b4b3b2b1
شاعر أهل البيت (عليهم السلام) العبدي الكوفي | الشاعر السيد إسماعيل الحميري ( رحمه الله ) | الشاعر مهيار الديلمي ( رحمه الله ) | الشريف الرضي: أشعر الهاشميين وسليل الشجرة النبوية | السيد رضا الموسوي الهندي ( قدس سره ) |

شاعر أهل البيت (عليهم السلام) العبدي الكوفي

 

27 شوال 1430 - 17/10/2009

هو سفيان بن مصعب العبدي الكوفي ويُلقَّب بـ(أبي محمد) ، و(العبدي) نسبة إلى عبد القيس ابن ربيعة بن نزار.

يعد من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) في القرن الثاني، ومن المتمسكين بهم (علهيم السلام) بولائه وشعره، والمقبولين عندهم لصدق نيته وانقطاعه إليهم .

وقد ضمَّن شعره مناقب ومدائح آل البيت (عليهم السلام) ، وتفجَّع على مصائبهم ورثاهم، ولم نجد في غير آل البيت (عليهم السلام) له شعراً .

عدَّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) ، وذلك لولائه المطلق الخالص ، وإيمانه الذي لا يشوبه شائبة ، فهو ثقة ، عدل ، ممدوح، معتمد ، حتى أمر الإمام (عليه السلام) شيعته بتعليم شعره أولادهم .

فقال ( عليه السلام ) : ( يا معشر الشيعة ، علِّموا أولادكم شعر العبدي ، فإنَّه على دين الله ) ، فشعره يغرس الولاء والمحبَّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) في النفوس .

وكان يأخذ الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في مناقب العترة الطاهرة، فينظمه شعراً في الحال ثم يعرضه على الإمام ( عليه السلام ) .

ومثال ذلك سؤال سفيان للإمام ( عليه السلام ) : ما تقول في قوله تعالى : ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يعرفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُم ) الأعراف : 46 .

قال ( عليه السلام ) : ( هم الأوصياء من آل محمد ، الإثني عشر ، لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه ) ، فقال سفيان : فما الأعراف ، جُعلت فداك ؟

قال ( عليه السلام ) : ( كَثَائِبٌ من مِسك ، عليها رسول الله والأوصياء (عليهم السلام) يعرفون كلاً بسيماهم ) ، فقال سفيان : أفلا أقول في ذلك شيئاً ..

فقال من قصيدة :

وأنتم وُلاة الحَشر والنَّشرِ والجَزَا *** وأنتم ليـوم المفـزع الهـولِِ مفزعُ

وأنتم عَلى الأعرَافِ وَهيَ كثائبٌ*** مِنَ المَـسِّ ريَّاهَـا بكـم يَتَضَـوَّعُ

ثَمَانِيَـة بالعَـرشِ إِذْ يَحمِلُونَـهُ وَمِن*** بَعدِهِم فِي الأَرضِ هَادُونَ أَربَعُ

نبوغه في الأدب والحديث :

نبغ سفيان في الشعر والأدب ، فشعره من الجودة، والجزالة ، والسهولة ، والعذوبة ، والفخامة ، والحلاوة ، والمتانة ، وكل هذا شاهدٌ على تَضَلُّعِهِ في فنونه ، ويعترف له بالتقدم والبروز .

واستنشده الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقال : ( قولوا لأم فروة تجيء فتسمع ما صُنع بجدِّها ( عليها السلام )) ، فجاءت فقعدت خلف الستر .

فقال ( عليه السلام ) للعبدي : (أنشد) ، فقال العبدي: فـَرْوَ جُودِي بِدَمعِكِ المَسكُوبِ ..

فصاحت أم فروة وصِحْنَ النساء .

واستنشد شعره الإمام ( عليه السلام ) أبا عمارة المنشد ، فقال ( عليه السلام ) : ( يا أبا عمارة أنشدني للعبدي في الحسين ( عليه السلام )) ، فأنشد فبكى ، ثم أنشده فبكى فما زال ينشده ويبكي حتى سمع بكاء من في الدار .

إضافة إلى ذلك فإن ثناء الحميري سيد الشعراء عليه دليل آخر على نبوغه في الشعر .

فقد اجتمع السيد الحميري وشاعرنا العبدي الكوفي ، فأنشد السيد الحميري :

إِنِّي أدِينُ بِما دَانَ الوَصيُّ بِهِ*** يومَ الخَرِيبَةِ مِن قَتلِ المُحِلِّينَا

وَبالَّذِي دَان يَومَ النَّهرَوَان بِهِ*** وَشَـارَكَتْ كَفُّه كَفِّي بِصِفِّينَا

فقال له العبدي : أخطأت ، لو شاركت كفُّك كنت مثله ، ولكن قل : تابعت كفه ، لتكون تابعاً لا شريكاً ، فكان السيد الحميري بعد ذلك يقول : أنا أشعر الناس إلا العبدي ، وكان العبدي من رواة الحديث أيضاً ، فقد روى كثيراً من الروايات بشعرٍ عذب وسلس .

ولادته ووفاته :

لم يعثر على تاريخ ولادة ووفاة سفيان العبدي ( رحمه الله ) إلاّ أنّه قد عاصر الشاعر السيد الحميري ( رحمه الله ) المولود سنة ( 105 هـ ) والمتوفّى سنة ( 173 هـ ) .

(رأي في تقييم العبدي:

رأينا مما سبق أن علماءنا تضاربت آراؤهم، واختلفت أقوالهم حول العبدي، وكل منهم يذكر أدلة وجيهة في هذا المجال، وقد رأينا أنَّ العلماء الذين مدحوا الرجل، ذكروا أدلة قوية وواضحة على اعتباره أو اعتبار شعره، تغنينا عن اعادتها، ولكن نحب أن نضيف لما ذكروه شيئا، اضافة لتوضيح بعض أدلتهم:

لاحظنا أنَّ النتيجة التي تدلّ عليها ادلة القادحين، وغاية ما توصلوا اليه، هو التوقف في العبدي، أو أنـّه مجهول، حيث لا يملكون دليلاً على مدحه، مع تضعيف الروايات المادحة له، وكل ما يتصور هناك من دليل للقدح فيه، هو ما ذكره الكشي، بأنـَّه من الطيّارة أو الغلاة، وقد عرفت، وستعرف مناقشته، اضافة لما ذكره البعض من تضعيف اسانيد بعض الروايات التي وردت في حقه.

وأمّا المادحون للعبدي، فانهم يعرضون أدلة قوية على مدحه، واعتبار شعره، وروايته، ويكفي في ذلك شعره الذي يندفع بكل بسالة ووعي، للدفاع عن مبادئ أهل البيت(عليهم السلام)، ونشر فضائلهم ومناقبهم، ومجابهة خصومهم، ومناقشة مخالفيهم، ولعل هذه من المؤشرات على مدح الرجل بل ووثاقته.

إذن، فالقادحون يقولون، إننا لا نملك على مدحه دليلاً، وهذا يفيد التوقف فيه، أو أنـّه رجل مجهول، كما صرح بذلك العلامة، وحتى السيد الخوئي يذهب لذلك، بينما المادحون يذكرون أن لهم أدلة محكمة تدل على مدحه واعتباره.

والملاحظ، وكما ذكر ذلك بعض العلماء، أنَّ تقييمات المتأخرين ـ وتبدأ من زمان المحقق الحلي والعلامة فمن بعدهما ـ قدحاً أو مدحاً، انَّما تصدر عن حدس واجتهاد، وليس عن حس، بينما تقييمات المتقدمين، أمثال الكشي، والنجاشي، والشيخ الطوسي وغيرهم، فهي صادرة عن حس، ومعاصرة للرجل، وبما أنـَّه لا يوجد تقييم من المتقدمين في حق العبدي، الاّ ما ذكره الكشي بأنـَّه من (الطيارة)، وقد ناقش علماؤنا هذه النسبة، كما ذكرنا مناقشتهم، إضافة الى ان الكشي بنفسه يعترف بأنـَّه فهم غلو العبدي من خلال شعره، فتقييمه هذا خاصة صادر عن حدس واجتهاد، وليس عن حس ومشاهدة لسيرة الرجل، وبذلك لا يملك تقييمه ذلك الاعتبار الذي يصدر منه في حق آخرين، من خلال معايشته لهم، وأما الروايتان اللتان ذكرهما الكشي، فهما تدلان على اعتباره وتوثيقه، ولا تدلان على جرحه، وأما تقييم المتأخرين، فهو صادر عن اجتهاد وفهم للنصوص والروايات، الصادرة في حق الرجل، أو من خلال دراسة شعره وأقواله، لذلك يمكن لنا أن نفهم من النصوص، أو من شعره، خلاف ما فهموه، وبذلك يناقش حتى في تقييم الكشي.

والملاحظ أنَّ اعتقاد الغلو، أو الوثاقة والعدالة، أو الفسق، وغيرها، من الصفات، الموجبة للقدح أو المدح في الرجل، هي من الصفات النفسية التي لا يحس الانسان بها نفسها، وانما يتعرف عليها من خلال مظاهرها، ومبرزاتها، ومن المظاهر أقوال الشخص وافعاله.

فربما يقال: إن نسبة الغلو للعبدي ناشئة من بعض أبياته الشعرية، التي قالها في مدح أهل البيت(عليهم السلام) ، منها قوله في أمير المؤمنين(عليه السلام) :

لك قال النبي هذا علي*** أولٌ آخرٌ سميعٌ عليم

ظاهرٌ باطنٌ كما قالت الشمس *** جهاراً وقولها مكتوم

حيث نسب اليه بعض الصفاة التي تنسب لله تعالى، ولكن يلاحظ ملاءمتها لبعض الاحاديث والروايات الصادرة عن المعصومين(عليهم السلام) ، وقد ذكر ابن شهراشوب في المناقب بعض هذه الاحاديث[73]، وكما يصرح العبدي بذلك، بأنَّ ما ذكره في هذه الابيات منقول عن النبي(صلى الله عليه وآله) (لك قال النبي)، وبذلك تخرج عن الغلو، لانه وصف الامام(عليه السلام) بما وصفه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وكذلك ربما دل على الغلو ما ذكره السيد الامين حول هذه الابيات، التي ذكرناها في ديوانه، وتبدأ بهذا البيت

يا من شكت شوقه الاملاك اذ شغفت بحبه وهواه غاية الشغف ويعلق عليها السيد الامين بما نقلناه عنه في ديوانه[74]، بما يخرجها عن الغلو، وهكذا سائر شعره، الذي يلوح منه الغلو، انه يستهدف في الواقع معاني ومفاهيم بعيدة عن الغلو، إضافة الى ورود امثالها في الاحاديث والروايات عن المعصومين(عليهم السلام) .

وأما ما ذكره البعض من نسبة الغلو اليه، أو القدح فيه، أو التوقف فنناقشه بما ذكره الشيخ المامقاني والسيد الامين، وقد نقلنا كلامهما، أنه كان هناك بعض الاختلاف في الاراء بين الشيعة سابقاً ولذلك كان ينسب بعضهم الغلو للبعض الاخر، فكانت نسبة الغلو شائعة بينهم، وهي لا توجب القدح والجرح في الرجل، ولعل السبب في ذلك عدم وضوح بعض معتقدات الشيعة ومفاهيمها لدى البعض، وحتى عن الشيعة أنفسهم آنذاك، كما تقتضيه طبيعة الاعتقاد، وخاصة تلك المعتقدات والمفاهيم غير الرئيسية، أو التي لم يمر على ولادتها زمان طويل، فلا تكون متميزة وواضحة، كما هي اليوم في الاذهان، بعد أن مرَّ عليها تاريخ طويل، وجهود كبيرة ومضنية، بذلها علماؤنا ورجالنا عبر هذه القرون الطويلة، رغم كل التحديات والعقبات في مجال دراسة هذه المعتقدات والمفاهيم، وتركيزها، وتوضيحها، ونشرها ومن هنا ربما وجد بعض الاختلاف في الاراء آنذاك في بدايات ولادتها، وخاصة حول بعض المسائل الاعتقادية غير الرئيسية[75].

وهذا الموضوع وهو مدى وضوح المعتقدات وبلورتها وبقاؤها دون تغير أو تعرضها للتغيير تحتاج الى دراسة علمية موسعة ليس هنا موضع بيانها.

قال الوحيد البهبهاني في فوائده: (وبالجملة الظاهر أنَّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضاً، فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً او كفراً، غلواً أو تفويضاً، أو جبراً او تشبيهاً، أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك، وربما كان منشأ جرحهم بالامور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما اشرنا آنفاً ـ وادعاء أرباب المذاهب كونه منهم، أو روايتهم عنه، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه، الى غير ذلك، فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة)[76]وقد ذكر هذه الفقرة بعد تحقيق واسع عن الغلو ونسبة الغلو بين القدماء.

وقال الشيخ الخاقاني (... ومثله الرمي بالغلو، فتراهم يقولون كان من الطيّارة، أو من اهل الارتفاع وامثالهما، والمراد أنه كان غالياً، فلا بد من التأمل والتثبت في ذلك، فلا يجوز التسرع في الرمي بذلك تقليداً لمن رمى، سيما لو كان القدح من القدماء)[77] وقد بحث عن هذا الموضوع بصورة موسعة، وذكر الكثير من الشواهد في ذلك.

بالاضافة، الى أنَّ شعر العبدي موجود تحت نظرنا، وبين أيدينا، يمكن دراسته، وملاحظته، وحين ندرسه ونلاحظه، لا نرى فيه أي اثر للغلو والارتفاع، بل كما ذكرنا، وذكره علماؤنا، ليس فيه الاّ تعبير عن فضائل أهل البيت(عليهم السلام)ومناقبهم ومدحهم والثناء عليهم، وليس فيه الا الاعتقاد الصحيح كما ذكره الشيخ الاميني.

واما ما يذكره في شعره من عبارات المدح والثناء في الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) والائمة(عليهم السلام) ، وما يذكره من فضائلهم وكراماتهم، مما يتوهم دلالتها على الغلو، ولعلها هي السبب في نسبة الغلو اليه.

فالملاحظ ذكر امثالها، بل ما يفوقها، في بعض الاحاديث، والروايات، والاشعار والاقوال، دون أن ينسب الغلو لاصحابها ولرواتها، إضافة لذلك، فقد ذكرنا انه كان ينظم مضمون الايات والاحاديث الثابتة، وخاصة الاحاديث الصادرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في حق أهل البيت(عليهم السلام) ، يعترف بها الشيعة وأهل السنة وذكرت في كتبهم، فكيف يمكن نسبة الغلو والانحراف للعبدي، وقد صورت مثل هذه الاقوال والاحاديث عن الكثير، فيلزم أن ينسب الغلو للكثير ويلزم كذلك نسبة الغلو للاحاديث الثابتة عن النبي(صلى الله عليه وآله) .

إضافة الى أنَّ بعض علمائنا، ذكروا شعر العبدي في كتبهم، دون أن يشيروا للغلو فيه، ولو كان فيه غلو لما ذكروه، أو لنبهوا على غلوه ولما ذكروا الروايات المحفزة على تعلمه، بل أنَّ بعض الثقات ألفّ كتاباً في أخبار العبدي وشعره، كما ذكره النجاشي، ورأينا أنَّ أبا داود المسترق المجمع على وثاقته، يروي عنه، ويحدث الناس برواياته، يضاف لذلك ما ذكره المادحون أمثال الغدير وتنقيح المقال والاعيان من شواهد وقرائن، لو ضم أحدها للاخر، لاوجب الوثوق والاطمئنان باعتبار العبدي، واعتبار رواياته وربما أغنانا عن وجود نص على وثاقته واعتبار رواياته.

إذن: فاذا كان السبب في التوقف، أو القدح في العبدي وضعفه هو نسبة الغلو اليه، فلا نرى في هذه النسبة سبباً للقدح في الرجل، بل ولا التوقف فيه، إذ ليس في شعره الغلو، أو الانحراف العقائدي لما ذكر أنـَّه ليس فيه الا فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومدحهم، ومناقشة مخالفيهم، وقد رأينا أنّ القادحين فيه كالكشي، ومن جاء بعده، وتبعوه في هذا الرأي، انما نسبوا الغلو اليه، من خلال ملاحظتهم لشعره، فيكون قدحهم هذا خاصة ناشئاً من الحدس، لا الحس، وما ذكرناه من ملاحظات وأقوال يناقش في هذا الحدس والفهم من شعره، يضاف لذلك ان العلماء، ذكروا بان مجرد رمي الرجل بفساد العقيدة، او ببعض المعتقدات الفاسدة والمنحرفة، لا توجب نفي اعتباره وصدقه في النقل، لذلك يصطلح على حديثه بالموثق، الا ان يكون مطعونا في النقل، وغير مأمون من الوضع والدس والتدليس. قال الشيخ الطوسي في مقدمة كتابه الفهرست: (ان كثيراً من المصنفين واصحاب الفصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة)، ولذلك لا يشترط في اعتبار الرواية ايمان الراوي او عدالته، وانما يشترط وثاقته في النقل وعدم الطعن في نقله، او انه لا يؤمن منه الدس والوضع.

وربما يقال في مناقشة شبهة الغلو ان طبيعة الشعر في ذاته، بما يعتمد عليه من أساليب فنية، وخصائص شعرية، وبلاغية، يختلف عن البحث العلمي، والنثر، وخاصة الذي يستعرض الروايات والاحاديث، أو الذي يتحدث عن فضائل رجل مثلاً، فربما يذكر في الشعر بعض المبالغة، من أجل تحقيق الهدف المنشود منه، من التأثير، والتوفر على القيمة الفنية والخصائص الشعرية، وبذلك ربما يوحي للبعض هذا المعنى المبالغ فيه، وان كان هذا الاحتمال ضعيفاً في شعر العبدي، لما ذكرناه من التزامه المشدد في أكثر شعره بالتعبير المباشر، والابتعاد عن الصور الخيالية، ونظم النصوص والاحاديث الواردة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) .

وإذا تنزلنا عن كل هذه المناقشات، التي تدعم مدح العبدي، واعتباره، وافترضنا صحة ما ذكر في ضعفه، أو التوقف فيه، فاننا نقول: (انظر لما قيل، ولا تنظر لمن قال).

فان ما وصل الينا من شعره ليس فيه غلو، او انحراف، أو أيّة فكرة تستوجب القدح فيه، أو ضعفه، أو التوقف فيه، بل كما ذكره الشيخ الاميني (ليس فيه إلا الاعتقاد الصحيح)، وليس فيه الا فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وعترته الطاهرة(عليهم السلام) ، ومدحهم، ومجابهة خصومهم، ومناقشة مخالفيهم، وغيرها من المجالات، التي يلزم حفظها، ونشرها، لانَّ في ذلك حفظاً لتراث أهل البيت(عليهم السلام) ، ومناقبهم وكراماتهم، ولعله لاجل ما فيه من تراث، يلزم الحفاظ عليه، ونشره، وتعريف الشيعة، وأولادهم، بمناقب أهل البيت(عليهم السلام)ومعتقداتهم، وتعليمهم طريقة الحوار مع مخالفيهم، مما نلاحظه في شعر العبدي. كل ذلك يؤكد صحة حث الشيعة على تعلم شعره، وتعليمه لاولادهم، ولعله السبب أيضاً لذكر علمائنا شعره في كتبهم، والحث على تعلمه.

ومن هنا نرى من الجدير، بل من الضروري، نشر شعر العبدي وامثاله لان فيه نشراً لجانب من تراثنا، ونشراً لفضائل أهل البيت(عليهم السلام) ، ومناقشة لبعض الشبهات التي يوجهها المخالفون لخطهم، وتعليماً للشيعة مثل هذه الفضائل حتى يكونوا على بصيرة من ايمانهم، واكثر انشداداً لائمتهم، ومذهبهم، واكثر قدرة على الحوار مع الخصوم والمخالفين، وحتى يتعرف غير الشيعة أيضاً على فضائل أئمة الشيعة، ومناقبهم وصحة معتقداتهم، ووهن المعتقدات المخالفة لهم، لانَّ أكثر الاحاديث التي نظمها العبدي، وامثاله من شعراء أهل البيت(عليهم السلام) آنذاك، قد رويت عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، وذكرت في كتب أهل السنة وصحاحهم.

ومما يؤسف له أنَّ الشعر الموجود بين أيدينا للعبدي هو قليل جداً، ولكن هذا النزر القليل يعبر عن عقيدته، والتزامه الصحيح، فهو كالسيد الحميري في التزامه بنظم الاحاديث الواردة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومثالب خصومهم، مع الفرق، بأنَّ ما وصل الينا من شعر السيد الحميري كثير، واما ما وصل الينا من شعر العبدي فهو قليل جداً.

وأما ما ذكره القادحون فيه، من ضعف طرق الروايات التي وردت في مدح العبدي، كما ذكر ذلك ابن طاووس، والعلامة، والسيد الخوئي، فانَّ ما ذكرناه من ملاحظات وشواهد يمكن التوصل من خلالها الى الوثوق والاطمئنان باعتباره أو اعتبار شعره ورواياته يجيب عن هذا الاعتراض، وربما اغنتنا عن الاحتياج لطريق على اعتباره كما ذكر.

إضافة الى أنَّ بعض العلماء ذهبوا الى صحة بعض هذه الطرق واعتبارها، ففي بهجة الامال: (وفي منتهى المقال والظاهر عدم الضعف في الحديث الاول، كما يأتي فلاحظ، الا أنـَّه لا يفيد مدحاً معتداً به)[78]. ومراده من الحديث الاول قوله(عليه السلام): (قل شعراً تنوح به النساء)، وهو الحديث الاول في رجال الكشي، وذكر في تنقيح المقال: (واستضعاف طريق الرواية كما ترى)[79]، ولعل مراده من قوله: (كما ترى)، امّا عدم الضعف، أو أنَّ مراده أنـَّه على تقدير ضعف الطريق، يمكن استفادة اعتبار العبدي، أو شعره من قرائن وشواهد ذكرنا بعضها.

وذكر السيد الامين حول ضعف الطريق: (وضعف الطريق لم يصح، كما يظهر من مراجعة أقوال الرجاليين في رجال السند، ولذا عد في محكي الوجيزة والبلغة ممدوحاً)[80].

ويبقى احتمال أخير، هو أنَّ نسبة العلماء الغلو للعبدي، انما تستند الى شعر له، لم تنقله المصادر والكتب، وانما نقلت الشعر الخالي من الغلو.

ولكنَّ هذا الاحتمال قائم على الفرض والتخمين، ولا يملك أساساً علمياً، كما هو الملاحظ في الروايات والاحاديث، فان مصادر وكتب الحديث، كما نقلت الروايات والاحاديث التي لا تتضمن الغلو أو الانحراف، كذلك نقلت الروايات المتضمنة للغلو أو الانحراف، سواء صرّحوا بأنها موضوعة، أو غير معتبرة، أو لم يصرحوا، ثم جاء المتأخرون، فحققوا في هذه الاحاديث والروايات، وميّزوا بين الصحيح والسقيم منها، وأمّا في شعر العبدي، فلم نجد في الشعر الذي نقلته المصادر والكتب، ما يتضمن الغلو أو الانحراف.

إضافة لما ذكرناه من اختلاف آراء القدماء في الغلو، وفي نسبة بعضهم الغلو للبعض الاخر، كل ذلك مما يوهن هذا الاعتراض أيضاً.

واخيراً نقول: إن الهدف من توثيق الرجل، هو الاعتماد على رواياته، والملاحظ في العبدي أنـَّه يحاول نظم الروايات والاحاديث الواردة في فضائل الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) خاصة، والائمة الطاهرين(عليهم السلام) عامة، فيأخذ بعض فضائلهم أو كراماتهم وينظمها في شعره، كما فعل ذلك السيد الحميري، وبذلك يعتبر شعر العبدي، من الاحاديث التي يمكن الاستناد اليها مصدراً في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومناقبهم، وبعض هذه الاحاديث يسندها للرسول(صلى الله عليه وآله).

وربما يتساءل كيف يمكن الاعتماد على مثل هذه الاحاديث التي نظمها العبدي في شعره، بحيث نعتبره من رواة هذه الاحاديث، مع هذه الاراء المتضاربة، والاقوال المختلفة في تقييم الرجل؟.

ولكن الملاحظ أنَّ مثل هذه الاحاديث والروايات الواردة في أهل البيت(عليهم السلام) وفضائلهم، والتي نظمها العبدي في شعره، لم ينفرد العبدي في روايتها، بل إنها رويت بطرق وأسانيد اخرى، عن الشيعة وأهل السنة، وقد اُشير لمصادرها، ونصوصها، وبطرق مختلفة في كتاب مناقب آل أبي طالب، وفي كتاب الغدير.

إذن، فلا نريد الاعتماد على رواياته فحسب، لعدم انفراده بهذه الروايات والاحاديث، بل إنّها شائعة، ومذكورة في مصادر مختلفة، معتبرة عند الشيعة وأهل السنة، وهذا مما يدعم اعتبار العبدي نفسه، وتوثيقه، حيث لا يتبنى معتقدات شاذة، أو مغالية أو منحرفة، ومخالفة للمعتقدات الصحيحة السليمة، كما هو الملاحظ في الغلاة، حيث يتبنون آراءً ومعتقدات شاذة، ومتطرفة، ومخالفة للمعتقدات الصحيحة، وهذا أيضاً مما يوهن نسبة الغلو للعبدي.

إذاً، فاذا كان العبدي ثقة أو ممدوحاً، فان الاحاديث والروايات التي نظمها في شعره، يمكن اعتبارها من جملة الاحاديث والمصادر المعتبرة التي يعتمد عليها، وان لم يكن العبدي معتبراً في روايته، فلا يؤثر ذلك في اعتبار شعره، لعدم انفراده بهذه الاحاديث، لان هذه الاحاديث والفضائل شائعة، مذكورة في مصادر معتبرة عند الشيعة، وأهل السنة.

نظرة في شعر العبدي

وقبل أن نبحث حول تقييم شعره، والخصائص الفنية فيه، ومميزاته وحول ديوانه، يجدر بنا أن نستعرض آراء بعض العلماء في شعره:

آراء العلماء في شعره:

(الملاحظ ان بعض علمائنا قد اثنى على شعر العبدي من الناحية الفنية والبعض الاخر قد بالغ في مدحه، ومن بين اولئك من مارس نظم الشعر أو تذوقه وميّز بين غثّه من سمينه فقد ذكرنا أنَّ ابن شهراشوب...) ممن له خبرته في الشعر الجيد غالباً، قد أكثر من نقل شعر العبدي، وقد ذكرنا رأي السيد الحميري في شعر العبدي، في قصة ملاقاته التي نقلناها عن الاغاني، ونستعرض هنا بعض آراء العلماء في شعره.

قال الشيخ المامقاني: (العبدي شاعر في زمان الصادق(عليه السلام) رأيت له في مجاميع أصحابنا القديمة شعراً كثيراً يشبه شعر السيد الحميري في جمعه فضائل علي(عليه السلام) وأبنائه، لكنه اقوى منه وأمتن، ويزيد عليه ذكر مثالب أعدائهم..)[81].

وما ذكره الشيخ المامقاني حول شعر العبدي ـ اذا قلنا ان ضمير (لكنه) يرجع للعبدي، لا للسيد الحميري ـ وأنـَّه أقوى وأمتن من شعر السيد الحميري، لعله مبالغ فيه، فما عثرنا عليه من شعر العبدي، لا يملك مثل هذا الوصف، فان هناك قصائد للسيد الحميري يتفوق فيها على الكثير من شعراء عصره، وقد أثنى على شعر السيد الحميري الكثير من معاصريه، وغيرهم، ولكن ربما يفهم هذا المعنى من تفوق شعر العبدي على شعر السيد الحميري، من قول السيد الحميري نفسه: (أنا أشعر الناس الا العبدي)، ولعل هناك شعراً للعبدي يظهر فيه تفوقه، والا فان الشعر الواصل الينا، والذي بين أيدينا، لا يستوجب مثل هذا الحكم.

ووصف السيد الامين شعر العبدي: (كل ما عثرنا عليه منها ـ أشعاره ـ هو في مدح أهل البيت(عليهم السلام) ، ومع كونه شاعراً مجيداً، يبعد أن لا يكون له شعر فيما سوى ذلك، لكن الغرض لم يتعلق بنقل سواها)، ثم يذكر قصة ملاقاة السيد الحميري معه ويعلق عليها: (وحسبك بمن يقول فيه السيد ذلك وانتقاده على السيد بما ذكر يدل على شدة معرفته بمواقع الكلام ونقد الشعر ويدل هذا الخبر على أنـَّه كان معروفاً بالعبدي)[82].

ويصف الشيخ الاميني شعره: (إنَّ الواقف على شعر شاعرنا ـ العبدي ـ وما فيه من الجودة والجزالة والسهولة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة يشهد بنبوغه في الشعر، وتضلعه في فنونه، ويعترف له بالتقدم والبروز، ويرى ثناء الحميري سيد الشعراء عليه بأنه (أشعر الناس) من اهله في محله)[83].

ويقول الشيخ الاميني في موضع آخر: (والمتأمل في شعره يرى موقفه العظيم في مقدمي رجال الحديث، ومكثري حملته، ويجده في الرعيل الاول من جامعي شتاته، وناظمي شوارده، ورواة نوادره، وناشري طرفه، ويشهد له بكثرة الدراية والرواية، ويشاهد همته العالية، وولعه الشديد في بث الاخبار المأثورة في آل بيت العصمة صلوات الله عليهم، وستقف على ذلك كله في ذكر نماذج شعره)[84].

وقال السيد محمد تقي الحكيم في كتاب شاعر العقيدة، حول علاقة السيد الحميري بالعبدي: (وعلاقاته ـ أي السيد الحميري ـ بالكوفة فيما يظهر لم تقتصر على المحدثين، وذوي السلطان، وإنَّما تجاوزتهم الى الامتزاج بشتى الطبقات، وبخاصة بالشعراء الذين يحملون فكرته في الدفاع عن أهل البيت(عليهم السلام) واستقصاء مآثرهم الطيبة، وقد حدّثنا التاريخ عن علاقاته مع شاعرين علويين إماميين، اشتهرا بالولاء للامام الصادق(عليه السلام) ، وهما سفيان بن مصعب العبدي، وجعفر بن عفان الطائي الملقب بالمكفوف، وقد اعتز بالاول منهما، واعتمد على ذوقه الشعري وأكبره، فكان لا يهمه أن يقرأ عليه ما يجد عنده من شعر ويأخذ رأيه فيه، وربما اعتمد على بعض ملاحظاته الفنية مع اعتزازه بنفسه، ومن ذلك ما حدّثوا أنـّه سمع لعمران بن حطان شاعر الخوارج بيتاً..) ثم نقل تصحيح العبدي لشعره، وقد ذكرناها سابقاً، وعلَّق عليها: (وقد أعجبته الملاحظة فأخذ بها وظل يقول بعد ذلك: أنا اشعر الناس الا العبدي. وهذا الاعتراف منه مع اعتزازه بشاعريته، لم يكن مبعثه هذا التعديل فيما أرى، وإنما سبقته للشاعر مكانة في نفسه تصحح معها هذا الاعتراف)[85].

مميزات شعر العبدي:

نستعرض هنا بعض مميزات شعره، بحسب فهمنا، وبحسب ما ذكره مترجموه وناقدو شعره:

1 ـ إنَّ شعره يتضمن النصوص والاحاديث والايات الشريفة الواردة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومثالب خصومهم، ومناقشة مخالفيهم، فانه يحاول نظم الروايات والاحاديث، وخاصة الاحاديث المرويّة عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، والتي يعترف بها أهل السنة أيضاً، حيث ذكروها في كتبهم وصحاحهم.

2 ـ إنَّه خصص شعره للنظم في أهل البيت(عليهم السلام) فحسب، ولم ينظم في سائر المجالات والاغراض الشعرية الاخرى بحسب ما عثرنا عليه من شعره، وأشار لهذه الملاحظة مترجموه.

3 ـ الملاحظ في شعره أنـَّه كثيراً ما يستعمل التعبير المباشر عن النصوص الواردة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ، ونظمها بالشعر، ولا يستعمل غالباً الصور الشعرية الخياليّة، والمطالع الغزلية، التي يستعملها الشعراء غالباً، ولكنّه بالرغم من استخدامه التعبير المباشر، وتجنب الخيال، لم يفقد شعره اللغة والروح الشعرية التي تميزه عن الاسلوب النثري، حيث يستخدم بعض الاساليب الشعريّة والبلاغيّة، والملاحظ أنَّ شعره هو شعر احتجاج وبرهنة، والتزام مشدد بنظم الروايات، لذلك ربما فقد بعض الخصائص الشعرية المذكورة.

4 ـ من خلال شعره يتبيّن أنـّه كان سريع البديهة، لذلك نظم بعض شعره على البديهة لمناسبة ما، كما لو سمع فضيلة أو حديثاً من الامام(عليه السلام) في أهل البيت(عليهم السلام)فنظم شعراً على الفور، ولعل الصفة العامة لشعره أنـَّه من السهل الصادر عن عاطفة جيّاشة، وعقيدة ثابتة، وولاء شديد لاهل البيت(عليهم السلام) ، ولذلك كان له تاثيره في النفوس، ولعله السبب في الحث على حفظ شعره وتعلمه.

5 ـ يمتاز شعره بالقصر وعدم طول القصائد غالباً بحسب ما عثرنا عليه، ولعل هذا الشعر كان ضمن قصائد طويلة لم تصل الينا، وبذلك يفترق عن شعر ابن حماد الذي يتميز بالقصائد الطوال، اضافة الى ان ابن حماد غالبا ما يذكر اسمه في قصائده، واما سفيان العبدي، فليس من المتعارف ذكر اسمه أو لقبه في شعره، وربما دل على أن قصائد العبدي كانت طويلة عدم الترابط بين أبيات بعض قصائده، مما يدل على سقوط وحذف بعض الابيات منها، كما في قصيدته التي يشير في آخرها لثواب زيارة الامام الحسين(عليه السلام)، وسنشير لذلك في خلال شعره. وقد اشرنا للفوارق بين شعره وشعر ابن حماد في فصل سابق فليلاحظ.

6 ـ الملاحظ أنـّه يستعمل الاوزان الخفيفة، والمجزوءة، وكذلك يستعمل بعض الاساليب الفنية كاسلوب السؤال والجواب والاستفهام، وربما استخدم هذا الاسلوب اتباعاً للاحاديث التي ذكر في متنها هذا السؤال والجواب، وكذلك الملاحظ أنـَّه يستعمل في شعره الالفاظ المأنوسة الاستعمال، الواضحة المعنى، والخفيفة على اللسان والسمع، ويتجنب استخدام الالفاظ الغريبة الاستعمال، الغامضة المعنى، والثقيلة على السمع، والصعبة على اللسان، وربما يستهدف بهذه السهولة في الالفاظ، بيان كونه شاعراً ملتزماً رسالياً لم ينظم الشعر للترف والفن فحسب، وإنما نظمه لاجل الوصول لاهدافه المنشودة، من نشر مبادئ أهل البيت(عليهم السلام) وفضائلهم، وربما ضحى أحيانا ببعض الاساليب الفنية، من أجل الحفاظ على هذا الهدف، وقد أشار لذلك السيد الحميري، الشاعر الرسالي الذي يشابه شعره شعر العبدي في بعض هذه المميزات: (وقيل له ـ السيد الحميري ـ لم لا تقول فيه شعراً غريباً؟ فقال: اقول ما يفهمه الصغير والكبير ولا يحتاج الى التفسير ثم انشأ:

ايا رب اني لم ارد بالذي به *** مدحت علياً غير وجهك فارحم)[86]

وكذلك العبدي مع قدرته على اللغة، وإحاطته بالاستعمالات الادبية، ومن هنا ولاجل هذه الخصائص في شعره، فان شعره يمكن قراءته والاستشهاد به في مختلف الازمنة.

ولم نجد في ما عثرنا عليه من شعره، ما يبدأ به الشعراء السابقون من مطالع غزلية، أو غير غزلية من الاغراض الاُخرى، وقد ذكرنا هذه الملاحظة سابقاً، وذكرنا أنَّ له قصيدة عينية بدأها كما يبدأ الشعراء قصائدهم، ولكن لم يذكر من هذه القصيدة غير مطلعها، وأبيات ثلاثة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ولكن يبدو منها أنها قصيدة طويلة، لم يذكر لنا منها الاّ هذه الابيات الاربعة، وكذلك ما ذكر له مترجموه من قصيدة، لم يذكروا منها الاّ شطراً واحداً وهي (فرو جودي بدمعك المسكوب) ويبدو منها ومن قصتها انها قصيدة طويلة، وهذا ما أدّى الى أن نحتمل وجود قصائد اُخرى للعبدي، أو كانت هذه الابيات الشعرية القصيرة التي نقلها مترجموه ضمن قصائد ربما كانت طويلة، ولكن لم ينقل المترجمون إلاّ هذه الابيات الشعرية الواردة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) لتعلق الغرض بها، كما ذكره السيد الامين، إضافة الى أنَّ المتعارف عند أكثر الشعراء آنذاك، حتى الرساليين منهم، أنـَّهم يبدأون قصائدهم بأغراض اُخرى، أو يستخدمون الاساليب الفنية المذكورة، من الصور الخيالية وغيرها، وحسب هذا الاحتمال، فربما كان الكثير من هذه الخصائص، متوفراً في شعره، من طول القصيدة، والابتداء بأغراض اُخرى، والصور الخيالية، والكلمات الصعبة وغيرها، وخاصة أننا نعلم من خلال شعره، ومدح السيد الحميري له، وثناء مترجميه، أنـّه يملك الوسائل الشعرية، والقدرة الادبية على نظم الشعر بهذه الخصائص.

ولكن يبقى هذا مجرد احتمال، لا يملك مصدراً يبرره، ويعتمد عليه.

7 ـ يُلاحظ أحياناً أنه يذكر مشاعره وحبه وولاءه لاهل البيت(عليهم السلام)أمثال:

لا زلـت فـي حبكـم اُوالـي***عمري وفي بغضكم اُعادي

ومـا تـزودت غـير حـبي *** إيـّاكـم وهـو خـير زاد

وذاك ذخـري الـذي علـيه *** في عرصة المحشر اعتمادي

وكما في قصيدته الميمية في رثاء الامام الحسين(عليه السلام) ، ومع أنـَّه يذكر مشاعره في مدحه ورثائه، ولكن مثل هذه المشاعر الخالصة تدل عليها نصوص وروايات، فهو حتى في مشاعره أيضاً يتبع النصوص والروايات.

واخيراً، يجدر بنا ان نقول الحق في تقييم شعر العبدي، ولا نبالغ فيه، فانه يمكن القول إن شعر العبدي لا يرتفع لمستوى القمم الشعرية في عالم الشعر العربي، فان ما رأيناه من شعره ـ والحق يقال ـ لا يملك تلك المقومات والعناصر التي يتوفر عليها شعر القمم الشعرية، ولعل العبدي كان يملك المؤهلات والقدرات، التي ترفع من مستوى شعره. لهذا المستوى كما يظهر من كلام السيد الحميري في حقه، ولكن التزامه المشدَّد بالتعبير المباشر، ونظم النصوص والروايات، ونشر فضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومبادئهم، أدّى به الى التضحية بالكثير من الاساليب الفنية والشعرية في هذا السبيل، فنحن لا نبالغ في شعره الى الدرجة التي ترفعه على سائر الشعراء، كما ذهب اليه البعض، بل نقول انَّ شعره من الشعر الجيد، ولعل المجال الذي نظم فيه، والاسلوب الذي انتهجه، وغير ذينك من الاسباب، أدَّت الى عدم ارتفاع شعره الى مستوى الشعراء الكبار.

والملاحظ أنـّه قد خصص شعره في أهل البيت(عليهم السلام) ، وان احتمل السيد الامين نظمه في غير هذا المجال، وقد ذكرنا هذه الملاحظة سابقاً، وخاصة أنـّه يملك الثروة الادبية والموهبة الشعرية، التي تمكنه من النظم في غير هذا المجال، فيمكن القول إنه نظم في مجالات اُخرى، ولكن ضاع شعره هذا، لاسباب ذكرنا بعضها في فصل سابق.

ويحتمل أنَّ ما نظمه العبدي من شعر كان قليلاً، لا يتجاوز ما وصل الينا الاّ بقليل، ولعل قلة شعره هو الذي قصده ابن شهراشوب، حيث اعتبر العبدي في كتابه معالم العلماء من (الشعراء المقتصدين)، فهو من الشعراء المقلّين، وقد خصص شعره في أهل البيت(عليهم السلام) فحسب، لذلك لم يصل الينا منه الاّ هذا الشعر القليل.)