإمام الباقر (عليه السَّلام): (إن من زار قبور شهداء آل محمد (صلّى الله عليه وآله) يريد بذلك صلة نبيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه).
وقال الإمام الصادق (عليه السَّلام): (إن من زار أحد الأئمة فهو كمن زار رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، له مثل ما لمن زار رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).
وقال أبو الحسن الأول: (من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ومن لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا).
وفي (وفاء الوفاء) روى ابن أبي شيبة عن أبي جعفر أن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت تزور قبر حمزة وتصلحه وقد تعلمته بحجر... وزاد الحاكم: كل جمعة فتصلي وتبكي عنده).
فمزارات أهل البيت (عليهم السَّلام) هي تجسد الذكريات الإسلامية التي تهدي الأجيال والتي يعتبر بها كل إنسان، فمن المزار يطالع تاريخ سيرة المزور العلمية والسياسية ودوره الهام في تحقيق العدالة، ومزارات أهل البيت (عليهم السَّلام) منتدى ذكريات لم تنعم بمثلها أية بقعة في العالم، لأنهم أهل بيت الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ومختلف الملائكة.
ومزارات أهل البيت (عليهم السَّلام) معاهد التثقيف الديني، ومنطلق الاعتبار، والجهاد بالنفس والمال، والتضحية في سبيل الله، وتلقي سلسلة دروس في نصوص الزيارات المأثورة المتضمنة لاستعراض حياة المزور والتزامه بالمبادئ.
فالمزارات مراكز انطلاقة صرخة الحق المدوية في وجه الظلم والطغيان - على طول التاريخ - سواء فيها المدينة والنجف وكربلاء والكوفة، والشام ومصر. ففي ساحة المزارات هذه ترى جموع المصلين والمتعبدين لله تعالى، مسرعين مستغفرين يبشرهم الله تعالى بقوله: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
حقاً إنها مدارس تربوية ومعاهد دينية تربط المؤمنين جميعاً وصاحب المزار فيها رابطة الإيمان والعقيدة فيجمعه على صعيد واحد ويربطهم جميعاً تجديد العهد في العمل في مصلحة الإسلام والمسلمين.
إنّ الظلم الأموي العباسي المشترك استنزف كثيراً من دماء أهل البيت وكانت تضحياتهم تفوق أية تضحية سجلها التاريخ، فلا نجد ما يتصاعد إلى مستوى تضحيتهم في سبيل الإسلام.
وكان هذا الظلم سبباً في أن يضرب بعض أفراد هذه الأسرة النبوية في الأرض بحثاً عن الأمن، فانتشروا في ربوع خراسان والشامات ومصر وأفريقيا والهند، واعتنى المسلمون - على وجه خاص - بمزاراتهم وجدّدوا عماراتها وأوقفوا عليها الأوقاف باعتبار أن صاحب المزار منسوب إلى نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله) ومن حق المنسوب أن يُحترم ويُكرّم احتراماً للمنسوب إليه بالإضافة إلى إحياء ذكرى تضحياتهم في سبيل مصلحة الإسلام والمسلمين.
وهذه الأراضي التي يقع فيها مقام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في مدينة جده الإمام الحسين (عليه السلام) تعرف بالجعفريات، وهي من موقوفات الشيخ أمين الدين الخيرية، وهي ضمن الأراضي والعقارات التي تعود له في الحائر الحسيني، ويرجع تاريخها إلى سنة 904هـ. وقد شيد هذا المقام رمزا تذكاريا من قبل الزعيم البكتاشي جهان دده (كلامي) الشاعر الصوفي الذي كان حيا سنة 971هـ. ويعرف المكان بشريعة الإمام جعفر بن محمد الصادق وهو المكان الذي أغتسل فيه الإمام الصادق في نهر الفرات قبيل زيارته للحائر. وموقعه في أراضي الجعفريات على الشاطئ الغربي من نهر العلقمي. حيث يجد الزائر مزارا مشهورا عليه قبة عالية من القاشاني تحيط به البساتين والناس تقصده للزيارة والتبرك وقضاء الحاجات، ويختص هذا المقام بزيارة نساء المدينة في أيام الربيع خاصة في عيد نوروز، وفي عصر يوم الخميس، حيث تقدم الاكلات الشعبية وتنذر الشموع والحناء.
جاء في موسوعة (دائرة المعارف): إن الإمام جعفر الصادق جاء لزيارة جده أمير المؤمنين فلما أدى مراسيم الزيارة خرج إلى كربلاء واغتسل ولبس ثياب الطهر وتوجه ماشيا نحو قبر جده وعند وصوله إلى باب الحرم الشريف انكب على القبر وقال: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله... ثم كر راجعا إلى الغاضرية وبقي فيها وسميت تلك الأراضي بالجعفريات في شمالي كربلاء.
وقد مر هذا المكان الطاهر كغيره من الأماكن المقدسة بظروف متباينة من الاهتمام وعدمه حيث أرادت
القوى الظالمة أن تمحي اثر أهل البيت (عليهم السلام) أين ما كان وتتخذ في ذلك مختلف الوسائل والطرق فقد تعرض المقام الشريف للهدم مرتين الأولى كانت عام 1991 بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة والثانية قبل عدة سنوات على يد دائرة الأمن المجاورة للمقام الشريف، واليوم عندما تدخل إلى المقام تجد ساحة جميلة تتوسطها نخله سمعنا عنها قصة حدثنا بها السيد مرتضى الموسوي وهو خادم هذا المقام حيث قطعت هذه نخلة بالأيدي الآثمة ولكن شاءت القدرة الربانية أن نبتت مكانها نخلة أخرى دون أن يقوم أحد بزراعتها، وقال السيد مرتضى عن معاناته والصعوبات التي واجهتهم من اجل إعادة بناء هذا المقام المبارك في بداية الأمر أتينا أنا والسيد محمد بحر العلوم واستلمنا المقام سنة 2000 في الثامن من شهر رمضان المبارك وكان المقام يفتقر إلى الخدمات بصورة كبيرة ليس فيه سقف والأرض التي تحيط به غير مهيأة للصلاة وكان مزارا بسيطا عبارة عن حائط طوله متر وارتفاعه تقريبا متر ونصف ومعلقة عليه زيارة تقريبا قياسها 40 سم في 60 سم وشمعة 20 واط وقد فكرنا في كيفية تطوير هذا المكان مع قربنا من دائرة أمن النظام المقبور السابق وكان البناء ممنوعا بجوار هذه الدائرة المنبوذة فقلنا نهدم هذا المتواضع ونعمل مظلة بسيطة حتى يستفاد الزائر منها كي تقيه من الشمس والمطر فرتبنا هذا الترتيب الموجود الآن، حائط ومحراب ولكننا لم نستطع أن نضع له سقف لأنهم منعوا ذلك وتركنا الأمر على حاله فترة من الزمن، وبعد ذلك عملنا له سقف مؤقت حتى يعزل حرارة الشمس، وبعد سقوط النظام وتدفق الزوار على مدينة كربلاء المقدسة لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تم تعمير المقام بهذه الصور التي تراه اليوم ونأمل أن يوفقنا الله لإعمار هذا المكان المقدس الذي هو شاهد من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) على أهمية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) حيث يقطع الإمام جعفر الصادق ويشد الرحال إلى هذه الأرض المقدسة ويترك هذا الأثر المبارك كدليل على المواظبة والجد على زيارة سيد الشهداء وأصحابه الميامين لما لهذه الزيارة من أثر في نفوس المؤمنين.