22 ربيع الأول 1429 - 30/03/2008
مثلت فاجعة الطف الخالدة الإمتحان الحقيقي الذي امتاز فيه الناس، حتى صنفتهم على حقيقتهم فمنهم من سار على النهج الصحيح ومنهم من بقى على نعراته الجاهلية.
وكانت من صورها العجيبة سبي بنات الرسالة، ومنهن السيدة سكينة عليها السلام بنت الإمامة وحفيدة النبوة الحقة.
رافقت هذه السيدة العظيمة اباها وامامها الحسين (صلوات الله عليه) في رحلته الى كربلاء، لتعيش هناك فجائع الطف، وهي تنظر الى اخوتها واعمامها وبني عمومتها واصحاب ابيها الاوفياء، يقتلون ويقطعون، فتعيش مع اهل بيتها تلك الاحزان والفجائع المريرة..وان تستقبل اخاها عبد الله الرضيع البالغ من العمر ستة اشهر ذبيحاً من الوريد الى الوريد بسهم حرملة، فتذهل حين تراه على تلك الحالة.
واذا سمعت اباها عند باب الخيمة مودعاً: يا سكينة، يا فاطمة، يا ام كلثوم، يا رقية يا عاتكة يا صفية، عليكن مني السلام، يرتفع منها النحيب والبكاء مع كرائم الوحي، فيضمها ابوها الحسين الى صدره الشريف ويقبلها، ويمسح دموع عينيها بكمه ويقول لها:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي***منك البكاء اذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة***ما كان مني الروح في جثماني
فاذا قتلت فانت اولى بالذي***تأتينه ياخيرة النسوان
ثم كانت الدهشة بعد المصرع الفجيع، اذ يقبل الجواد الى الخيام محمحماً، فتخرج سكينة من خيمتها وسط غبرة عاصفة فتصرخ واقتيلاه! واحسيناه واغربتاه واكربتاه فيخرج باقي الحرم يلطمن ويصحن وامحمداه.
وكانت الشاهد على مسيرة الاسر والسبي مع بقية اسارى اهل البيت حيث تبدأ الرحلة الكئيبة من المرور على ارض المعركة، فترى سكينة جسد ابيها صريعا على صعيد كربلاء، فلا تملك نفسها الا ان تهوي عليه تتزود منه فتودعه في غصة محتضرة، ثم تنحى عنه بضرب السياط اللئيمة على جسدها الشريف حتى اذا انتهت رحلة الاسر والسبي الى المدينة صاحت سكينة: يا جداه اليك المشتكى مما جرى علينا ثم دخلت دار ابيها الموحشة لتقيم فيها عزاءها المديد مع نساء آل بيتها وهن متسربلات بسواد الحزن وذكريات النائبة العظمى.