b4b3b2b1
الله واحد | قول الثنوية | لزوم التعريف | فساد العالم | الله الصانع | النظام الموحد | في معنى العقيدة | العالِم |

العالِم

 

25 ذي الحجة 1428 - 05/01/2008

الله يعلم كل شيء حتى عدد حبات الرمال وقطرات مياه البحار وما تخفي الصدور وهو تعالى محيط بالماضي والحال والمستقبل فيعلم ما حدث وما هو كائن ويعلم ما سيكون لا يعتريه لسان ولا يسهو عن شيء لا فرق في علمه بين الجلي الواضح والغامض الخفي.

وليس علمه مسبوقاً بالجهل ولا ملحوقاً بالنسيان فهو عالم بكل شيء منذ كان ولا يزال عالماً إلى الأبد.

يعلم كل لفظ وحركة شفاه ووجيب قلب واختلاج جارحة واستماع مسموع وتذوق طعم ولمس ملموس ونظر عين.

ويدل على علمه انه صنع الأشياء المتقنة وأبدع المخلوقات الجميلة مما لا يتم إلا بعلم ولا يمكن أن يصنع إلا بدرايته.

إن باني الدار الجميلة لا يكون إلا مهندساً عليماً بالبناء وصانع الماكنة المحكمة لا يكون إلا عالماً بالفصل والتركيب ومركب أجزاء الدواء لا يكون إلا صيدلياً خبيراً.

فكيف يمكن أن يكون صانع الإنسان بهذا الإتقان المدهش والحيوان بهذه الكيفية المحيرة وسائر المصنوعات بهذه الهيئات العجيبة جاهلاً.

كلا! لا يكون ذلك.

يقول القرآن الكريم ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمســــة إلا هو سادسهم ولا أدنــــى من ذلـــك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم.

وقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

وقال سبحانه وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار.

وقال عزوجل وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.

وقال تعالى الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام يعلم بعجيج الوحوش في الفلوات ومعاصي العباد في الخلوات واختلاف النيات الحيتان في البحار الغامرات وتلاطم الماء بالرياح العاصفات.

وقال أبو حازم للإمام الصادق عليه السلام أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله تعالى.

فقال عليه السلام بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض.

وقال الإمام الرضا عليه السلام… لم يزل الله عزوجل علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها فتبارك ربنا وتعالى علواً كبيراً خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربنا عليماً سميعاً بصيراً.

السميع البصير

لا يتجاذب الناس أطراف حديث إلا ويسمع الله تعالى كلام كل واحد منهما قبل أن يسمعه الآخر ولا يلفظ أحد لفظاً إلا ويسمعه الله ولو كان اللافظ وحده في أعماق الأرض أو أجواء السماء.

ولا يحف شجر ولا يغرد طير ولا يصر باب ولا يضرب طبل ولا يفرقع رعد إلا والله سبحانه يسمع وإن لم يسمعه أحد.

بل وإن كان الصوت من الضعف بحيث لا يتمكن أحد سماعه.

والله يبصر كل دقيق وجليل وقبيح وجميل وكل حركة وسكون يبصر ما في الظلمات. كما يبصر ما في النور ويبصر ما في الغيب كما يبصر ما في الشهادة.

فهو بصير بكل مبصر وناظر إلى كل منظور.

يسع سمعه الأصوات.

ويشمل بصره كل مبصر.

يقول القرآن الحكيم أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون.

وقال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير.

وقال سبحانه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً.

وقال عزوجل له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا.

وقال تعالى وأعلموا أن الله بما تعملون بصير.

وقال الإمام الرضا عليه السلام لم يزل الله عز وجل عالماً قادراً حياً قديماً سميعاً بصيراً بذاته.

وهناك فرق بين كون الله سميعاً بصيراً وبين كون الإنسان والحيوان كذلك.

إن الله سميع ولكن لا بأذن وجارحة وبصير ولكن لا بعين ومقلة فهو يسمع الأشياء بذاته ويبصر الأشياء بذاته.

انه لو كان يسمع بإذن كآذاننا أو يبصر بعين كعيوننا لكان محتاجاً إلى ذينك. العضوين والله ليس بمحتاج.

ولكان مركباً من أجزاء والله ليس بمركب.

بل هو بسيط لا جزء له.

قال أبان للإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بصيراً عليماً قادراً

قال عليه السلام نعم.

فقلت له إن رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع وبصيراً ببصر وعليماً بعلم وقادراً بقدرة؟

قال فغضب عليه السلام ثم قال من قال ذلك ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شيء إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة.

وقال عليه السلام هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه.

القادر

هل رأيت الشمس صباحاً من مشرقها ثم تغرب مساءً في مغربها؟

هل رأيت النبات ينمو رويداً رويداً حتى يثمر ويزهر ويخضر ثم يصفر؟

هل رأيت الأمواج تتلاطم وتمور وتسير وتدور؟

هل رأيت الحيوان ينعقد نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً وعظماً ثم يولد ذا عين؟ بصير وأذن سميع ولسان ناطق وقلب خافق وقامة معتدلة وصفات مؤتلفة ومختلفة

هل رأيت الإنسان بأصنافه والمعادن بأقسامه والأنهار الجارية والأسماك السابحة والنجوم الزاهرة والسحاب المثار والبرق اللامع والرعد القاصف؟

هل رأيت الطائرة تطير والقاطرة تسير والباخرة تمخر والسيارة تنهب الأرض وتطوي الأبعاد؟

كل ذلك بقدرة الله إن القدرة تضم بين جوانحها كل ما في الكون وتلف في ثناياها كل موجود.

بل تسع غير الموجود فالله قادر على أن يخلق ويخلق ويصنع ويصنع فلا تحتكر الموجودات قدرته ولا تضيق المخلوقات سعته.

إن سيارة صغيرة تدل على قدرة صانعها وباخرة ضئيلة تدل على أن مخترعها قدير فكيف لا يدل هذا الوجود الرحب والكون الفسيح على قدرة خالقه العظيم!

ويلمح القرآن الحكيم إلى قدرة الله تعالى:

قال سبحانه قال إعلم إن الله على كل شيء قدير.

وقال تعالى وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً.

وقال عزوجل وكان الله على كل شيء مقتدراً.

وقال تعالى إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً.

وقال الإمام الصادق عليه السلام من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن أنكر قدرته فهو كافر.

وقــال أبو جعفـــر البــاقـــر عليه السلام إن الله عزوجل لا يوصــف بعجز وكيف يوصف وقد قال في كتابه وما قدروا الله حق قدره.

فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم من ذلك.

والقدرة كما نرى المقدورات واسعة المجال تشمل الميكروب الصغير الذي تجمع ستة ملايين منه قطرة ماء كما يقوله العلم الحديث كما تشمل الشمس المشرقة التي هي أضعاف أضعاف الأرض.

فحدها لا يقف ونطاقها لا يضيق وإمكانياتها غير محدودة.

وليس معنى ذلك أن تخرج القدرة على منطقها المعقول حتى يقول قائل إن اجتماع الوجود والعدم في آن واحد غير مقدور.

ما أبدع جواب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين قال له قائل.

هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟

فقال عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون.

فإن المحال غير قابل كما أن الإناء الصغير غير قابل لأن تأخذ أكثر من فضائه.

الحكيم

الحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها فلا يعمل على خلاف المصلحة.

والله سبحانه يعمل بالحكمة فلا يرتجل العمل بدون صلاح ولا يخلق بدون إتقان ولا يفعل بدون مراعاة الجهات.

الحكمة هي كنطاق لسائر الصفات فالقدرة لولا الحكمة أكثر في الخلق والعقاب لولاها أكثر في النزع والرزق لولاها أكثر في الهطول والتراب لولاها توسع على غير مدى.

لكن الحكمة هي المحددة لمقادير الصفات وموازين الخلق والرزق.

ومن الحكمة جعل الأشياء رهين الأسباب فالشجر لا ينمو في عشية أو ضحاها ويبلغ حد الكمال والنطفة لا تتكون في الهواء والولد لا يكون عالماً سوياً في ساعات فكل يجري حسب الميزان وإلا فالقدرة عامة تتمكن من الإبداع الآني.

إنا وإن لم نعرف كثيراً من الحِكَم وربما اعترانا الشك في شيء من الكون لكن إلقاء نظرة ثاقبة في بعض الخلق كاف للإذعان بالحكمة.

ولهذا يجب أن نعترف بالصلاح في كل شيء وإن لم ندرك وجه المصلحة وجهلنا الحكمة المخصصة.

إن من ينظر إلى الطائرة فيرى معظم أجهزتها وكثيراً من أدواتها وآلاتها ركّبت تركيب علم وصلاح ثم لم يعرف وجه الحكمة في شيء من التركيب يجدر به أن يضع النقص على إدراكه لا على الطائرة.

ويشير القرآن الكريم إلى كونه تعالى حكيماً قال تعالى كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

وقال سبحانه وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم.

وقال عزوجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ويشير إلى كونه في أعماله حكيماً.

بقوله سبحانه ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم.

وقوله تعالى يس والقرآن الحكيم.

وقد استعرض الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المشهور بتوحيد المفضل طرفاً من آثار الحكمة وهي طويلة ممتعة نذكر منها مقتطفاً.

قال عليه السلام نبتدأ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذائه ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذائه حتى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوى أديمه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد، وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلباً للرضاع فهو يجد ثدي أمه كالأدواتين المعلقتين لحاجته إليه فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن دقيق الأمعاء لين الأعضاء. حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوي بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام.

المريد

إن الإرادة تقابلها الإلجاء.

فالنار تحرق لكن الحرق ليس بإرادتها.

والإنسان يمشي ومشيه بإرادته.

إن الله عز وجل يفعل الأشياء عن إرادة فهو يريد خلق الإنسان فيخلق ويريد شفاء شخص فيشفي ويريد نمو النبات فينمو.

فيصوغ الكائنات في قوالبها التي يريدها وفي الوقت الذي يريده وفي المكان الذي يريده لا ينازعه في ذلك منازع ولا يلجئه إلى ذلك ملجئ.

وقد كان من حقه تعالى أن يجعل الذكر أنثى أو يجعل الصحيح مريضاً.

ومن حقه أن يخلق الذي خلقه في هذا الزمان في زمان غابر أو زمان مستقبل.

ومن حقه أن يكون المخلوق الذي كوّنه هنا هناك.

فجعل المخلوق في قالب دون قالب.

وخلقه في مكان دون آخر.

وتكوينه في زمان دون زمان دليل على إرادته الشاملة التي تفيض على الأشياء فيصوغها في صيغها التي يشاء ويلبسها لباسها الذي يريد.

وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة:

قال تعالى إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً.

وقال سبحانه ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.

وقال عزوجل إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون.

وقال تعالـــى قل من ذا الــذي يعصمكم من الله إن أراد بـــكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً.

وقال الإمام الصادق عليه السلام خلق الأشياء بالمشية.

وقال له عليه السلام رجل لم يزل الله تعالى مريداً فقال عليه السلام إن المريد لا يكون إلا المراد معه لم يزل عالماً قادراً ثم أراد.

والله كما يريد الخلق فيخلق والصنع فيصنع.

كذلك يريد العمل الحسن من عباده ويكره العمل السيئ منهم.

يقول القرآن الحكيم يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

وقال تعالى كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً.

وقال الإمام الرضا عليه السلام فإرادة الله تعالى ومشيئته فيها أي في الطاعات الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها.

قال السائل فللّه عزوجل فيها قضاء؟

قال عليه السلام نعم ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء.

قال السائل ما معنى هذا القضاء؟

قال عليه السلام الحكم عليهم بما يستحقون من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.

الخالق

الله خالق كل شيء فما من صغير في منتهى الصغر ولا كبير في غاية الكبر إلا وخالقه الله ليس له مشارك في خلقه ولا ظهير في تكوينه.

هو خلق الشمس والقمر وهو خلق النبات والحيوان وهو خلق الأرض والسماء والإنسان في كثير مما يفعله إنما هو معد لا غير فالإنسان إنما يباشر زوجه فقط أما جريان الماء من الصلب والترائب إلى الرحم.

أما استقراره في مكان مكين أما نموه وصيرورته عظاماً وغضاريف وأوردة وشرايين وسمعاً وبصراً ولساناً وشفة، أما دخول الروح فيه، أما تجهيزه بالصفات والأحوال فكلها من الله.

والزارع إنما يحرث الأرض ويدفن البذر ويتعهد سقي الماء أما نمو النبات إلى أن يخرج من الأرض.

أما اخضرار أوراقه، أما إخراج الثمار، أما نضوجها فكلها من الله

وهكذا نقول في كل ما نرى في الكون من كبير وصغير ونام وجماد وسائل وجامد وحي وميت.

يقول القرآن الحكيم الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءاً وأنزل من السماء. ماءاً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا الله أنداداً وأنتم تعلمون.

وقال سبحانه خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون… ويخلق ما لا تعلمون.

وقال تعالى خلق السماوات والأرض بالحق.

وقال عزوجل أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً.

وقال سبحانه والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً.

وقال تعالى ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون.

وقال سبحانه سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون.

وربما يدور في خلد بعض الناس إن الله ليس بخالق لمثل البق الذي يتكون في المستنقعات! لكن هذا زعم بعيد.

إن الله جعل لكل شيئاً سبباً فكما جعل سبب تكون الإنسان زوجاً وزوجةً وسبب تكون النبات أرضاً وماءاً بذوراً وضياءاً، كذلك جعل سبب تكون البعوض المستنقعات وسبب تكون الجراثيم القاذورات والنفايات.

دخل ابن أبي العوجاء على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال أليس تزعم أن الله خالق كل شيء.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: بلى.

فقال له: أنا أخلق.

فقال عليه السلام: كيف تخلق.

قال: أحدث في الموضع ثم البث عنه فيصير دواباً فأكون أنا الذي خلقتها

فقال أبو عبد الله عليه السلام: أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه

قال له: بلى.

قال عليه السلام فتعرف الذكر منها من الأنثى! وتعرف كم عمرها.

إن منتهى ما في اختيار الإنسان أن يحدث السبب كأن يصب الماء في مكان قذر أما انه يخلق شيئاً فلا يمكن.

هل للطبيعة صفة الخالقية

ما هي الطبيعة حتى نزعمها خالقاً؟

إن الإنسان كامل جداً له عين وأذن ولسان ولمس وشم وفكر وتجارب وأدوات والطبيعة ناقصة جداً لا شيء لها، ثم ما هي الطبيعة هل هي الأرض أم الشمس أم الضوء أم الدفء أم الهواء أم بمجموعها أم النظام السائد فيها.

إن الأرض البكماء العمياء الصماء وكذلك الشمس و و التي هي مثل الأرض في العجز والجهل و و هل تتمكن من خلق الروح والجمال والحب، أما النظام السائد فيها فمن جعل ذلك النظام.

إنها أسئلة تستحق شيئا من التفكير.

إن من ينظر إلى الكون ثم يزعم انه من صنع الطبيعة ثم يفسر الطبيعة بأنها هي الكون إن هذا الشخص كمن ينظر إلى بناء جميل ثم يزعم انه صنع نفسه

هل هذا منطق المفكر؟ كلا

إن للكون إلهاً عالماً حكيماً قادراً مريداً صنعه وأجرى فيه النظام.

العلماء اشد الناس ايماناً

أما العلماء المكتشفون، فمن الجدير أن يكونوا أشد الناس إيماناً بالله إن فضل المكتشف انه كشف عن حقيقة كانت ولكن كانت مجهولة وإنما كشفها هذا العالم أما الحقيقة فهي تنادي بأن لها خالقا وجاعلا ثم جعل مفتاحها دماغ هذا المفكر وإلا فمن جعل الهواء بحيث تقل الطائرة ومن جعل البخار قويا بحيث يحرك الباخرة والقاطرة ومن جعل للرادار عيناً ومن جعل الأثير يحمل الأصوات.

الغنيّ

أرأيت الأغنياء لا يملكون من الكون إلا دراهم معدودة ومع ذلك يسميهم الناس أغنياء

إنه إطلاق مجازي إذ هذا الغني لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا موتاً ولا صحةً ولا مرضاً ولا شيباً ولا شباباً ولا نقصاً ولا كمالاً، منتهى الأمر إن صديقه الفقير لا يملك مثل دراهمه.

إن الله غني بما لهذه اللفظة من معنى.

غني في وجوده فلا يحتاج إلى خالق يخلقه.

غني في ملكه فلا يحتاج إلى أحد يملكه.

غني في علمه فلا يحتاج إلى معلم.

غني في خلقه فلا يحتاج إلى مشير أو ظهير.

غني في ذاته فلا يحتاج إلى آلة أو تجربة.

غني في أحواله فلا يحتاج إلى خزينة أو درهم أو دينار.

إن غنى الله ليس لأنه يملك معادن الأرض النفيسة ولا لأنه يملك عدداً كثيراً من. الجن والإنس والملك ولا لأنه يملك الفضاء الشاسع والأنهار والأراضي ولا لأنه يملك خزائن المخلوقات من ماء وهواء وضياء وتراب التي بها تثمر الأشجار وتنمو النباتات وتخلق الحيوانات، بل لأن له القدرة العظيمة التي بها يخلق ما يخلق وإن أفنى جميع الكون بحيث رجع لا شيء إن في كلمة كن كنز الله الذي إذا شاء خلق أكواناً وأكواناً بلا نصب ولا لغوب.

يقول القرآن الحكيم إ نما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

ولقد سفه المنافقون الذين حكى الله قولهم هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا.

زاعمين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محتاج إلى عونهم وإنه بانقطاع صلاتهم ينفض المسلمون من حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن الله لا يتمكن من إنقاذ الموقف فرد الله عليهم بقوله ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون.

إن العلم والخلق والرزق والأمانة والإحياء والصحة والمرض والمال والجاه و كلها في خزائن الله يعطيها من يشاء ويصرفها عمن يشاء ولكن ذلك تحت حكمة عالية ومصلحة قاضية يقول الله تعالى وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم.

وحيث نزل قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة قال جمع من اليهود استهزاءً إن إله محمد فقير ونحن أغنياء زاعمين إن ما لديهم من دراهم يغنيهم وظنوا أن هذه الآية تدل على فقر الله فرد الله عليهم ووعدهم بالعذاب في قوله لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء‍‍‍ سنكتب ما قالوا‍ وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وإن الله ليس بظلام للعبيد.

وقد يزعم أناس إن إيمان الناس بالله تعالى مما يحتاج إليه، إن الله لا ينفعه إيمان المؤمنين ولا يضره كفر الكافرين فهو الغني عن كل ذلك وإنما ترجع الفائدة إلى المؤمن نفسه وتعود المضرة إلى الكافر نفسه.

ولقد قال القرآن الكريـــم عن لسان مــوسى عليه الســــلام وقال موســـى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد.

وقال في آية أخرى ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين.

وقد أظهر سبحانه الاستغناء عن قوم تولوا عن وعظ المرسلين وسلكوا سبيل الكافرين فقال ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا ابشراً يهدوننا‍ فكفروا وتولوا‍ واستغنى الله والله غني حميد.

إذن من الخرافة أن يقول أحد إن الله غني عن طاعتي فلم أتعب نفسي، أو إن الله غني عن مالي فلم أنفقه في سبيله.

إن الإطاعة والإنفاق يعودان إلى نفس المطيع والمنفق وتعودان إلى نظام الحياة الاجتماعية.

أليس من السخف أن يقول تلميذ إن الحكومة في غني عن نجاحي ورسوبي فلم أتعب نفسي وأسهر ليلي بالحفظ والدرس.

إن مثل هذا التلميذ يعد سخيفاً ويعد كلامه هراءاً وإن كان لا تضر الحكومة بطالته ورسوبه ولا ينفعها نجاحه ورقيه والحكومة كما نعلم بمكان نازل من الغنى فكيف بالله العلي العظيم الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير.

الحي

الحياة تقابل الموت والجمود فالإنسان الحي والحيوان الحي والنبات الحي كلها أحياء لا موت فيها ولا جمود.

والحي يترشح منه الكمال فالإنسان الحي يبصر ويسمع ويفكر ويعمل والحيوان الحي يأكل ويشرب ويمشي ويتكاثر والنبات الحي ينمو ويورق ويخضر ويثمر، ومراتب الحياة مختلفة فحياة الإنسان أرقى من حياة الحيوان وحياة النبات أنزل من حياة الحيوان وهكذا مراتب الحياة في الإنسان مختلفة فكلما كانت آثار الحياة في فرد أقوى كانت الحياة فيه أرقى وكذلك الحيوان والنبات.

إن الله حي.

وليس معنى ذلك أنه يأكل أو ينمو أو مما يكون من لوازم الجسم والعرض، بل معنى حياة الله انه يخلق ويعلم ويريد ويقدر ويحيي ويميت ويرزق ويعطي ويثيب ويعاقب، إن بعض الفلاسفة زعم أن الله يعمل لكنه غير حي فهو كماكنة تشتغل أتوماتيكياً، إن الماكنة الأتوماتيكية لا تعمل إلا شيئاً واحداً، أما الله فهو كل يوم في شأن نرى سيل الوجود الجارف الذي لا يحصي مداه بشر يجري في نهر الوجود كل يوم بل كل آن ولحظة في شكل وصورة وحجم وقالب ولون وكيفية.

هذا يحيى وهذا يموت وهذه تلد وهذه تعقم والأرض تخضر ثم تصفر ثم تغبر والطفل يشب ثم يشيب والسحاب يزجي ثم يركم ثم يمطر ثم يضمحل.

إن الله حي وبيده أزمة الكون وهو كل يوم في شأن.

يقول القرآن الحكيم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وقال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً.

وقال سبحانه وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً.

إن آثار الحياة في كل بشر مهما عظمت مقدرته واتسعت آثاره ضئيلة جداً ومحدودة بحدود الزمان والمكان أما آثار الحياة في الله تعالى فهي بعكس ذلك فكل ما في الكون الشاسع من أثر فهو أنموذج عن آثار حياته تعالى، حتى ان حياة ما سواه أضئل من الصفر في جنب حياته تعالى، ولقد زعم اليهود أن الله لا يصنع شيئاً وفرغ مما أراد فشدد الله في النكير عليهم حيث يقول وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.

الأول والآخر

إن كل ما نراه في الكون لابد وأن يكون له أول وأن يكون له آخر.

أما الحيوان والنبات والإنسان و و فكثيرا ما نسبق عليها فيتأخر وجودها عن وجودنا كما نبقى بعدها فتهلك ونشاهد هلاكها، وأما الأرض والشمس والقمر وتوابعها كالجبال والبحار والأنهار والأنجم الزاهرة والليل والنهار و فإنا وإن لم ندرك أولها ولا نبقى إلى أن ندرك آخرها إلا أن العلماء والمفكرين ينبئوننا عن مدى قدمها وإنها قبل ملايين السنين لم تكن شيئا مذكوراً كما يخبروننا عن مقدار بقائها وإنها بعد ملايين السنين تعدم فلا يبقى منها عين ولا أثر.

إن الله هو الذي خلق هذه الأشياء، وهو الذي يفني هذه الأشياء، فهو سابق عليها وباق بعدها فهو أول ولا سابق عليه وآخر ولاشيء بعده كان إذ لم يكن زمان ولا مكان ولا حركة ولا سكون ولا سماء بنجومها ولا أرض بمائها وهوائها وحيوانها وانسانها، ثم يبقى بعدها فلا أرض تدور ولا شمس تسير ولا بحر يتلاطم ولا نام ينمو ولا متحرك يتحرك، فلو أسرحنا خيالنا في الماضي البعيد نجد الله كان وكان ولم يخل وقت منه ولو أطلقنا زمام الفكر في المستقبل المترقب نجد الله يكون ويكون فلا يخلو منه وقت.

ولو قيل انه كان وقت ولم يكن الله لكان لنا أن نقول فمن كون الله.

ولو قيل انه يأتي وقت ولا يكون الله لكان لنا أن نقول فمن يعدم الله.

لا هذا ولا ذاك بل هو الأول وليس قبله شيء وهو الآخر ولا يكون بعده شيء.

يقول القرآن الحكيم أو لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد.

فهو تعالى يشهد جميع الأشياء يشهد تكونها فهو قبلها ويشهد فنائها فهو بعدها

ويقول سبحانه وما نحن بمسبوقين.

ويقول تعالى سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

وسأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه السلام قال أخبرني عن الله عز وجل متى كان

فقال لـــه ويلك! أخبرنـــي أنت! متى لم يكن حتى أخــــبرك متى كـــان سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.

وعن الصادق عليه السلام قال قال رأس الجالوت لليهود إن المسلمين يزعمون إن علياً من أجدل الناس وأعلمهم! أذهبوا بنا إليه لعلي أسأله من مسألة أخطئه فيها فأتاه فقال يا أمير المؤمنين! إني أريد أن أسألك عن مسألة..

قال عليه السلام: سل عما شئت..

قال يا أمير المؤمنين: متى كان ربنا؟

قال يا يهودي: إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان.

هو كان بلا كينونة أي بدون أن يصنعه غيره كيف يكون له قبله وهو قبل القبل… انقطعت الغايات عنه أي لا يكون بعده شيء فهو غاية كل غاية.

قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه أي ذاته له الحكم وإليه ترجعون.

المتكلم

إنا نبدي عما في ضمائرنا بالكلام في الأغلب، والوحوش تبدي ما في خلدها بالعجيج.

لكن الله لا يحتاج إلى الكلام فهو يتمكن من صنع الشيء بمجرد الإرادة، كما يتمكن من إفهام الملائكة والأنبياء بإلقاء ما يريده في أذهانهم، لكن ثبت في القرآن والسنة إن الله متكلم، وليس معنى كلامه إن له لساناً وشفتين وحنجرة ولهوات فإنه ليس بجسم وليس له ما لنا من الفم والآلات كما سيأتي فليس كلامه تعالى شبيهاً بكلامنا يخرج من الفم، بل معنى انه متكلم انه متى شاء الكلام خلق الصوت في الهواء أو في شجرة أو في شيء آخر فيسمعه الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم ممن شاء.

يقول القرآن الحكيم وكلم الله موسى تكليماً.

والكلمة تطلق بمعنى النعمة والمخلوق ونحوهما يقول القرآن الحكيم ولو انما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم.

وقال تعالى قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً.

وقال الإمام الصادق عليه السلام كان الله عز وجل وليس بمتكلم ثم أحدث الكلام.

وقال الإمام الرضا عليه السلام كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ولا يلفظ بشق فم ولسان.

الصادق

هل يكذب أحد إلا عن خبث في نفسه أو عجز عن دفع مضرة أو جلب منفعة بدون الكذب أو جهل بالحقيقة.

إن أسباب الكذب تنحصر في هذه الثلاثة.

والله منزه لا يتطرق إليه زيغ أو فساد.

والله قادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

والله عالم لا يجهل صغيراً ولا كبيراً كان أو يكون.

إذن فالله صادق فيما يقول فيما يبشر وينذر لا يكذب أبداً ولا يخلف الميعاد.

إن ما بشر به المؤمنين من جنات وعيون وزروع ومقام أمين في ظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.

وما أنذر به الكافرين من عذاب أليم ونار جحيم وظل من يحموم لا ظليل ولا يغني من لهب.

كلها صدق وحق..

يقول القرآن الكريم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا الصادقون.

وقال سبحانه ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين.

الصفات الجمالية

إن لله وجود عظيم لا يحده زمان ولا مكان ولا جهة، وصفاته كذلك لا يحدها شيء فهي كثيرة جداً ووسيعة جداً، فهناك كثرة في الكيفية فصفة العلم لا تقف عند حد حتى يقال يعلم الله هذا ولا يعلم ذاك كما هو في المخلوق كذلك أو يقال يقدر الله على شيء ولا يقدر على شيء آخر أو يقال يسمع الله صوت فلان ولا يسمع صوت فلان، وهناك كثرة في الكمية فصفاته كثيرة كثيرة وما ذكرناه من العلم والقدرة والحياة والإرادة ليس إلا قدراً قليلاً منها.

وقد ورد في القرآن الحكيم والسنة البيضاء عدة منها ونحن نذكر في هذا الصدد جملة منها.

يقول القرآن الحكيم:

هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.

وعن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة وهي.

الله الإله الواحد الأحد الصمد الأول الآخر السميع البصير القدير القاهر العلي الأعلى الباقي البديع البادئ الأكرم الظاهر الباطن الحي الحكيم الحفيظ الحق الحسيب الحميد الخفي الرب الرحمن الرحيم الذارئ الرازق الرقيب الرؤوف الرائي السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر السند سبوح الشهيد الصادق الصانع الطاهر العدل العفو الغفور الغني الغياث الفاطر الفرد الفتاح الفالق القديم الملك القدوس القوي القريب القيوم القابض الباسط قاضي الحاجات المجيد المولى المنان المحيط المبين المقيت المصور الكريم الكبير الكافي كاشف الضر الوتر النور الوهاب الناصر الواسع الودود الهادي الوفي الوكيل الوارث المبر الباعث التواب الجليل الجواد الخبير الخالق خير الناصرين الديان الشكور العظيم اللطيف الشافي.

البساطة

إذا نظرنا إلى الإنسان وجدناه مركباً من أجزاء العين والأذن والفم واللحم والدم والعظم، وإذا لاحظنا الحيوان وجدناه مثل الإنسان وإنما الفرق بينهما بالإدراك ونحوه، وإذا سبرنا أحوال سائر الأشياء من نبات وحجر وماء وهواء و وجدنا كلها مؤتلفة من أجزاء وأعراض وألوان، والموجودات كلها تشتـــرك في هذه الناحية مـــن غير فــــرق بين أن يكون صغيراً كالجرثومة أو كبيراً كسائر الأشياء.

لكن الله تعالى ليس كذلك، فليس له جزء بل هو بسيط لا أذن له كآذاننا ولا عين له كأعيننا ولا يد ورجل له كأيدينا وأرجلنا ولو كان لله يد ورجل أو لسان أو مقلة أو جوارح أو أعضاء لكان مركباً وكل مركب يحتاج إلى أحد يؤلفه ويركبه والله ليس قبله أحد حتى يكون هو المركب للإله.

يقول القرآن الحكيم ليس كمثله شيء.

وقال تعالى ما قدروا الله حق قدره.

إن الله ليس بجسم ولا بذي أعضاء ولا يشابهه شيء وليس له جوف كأجواف المخلوقين ولم يكن له والد ولّده ولم يلد هو أحداً كما زعمت اليهود إن عزير ابن الله !‍ وكما زعمت النصارى إن المسيح ابن الله.

وقد سأل جماعة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله، فأنزل الله في الجواب لهم قل هو الله أحد الله الصمد الذي لا جوف له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

وكتب محمد الهمداني إلى أبي الحسن عليه السلام إن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة، فكتب عليه السلام بخطه سبحان من لا يحد ولا يوصف ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

وقال الصادق عليه السلام لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الأزمان.

وقال عليه السلام ليونس يا يونس من زعم أن لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله.

وقال عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء وكلما وقع في الوهم فهو بخلافه.

إن من الناس من يتخيل إن الله في السماء ومنهم من يزعم إنه جالس على العرش ومنهم من يظن أنه قطعة من نور ومنهم من يتوهم انه كالإنسان له وجه ويد ورجل، كل هذه الأوهام مما يأباه العقل ويرده القرآن والسنة.

إن الله لو كان في العرش كان محتاجاً إليه ولو كان له جارحة كان محتاجاً إليها والله غني بجميع معنى الكلمة لا يحتاج إلى شيء أبداً.

لا يدرك كنهه

هل تفكرت يوماً في أنك لا تعلم أشياء كثيرة؟

هل عرفت أن ما لا تعلم أكثر وأكثر مما تعلم؟

هل طرق سمعك أن شعب العلم التي توصل إليها العلماء تقرب من المائة والثلاثين علماً فالفيزياء علم والكيمياء علم والحساب علم والهندسة علم والطب علم؟

ثم هل تدري انك لا تعرف من العلوم إلا شيئاً يسيراً؟

وهل رأيت في الكتب أن العلماء مع هذا التوسع المدهش من العلم وهذه الاختراعات يركعون أمام عظمة الكون وأسراره خشعاً ويقولون إن ما كشفناه ليس شيئاً بالنسبة إلى مالم نكتشفه وإن العالم مليء بالأسرار والعلوم؟

وهل قرأت أن الروح التي هي بين جنبيك وبين جنبي كل ذي روح لم يعرف حقيقتها إلى الآن مع كثرة فحص العلماء عنها وشدة ولعهم لاكتشافها؟

وهل سمعت أن العقل أخ الروح في هذه الجهالة والغموض؟

دعنا عن العقل والروح هل سمعت أن الكهرباء التي تضيئنا في كل ليل وتحرك مراوحنا وتغسل أثوابنا و إلى ألف جهاز التي تمونها الكهرباء لم يعرف بعد حقيقتها وإنما يقول العلماء نرى آثارها ولا ندرك كنهها.

إنا مع أنه لا نعرف حقيقة ما هو معنا دائم العمر كالروح والعقل ولا نعرف كنه ما نستفيد منه في كثير من شؤون حياتنا كالكهرباء كيف نتجرأ ونقول ما هي حقيقة الله.

إن حقيقة الله شيء لا يعرف، والعقل البشري أقصر من أن يدرك كنه الله، إنا نعترف بوجود الله لأنا نرى آثاره كما نعترف بوجود الروح والكهرباء لأنا نرى آثارهما، أما حقيقة الله فلا يمكن معرفتها بل نعرف الله بآثاره

أتدري أن العين ولو كانت حادة لا تبصر الجرثومة الصغيرة ولا تبصر الجرم البعيد ولا تبصر الشيء القريب إليها جداً ولا تبصر إلا مع وجود النور، إن العقل كذلك فهو كالعين لكن العين تدرك المحسوس في نطاق ضيق والعقل يدرك المعقول في نطاق ضيق أيضاً، وكما أنه ليس من المنطق أن ننكر الأجسام البعيدة بمجرد أنا لم نرها‍ كذلك ليس من المنطق أن ننكر وجود الله بمجرد أنا لا ندرك حقيقته

إن من يرى بناءاً يحكم بوجود البناء له وإن لم ير البناء ومن يرى أثر القدم يعلم بأنه مر هناك شخص وإن لم ير الشخص لأن الأثر يدل على المؤثر وإن لم يعرف حقيقة المؤثر ولم يره.

إنا لا نعرف حقيقة الله ولم نر الله لكنا عرفناه من آثاره وكفى.

لا تدركه الأبصار

يقال إن رجلاً أنكر وجود الله وقال إن كل شيء موجود لابد وأن يدرك بإحدى الحواس الخمس العين والأذن والأنف واللسان واللمس وأنا لم أرى الله ولم أسمع صوته ولم أشم ريحه ولم أتذوق طعمه ولم ألمس جسمه، فصنع رجل سمع مقالة الرجل المنكر كرتين كرة من خشب وكرة من حديد وصبغهما ثم أتى بهما إلى المنكر وقال إن هاتين كرتان صنعت أحدهما من خشب والأخرى من حديد فهل تتمكن أن تحكم بمجرد نظرك إليهما بأن أيهما حديد وأيهما خشب، فنظر المنكر إليهما وقال لا أتمكن من التميز‍ بالنظر، قال المثبت فادن سمعك إليهما لعلك تسمع صوتهما وتميزهما، فأدنى المنكر أذنه ولم يتمكن من التميز.

قال المثبت فالطعهما بلسانك لعلك تميزهما من الذوق، فلطع المنكر ولم يميز، قال المثبت فاستنشق ريحهما لعلك تميز بالشم، فلم يعرف المنكر‍.

قال المثبت فالمسهما بيدك لعلك تميز باللمس، فلمسهما المنكر ولم يميز! قال فمن أين تميز بينهما.

قال المنكر أرفعهما فأيهما كان أثقل عرفت أنه الحديد وأيهما كان أخف عرفت أنه الخشب، قال المثبت ومن يحكم بأن الأثقل هو الحديد.

قال المنكر العقل.

فكر المثبت قائلاً إن اللون الخفيف إذا كان حائلاً دون معرفتك وسد أبواب حسك حتى اعترفت بعجز حواسك عن الإدراك ولجئت أخيراً إلى العقل فما يمنعك من الاعتراف بوجود الله الذي ترى آثاره وإن لم تدركه حواسك

فانقطع المنكر وقفل إلى الاعتقاد وآمن بالله.

إن الله ليس بمرئي لأنه ليس بجسم.

وعدم رؤيتنا له ليس دليلاً على عدم وجوده.

إنا لم نر العقل فمن أين نحكم بأن هذا عاقل وهذا مجنون ليس ذلك إلا بأنا نرى آثار العقل في أحدهما دون الآخر.

وكذلك نحكم بوجود الله لما نشاهد من آثاره.

إن الله يمتنع عليه الرؤية فلا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنه ليس بجسم وكل ما ليس بجسم لا يمكن رؤيته.

يقول القرآن الحكيم لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.

وحيث طلب موسى عليه السلام من الله أن يريه نفسه.

أجابه الله لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني. تعليقاً على المستحيل فلما تجلي ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً.

وقد استعظم الله تعالى سؤال الرؤية فقال يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سئلوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة‍ فأخذتهم الصاعق بظلمهم.

وقام رجل يقال له ذعلب إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك.

قال عليه السلام ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره

قال كيف رأيته صفه لنا.

قال ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

وقال الإمام الباقر عليه السلام لأبي هاشم يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركها فكيف أبصار العيون.

وهناك في القرآن الحكيم آيات قد يتوهم منها انه تعالى جسم أو مرئي

قال تعالى الرحمن على العرش استوى.

وقال سبحانه وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.

لكن هذا استعمال عرفي كما نقول استوى الملك على سرير السلطنة والملك لم يجلس على السرير وإنما نقصد أنه أخذ بأزمة الحكم.

أو نقول أنظر إلى التلميذ الفلاني وقد أصبح مديرا والحال أنه بعده تلميذ وإنما نقصد من النظر العلم بذلك.

فيراد إن الله مستول على أزمة الكون آخذ بأطرافه

وإن يوم القيامة يعلم الناس جميعاً بوجود الله كأنهم ينظرون إليه على خلاف ما كانوا في الدنيا شاكين فيه.

لا يحده زمان ولا مكان

الزمان والمكان من عوارض الجسم.

الفراغ الذي يشغله الجسم هو المكان.

والبقاء الذي للجسم هو الزمان.

لكل جسم طول وعرض وارتفاع وامتداد وهو الزمان كما يقول أنيشتاين لو تخيلنا انه لا شيء في الوجود فهل يبقى هناك زمان.

كلا‍..

الزمان امتداد للجسم.

إن الله خارج عن الزمان والمكان أي ليس له مكان فيقال الله في السماء أو في الأرض أو على العرش.

أو أو.. وليس له زمان فيقال الله في يوم الجمعة أو في شهر شعبان أو في سنة ألف أو أو.. إن الله ليس بجسم فلا زمان له ولا مكان.

فكما انه يرى كل الأشياء أي يرى من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب من الأرض إلى منتهى الفضاء من.

كذلك يرى كل الأزمنة أي يرى الماضي والحال والمستقبل في آن واحد، إنا لانرى آخر المشرق لأنه يحيط بنا المكان الذي هو المغرب مثلاً، وإنا لا نرى الماضي ولا المستقبل لأنه يحيط بنا الزمان الذي هو الحال.

لكن الله لا مكان له فيرى كل الأمكنة، ولا زمان له فيرى كل الأزمنة.

لو فرضنا أن رجلا ولد في جو مملوء من الدخان لم يتصور هذا الرجل فضاءاً ليس فيه دخان بل يظن أن كل شيء محاط بالدخان، أما الخارج عن الدخان فيعلم أول الدخان وآخره لأن الدخان لم يحط بهذا الرجل الخارج، إنا كلما تصورنا الأشياء نتصور معها الزمان والمكان لأنا ولدنا زمانياً ومكانياً.

أما الله الذي هو خارج عن الزمان والمكان فلا تحويه الأزمنة والأمكنة.

قال الإمام الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والانتقال.

إن الله ليس في زمان ولا مكان لكنه مطلع على الجميع وآخذ بأزمة الجميع.

قال أمير المؤمنين عليه السلام إن موسى بن عمران كان ذات يوم جالساً إذ جاءه ملك من المشرق فقال له من أين جئت؟

قال من عند الله عزوجل.

ثم جاءه ملك من المغرب فقال له من أين جئت؟

قال من عند الله عزوجل.

ثم جاءه ملك آخر فقال من أين جئت؟

قال جئتك من السماء السابعة من عند الله عز وجل.

وجاءه ملك آخر فقال من أين جئت؟

قال قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند الله عزوجل.

فقال موسى عليه السلام سبحان من لا يخلو منه مكان ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان.

وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول والذي احتجب بسبع طباق فقال عليه السلام يـــا ويــلك! إن الله أجـــل من أن يتحجب عـــن شــيء أو يحتـــجب عنـــه شــيء سبـــحان الذي لا يحويه مكان ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

لاتعتريه الأحوال والأعراض

كل شيء نراه في الوجود تعترض عليه حالات مختلفة وتنتابه صفات متباينة

فالإنسان ينام ويتحرك ويقوم ويقعد ويغضب ويفرح ويأكل وينكح ويشيب ويضعف ويسمن ويهزل والحيوان كالإنسان في عروض كثير من الحالات عليه والنبات كذلك ينمو ويكبر ويزهر ويثمر ويصفر ويهشم والحجر يصلد ويرخو ويتلون وهكذا الحال في سائر الموجودات.

هذه الأحوال كلها من عوارض الجسم فمن له قلب غضب وفرح ومن له لحم ودم صح وسقم ومن له بطن وفرج يأكل وينكح.

وما له جسم ينمو ويذبل أو يرخو ويتلون.

أما الله فلا جسم له ولذا لا يعتريه الأحوال ولا تتبادل عليه الأعراض.

يقول القرآن الحكيم الله لا إله إلا الله هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.

و قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت.

وقال موسى بن جعفر عليهما السلام إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون أو يوصف بطول أو قصر أو تبلغه الأوهام أو تحيط بصفته العقول أنزل مواعظه ووعده أمر بلا شفة ولا لسان.