27 شوال 1430 - 17/10/2009
وُلِد إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري سنة ( 105 هـ ) بعُمان ، ونشأ في حضانة والديه الإباضيَّين المعاديين لآل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى أن عقل وشعر فهجرهما .
فذهب إلى البصرة واتصل بالأمير عقبة بن سَلم ، وتزلَّف لديه حتى مات والداهُ ، فورثهما ثم غادر البصرة ثم إلى الكوفة ، وأخذ فيها الحديث عن الأعمش ، وعاش متردِّداً بينهما .
منزلته : لم تفتأ الشيعة تبجِّل كل مُتهالك في ولاء أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتقدِّر له مكانة عظيمة ، وتُكْبر منه ما أكبره الله سبحانه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) من منصَّة العظمة .
أضف إلى ذلك تقدير الأئمة ( عليهم السلام ) لسعيه المشكور في الإشادة بذكرهم والذبِّ عنهم ، والبثُّ لفضائلهم ، وتظاهره بموالاتهم ، وإكثاره من مدائحهم .
فإن ما كان يصدر منه من تلكم المظاهر لم تكن إلا تزلُّفاً منه إلى المولى سبحانه ، وأداءً لأجر الرسالة ، وصلةً للصادع بها ( صلى الله عليه وآله ) .
ولقد كاشف في ذلك كله أبويه الناصبيَّين الخارجيَّين ، فكان معجزة وقته في التلفُّع بهذه المآثر كلها ، والتظاهر بهذا المظهر الطاهر ، ومنبته ذلك المنبت الخبيث ، فما كان الشيعي يوم ذاك يجد من واجبه الديني إلا إكباره وخفض الجناح عند عظمته .
قال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد : السيد الحميري وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له وسادة بمسجد الكوفة .
وليس ذلك ببدعٍ من الشيعة بعد ما أزلفه الإمام الصادق ( عليه السلام ) وأراه من دلائل الإمامة ما أبقى له مكرمة خالدة حفظها له التاريخ .
ومن هذه الدلائل حديث انقلاب الخمر لبناً ، وإطلاق لسانه في مرضه وغيرها ، واستفاض الحديث بترحمه ( عليه السلام ) عليه والدعاء له والشكر لمساعيه .
وبلغهم قوله ( عليه السلام ) لعُذاله فيه : لو زَلَّت له قدمٌ فقد ثبتت الأخرى ، كما أنه (عليه السلام ) كان قد أخبره بالجنة .
وكان الحميري منذ صغره يُلقَّب بالسيد ، حتى قال له الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (سمَّتك أمَّك سيِّداً ، وُفِّقتَ في ذلك ، وأنت سيد الشعراء ) .
شعره :كان السيد بعيد المَنْزَعة ، ولعاً بإعادة السهم إلى النزعَة ، وقد أشفَّ وفاق كثيرين من الشعراء بالجدِّ والاجتهاد في الدعاية إلى مبدئه القويم ، والإكثار في مدح العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) .
وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع ، وإحياء ميِّت القلوب ببثِّ فضائل آل البيت ( عليهم السلام ) ، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوئ أعدائهم .
وكان كما قال أبو الفرج : لا يخلو شعره من مدح بني هاشم ، أو ذمِّ غيرهم ممَّن هو عنده ضدٌّ لهم .
وروى عن الموصلي عن عمِّه قال : جمعت للسيد في بني هاشم ألفين وثلاثمائة قصيدة ، فخِلتُ أن قد استوعبتُ شعره ، حتى جلس إليَّ يوماً رجلٌ ذو أطمار رثَّة ، فسمعني أنشد شيئاً من شعره ، فأنشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي .
فقلت في نفسي : لو كان هذا يعلم ما عندي كلَّه ثمَّ أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجباً فكيف وهو لا يعلم ؟! ، وإنما أنشد ما حضره .
وعرفتُ حينئذ أنَّ شعره ليس ممَّا يُدرك ، ولا يمكن جمعه كلُّه .
وقال ابن المعتز في طبقاته : كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث ، والأخبار ، والمناقب في الشعر ، لم يترك لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فضيلةً معروفةً إلا نقلها إلى الشعر .
وكان يُملُّه الحضور في مُحتَشَدٍ لا يُذكر فيه آل محمد ( عليهم السلام ) ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم ، وقبل هذه كلها حسبُهُ ثناءً عليه قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أنت سيد الشعراء ) ، فينمُّ عن مكانته الرفيعة في الأدب ، يقصُرُ الوصف عن استكناهها ، ولا يُدرك البيانُ مداها .
فكان يُعدُّ من شعرائه ( عليه السلام ) وشعراء ولده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
وفاته : توفّي السيد الحميري ( رحمه الله ) عام 173 هـ بالعاصمة بغداد ، ودُفن في جنينة من نواحي الكرخ .
أبو هاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري الملقب بالسيد. ولد الشاعر عام105هـ وتوفي سنة173هـ.
إلى أهل بيت اذهب الرجس عنهم
إلى أهل بيت اذهب الرجس عنهم *** وصفوا من الأدناس طرا وطيبوا
إلى أهل بيت ما لمن كان مؤمنا ***من الناس عنهم في الولاية مذهب
وكم من خصيم لامني في هواهم*** وعاذلة هبت بليل تؤنب
تقول ولم تقصد وتعتب ضلة*** وآفة أخلاق النساء التعتب
تركت امتداح المفضلين ذوي الندى*** ومن في ابتغاء الخير يسعى ويرغب
وفارقت جيرانا وأهل مودة ***ومن أنت منهم حين تدعى وتنسب
فأنت غريب فيهم متباعد ***كأنك مما يتقونك أجرب
تعيبهم في دينهم وهم بما*** تدين به أزرى عليك وأعيب
فقلت دعيني لن أحبر مدحة ***لغيرهم ما حج لله أركب
أتنهينني عن حب آل محمد*** وحبهم مما به أتقرب
وحبهم مثل الصلاة وإنه ***على الناس من بعض الصلاة لأوجب
وإن عليا قال في الصيد قبل أن
وإن عليا قال في الصيد قبل أن*** ينزل في التنزيل ما كان أوجبا
قضى فيه قبل الوحي خير قضية ***فأنزلها الرحمن حقا مرتبا
على قاتل الصيد الحرام كمثله*** من النعم المفروض كان معقبا
إلى البيت بيت الله معتمدا*** إذا تعمده كيلا يعود فيعطبا
وسلم جبريل وميكال ليلة ***عليه وإسرافيل حياه معربا
أحاطوا به في روعة جاء يستقي*** وكل على ألف بها قد تحزبا
ثلاثة آلاف ملائك سلموا ***عليه فأدناهم وحيا ورحبا
واعتق الفا ثم من صلب ماله ***أراد بهم وجه الإله وسيبا
وليلة قاما يمشيان بظلمة ***يجوبان جلبابا من الليل غيهبا
إلى صنم كانت خزاعة كلها*** توقره كي يكسراه ويهربا
فقال اعل ظهري يا علي وحطه*** فقام به خير الأنام مركبا
يغادره قضا جذاذا وقال ثب*** جزاك به ربي جزاء مؤربا
يــــا بــــايــع الدين بــــدنــــياه * لــــيــــس بهـــــذا أمــــــــر الله
من أين أبغضت علي الوصي؟ * وأحــــمد قــــد كــــان يرضـــاه
مــــن الــــذي أحــمد في بينهم * يــــوم " غـــدير الخم " ناداه ؟
أقــــامه مــــن بــــين أصحابه * وهــــم حــــواليــــه فــــسمـــاه
: هــــذا علـــــي بن أبي طالب * مــــولى لمــــن قــد كنت مولاه
فــــوال مــــن والاه يـا ذا العلا * وعــــاد مــــن قــــد كان عاداه
هذه القصيدة ذات 112 بيتا تسمى بالمذهبة شرحها سيد الطائفة الشريف المرتضى علم الهدى وطبع بمصر 1313 وقال في شرح قوله :
وانصب أبا حسن لقومك إنه * هــاد وما بلغت إن لم تنصب
هذا اللفظ يعني (النصب) لا يليق إلا بالإمامة والخلافة دون المحبة والنصرة، وقوله : جعل الولاية بعده لمهذب .
صريح في الإمامة لأن الإمامة هي التي جعلت له بعده والمحبة والنصرة حاصلتان في الحال وغير مختصين بعد الوفاة .
وشرحها أيضا الحافظ النسابة الأشرف بن الأغر المعروف بتاج العلى الحسيني المتوفى 610 .