b4b3b2b1
الالمنيوم وتاريخه العريق في الصناعات الكبيرة | هضبة خالصة الأثرية | مدينة سامرّاء | مدينة الحضر(مدينة الشمس) | قصر عالي قابو | مشهد النُّقطة | الحضارة السومرية حضارة لمجموعات بشرية باقية على امد الدهر | مدينة بلقيس الأثرية | مضيف الامام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) | سور الصين العظيم | الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة | عمارة سلطانية |

حصن الأخيضر

4750

 

13 رمضان المبارك 1437 - 19/06/2016

يُعد حصن الأخيضر أحد المباني التاريخية والأثرية البارزة في العراق، نظراً إلى ضخامة بنائه وتفرده من حيث التصميم والبراعة في هندسته، ومعالمه العمرانية والزخرفية وسعة مرافـقـه. ويعتبر من الحصون الدفاعية الفريدة من نوعها، وقلّما نجد بناء بعظمته في منطقة مقفرة وبعيدة عن العمران.

موقع الحصن

يـقـع الحصن في الصحراء الغربية من العراق، على بعد 50 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء، وحوالي 152 كلم من مدينة بغداد، و17 كلم إلى الجنوب من مدينة عين التمر. ولوقوعه وسط البادية أهمية تاريخية كبيرة، حيث ملتقى الكثير من الطرق التجارية. فالطريق الذي يربط جنوب العراق بأعالي الفرات وسوريا يمر به، كما أنه يقع على الطريق الذي يربط مدينة الكوفة وسـوريـا، وهو مركـز على طريق البحر الأبيض المتوسط – حلب – البصرة من جهة، والبحر العربي من جهة أخرى، فلموقعه الفريد، وبروز معالمه العمرانيـة، الأثر البـارز في إقبـال الزوار والسيـاح عليه من داخل العراق وخارجه.

تاريخ الحصن وتسميته

لقد مضى على اكتشاف الرحالة الأجانب لحصن الأخيضر ما يقارب الأربعة قرون، حيث وردت أول إشـارة واضحة إليـه في كتابـات الرحالة الإيطالي بتروديلا فـيـلا (Pietro Della Valle) سـنة 1625م. ثم تلاه تافرنيه (Tavernier) سـنة 1638م، ودبليوبيوز (Beawes) سنة 1745م، ثم مرّ به جي روبرتس (Roberts) في سـنة 1748م، أعقبه الميجر جون تايلر (Taylor) سنة 1790م.

وقد حضي حصن الأخيضر باهتمام المختصين من رجال الآثار، إذ نشرت عنه عدد من الكتب والأبحاث التي تناولت هذا الأثر الغامض من جوانبه التاريخية والفنية والمعمارية. إن السبب في ذلك يعود بشكل أساسي إلى أمرين:

الأول: أنه أغفل من أية كتابة تاريخية معمارية، مثل الشواهد التي تعلو في العادة واجهات الكثير من المباني الأثرية أو بعض أقسامها الداخلية.

الأمر الثاني: عدم وجود أية إشارات واضحة في كتب التاريخ عن تاريخ بنائه، وخاصة في المدونات التاريخية العربية والقديمة والبلدانية، حيث أن بناء القصر ما يزال بحالة جيدة، إضافة إلى ما يتميز به من ضخامة تلفت النظر.

لقد تناول هذا الحصن بالدراسـة والبحـث والتقصي عدد غير قليل من علماء الآثار والباحثين والمؤرخين والمستشرقين، وذهبـوا في تاريخه وتسميته مذاهب شتى. فقد أرجعه البعض إلى العصر السـابـق للإسلام، أي إلى العهد الساساني، ومنهم المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون الذي قال أنه ساساني، وأنه (قصر السدير) المشهور. وأيده في ذلك الباحث الفرنسي (دي لافوي)، وكذلك العلامة اللغوي العراقي المـعـروف الدكتور مصطفى جواد، الذي يرى « أن أسلوب هذا الحصن وطراز بنائه يختلف عن الطرز العربية الإسلامية. وهو يعتقد أنه ساساني وهو (حصن عين التمر)، تلك البلدة العتيقة التي عفت آثارها ولم يبق إلا حصنها – أعني الأخيضر -. وإن عدّ الأخيضر من الأبنية العربية بل الإسلامية في تلك الفترة هو تحميل للتاريخ والفن مالا يطيقان، وأنه بناء لم تعرفه العرب وليس له شبيه في آثارهم ». غير أن غالبية علماء الآثار يرجعونه إلى العصور الإسلامية، وبشكل خاص إلى العصر العباسي الأول. وذلك بسبب أدلة معمارية وتاريخية يسوقونها. وتُعد دراسة المستشرق البريطاني ك. أ. كريزول عن قصر الأخيضر من أهم الدراسات التي كتبت عنه، وقد خلص إلى أنه بني سنة 161هـ (778م)، ويعتبر أحد الآراء المهمة في هذا الموضوع.

ويرى الكثير من العلماء المتخصصين في العمارة والفنون الإسلامية، أن العناصر المعمارية لحصن الأخيضر تتماشى تماماً مع ما وصل إليه تطور الفن المعماري الإسلامي في تلك الحقبة من الزمن. وهي الحقبة التي تنحصر بين بدء تشييد مدينة دار السلام (بغداد) سنة 145هـ (762م) وتشييد مدينة سامراء في سنة 221هـ (836م) العاصمة العباسية الثانية التي شيّدت في العراق بعد بغداد، وقد وجد بـأن هناك تـشـابهاً كبيراً بين طراز عمارة الحصن وأبنية سامراء الأثرية.

ومما يؤكد على أن حصن الأخيضر بناؤه إسلامي، وذلك من خلال التنقيبات التي جرت فيه، أن أسس بنائه من أصل واحد، وأن المسجد فيه أصلي شيد مع البناء، ويعود إلى دور تأسيس الحصن. كما أن محراب المسجد في جداره الجنوبي (القبلي) كان من أصل البناء أيضاً. ويمتاز هذا المسجد بنفس الخصائص التي تميزت بها المساجد الإسلامية.

وتذكر بعض المصادر التاريخية أن حصن الأخيضر أقيم على أنقاض قصر مقاتل الذي نزل فيه الإمام الحسين (ع) في طريقه إلى كربلاء عام 61هـ (680م). وقد هدم قصر مقاتل من قبل عيسى بن موسى، ابن الأخ الأكبر لأبي العباس السفاح والمنصور في القرن الثاني الهجري وأقام حصن الأخيضر فوقه.

ومهما يكن من أمر، فإن حصن الأخيضر كان قائماً حوالي سنة 157هـ (773م)، وهي السنة التي تسبق وفاة أبي جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين 134 – 158هـ (751 – 774م) وذلك نتيجة للعثور على عدد من المسكوكات الفضية يتراوح ضربها بين سنتي 157 و 162هـ.

تسمية الحصن بالأخيضر

اختلف المؤرخون كذلك في أصل تسمية « الأخيضر ». وذكر بعضهم أن تسميته ربما جاءت بسبب اخضرار موقع الحصن، فإن كلمة الأخيضر معروفة في البادية، وهي مصغر من كلمة الأخضر في اللغة العربية، والوادي الذي يمر بالقرب من الأخيضر نفسه يسمى بوادي الأبيض نسبة إلى بياض رماله.

والبعض الآخر، ومنهم العلامة العراقي محمود شكري الآلوسي، يرى أن « الأخيضر محرف من (الأكيدر) اسم أحد أمراء قبيلة كندة الذي أسلم في صدر الإسلام ».

معالم الحصن المعمارية

يتميز حصن الأخيضر بأنه بناء دفاعي ضخم. وهو مشيد بالحجر المتوفر في المنطقة المحيطة به، والجص. والبعض من أجزائه مبني بالطابوق الطيني المفخور (الآجر) – الذي يجلب من المنطقة القريـبـة من مدينة كربلاء – وهو مستطيل الشكل، ومن أهم معالمه العمرانية هي:

الأسوار

يحيط بحصن الأخيضر سور طوله من الشمال إلى الجنوب 175 متراً، وعرضه من الشرق إلى الغرب 169 متراً، ويبلغ ارتفاعه حوالي 21 متراً. يضم السور أربعة أبراج رئيسية، تقع في الأركان الأربعة، وقطر كل منها 5 أمتار. كما يوجد في منتصف كل ضلع من أضلاع السور برج كبير، يتوسطه مدخل. وتوجد عشرة أبراج في كل ضلع، خمسة عن يمين الداخل وخمسة أخرى عن يساره، وقطر كل برج من هذه الأبراج 3.50 متر، وبذلك يكون مجموع الأبراج في السور 48 برجاً. وتوجد بين برج وآخر حنايا ارتفاعها حوالي 10.50 متر إلى مستوى المجاز الذي يقسم السور بعد هذا الارتـفـاع إلى جدارين، أحدهما داخلي يطل على ساحات الحصن، وآخر خارجي فيه حنايا داخلية ومزاغل لرمي السهام. وهذا المجاز بعرض مترين ويتصل بغرف دائرية الشكل تقوم فوق كل برج من الأبراج. ويوجد في كل زاوية من زوايا الحصن الداخلية سُلّم يتصل بالمجاز والأبراج الرئيسية، إضافة إلى سُلّمين متقابلين على جانبي كل مدخل من مداخل السور. أما القصر فقد بني ملاصقاً للضلع الشمالية من السور الخارجي، وله سور خاص من الجهات الثلاثة الأخرى، وهذا السور مدعم بأبراج.

المرافق الداخلية

تنحصر المرافق ضمن بناية مستطيلة الشكل ملاصقة للسور الخارجي من الجهة الشمالية، طولها 112 متراً وعرضها 80 متراً. والبناية مدعمة بأبراج عددها 26 برجاً بقطر 1.20 متر لكل برج، ثمانية منها في كل من الضلعين الغربية والشرقية وخمسة في الضلع الجنوبي، وبرجان في الزاويتين الجنوبية الغربية والشرقية، وتضم المرافق الداخلية التالية:

1- الديوان الرسمي (البهو الكبير): وهو عبارة عن قـاعـة مستطيلة الشكل طولها 15.50 متر وعرضها 9 أمتار. وفي ضلعيها الشرقي والغربي أربعة أساطين نصف اسطوانية، تقوم عليها خمسة عقادات متتالية، تنحصر بينها مداخل الغرف الخاصة بالديوان. فالمدخل الذي في الضلع الشرقي، يؤدي إلى الطابق العلوي، في حين تؤدي المداخل الثلاثة إلى غرف. وفي الإيوان الأخير مدخلان، يؤدي الأول إلى الطابق العلوي، أما المدخل الثاني فيؤدي إلى المسجد، والطوابق تتألف من مجموعة غرف متداخلة.

2- القسم المركزي: يحيط هذا القسم رواق سقفه معقود يفصله عن باقي أقسام القصر. ويكون الوصول إليه من خلال مدخل في منتصف الضلع الجنوبي للديوان الكبير، ويقابله مدخل آخر يؤدى إلى الرحبة الكبرى. وهذه الرحبة عبارة عن ساحة مستطيلة الشكل، طولها 33 متراً وعرضها 27 متراً تفتح عليها أربعة أبواب بواسطة الرواق الكبير. فالمدخل الشمالي يتصل بالإيوان الكبير. والمدخلان الشرقي والغربي يؤديان إلى المجاز المحيط بهذا القسم، ومنها قسم الحرم. أما المدخل الجنوبي فيتصل مباشرة بما يعرف بـ« المابين »، والضلع الشمالي للرحبة أكثر ارتفاعاً من بقية الأضلاع. ويتألف الضلعان الشرقي والغربي من تجاويف أو طوق، بنمط واحد. أمـا الضلع الجنوبي فيتألف من فتحة كبـيرة تُعد واجهة للإيوان الكبير.

3- الإيوان الكبير: وهو على شكل قاعة مستطيلة الشكل طولها 10.75 متر، وعرضها 6 أمتار، تعلوهـا عقادة نصف اسطوانية مشيدة من الآجر، يحيط بها عدد من القـاعـات المخصصة لاستقبال الضيوف، وتمتاز واجهتها بجمال تصميمها وكأنها صممت على غرار قاعات العرش. وتتصل بهذا الإيوان قاعتان على جهته الشرقية، وقاعتان أخريان على جهته الغربية. وهذه القاعات مستطيلة الشكل، طول كل منها 10 أمتار وعرض 4.65 متر. وتتميز هذه القاعات بسلسلة من العقود والزخارف الجبصية المتنوعة. وأمام الإيوان ساحة مستطيلة تحف بها عدد من القاعات. وفي منتصف الضلع الجنوبي لهذه الساحة، يوجد مدخل يؤدي إلى الرواق الكبير الذي يحيط بالقسم المركزي، وتفتح في هذا الرواق عدة أبواب.

4- المسجد: وهو مبنى مستطيل الشكل، طولـه 24 متراً، وعرضـه 15.50 متر، وله مدخل في البهو، وآخر في المجاز الغربي الذي يفصل بين سور الحصن وبين القسم الشمالي الذي يكون القصر ومرافقه. تحيط بالمسجد من جهاته: القبلية والشرقية والغربية أروقة، وتستند إلى صف من الأعمدة في كل جهة، تقوم عليها أقواس متتالية ومعقودة وذات زخارف هندسية جميلة. أما شكل المحراب فهو مقعر. وقد برهنت التحريات الأثرية بأن بناءه جزء أصيل من بناء حصن الأخيضر وليس مستحدثاً أو مضافاً إلى البناء. وللمسجد ثلاثة مداخل هي: اثنان منها يؤديان إليه بواسطة المجاز الشمالي ويقعان في الضلع الشمالي لصحن المسجد. أما المدخل الثالث فيقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد ويؤدي إلى البهو.

5- قسم الحرس: يقع إلى الجهة الشرقية من البهو، ويلتصق بالسور الخارجي من الشمال، ويؤدي إليه بواسطة مدخل يقع في المجاز الطويل. كما يوجد مدخل آخر على شكل سطح مائل يؤدي إلى الطابق الأول بواسطة مدخل فرعي على يمين الصاعد، وإلى الطابق الثاني بعد انعطافه إلى الجنوب، فيصل إلى الطابق الثاني. وهذا القسم يتكون من طابق واحد، عدا الجانب الغربي الذي يتألف من طابقين لاتصاله بالغرف والمرافق الخاصة بالحرس والكائنة في أعلى المدخل الرئيسي.

بيوت السكنى

وهي أربعة بيوت يستقل بعضها عن البعض الآخر. يقع اثنان إلى الشرق من القسم المركزي. والاثنان الآخران يقعان إلى الغرب من هذا القسم. وفي كل بيت منها مدخل يقع في الرواق الكبير. وتكاد هذه البيوت أن تكون متشابهة من حيث التصميم، والتناظر في الموقع.

يتكون كل بيت من صحن مستطيل الشكل، وأضلاعه ذات حنايا. وتعلو هذه الحنايا أقواس تستند على أعمدة، ويكون مدخل البيت في الحنية الوسطى. وغالباً مـا تـتـشابـه الواجهتان الشمالية والجنوبية في التصميم، وعدد القاعات والمرافق التي تضمها. وتتميز هذه البيوت بنظام الأواوين، وهو طراز ينسب إلى الطراز المعماري الحيري (نسبة إلى مدينة الحيرة) قرب مدينة الكوفة.

قسم الخدم

وهو بناء كبير يتألف من صحن مستطيل الشكل، مع ثماني قاعات، سقوفها معقودة بأقبية، وهو معزول عن بيوت السكنى الخاصة بالعوائل ويقع خلف القسم المركزي وغرف الاستقبال.

الحمام

بناء مستطيل الشكل يقع بين البيت الجنوبي من بيوت السكنى، وبين قسم الخدم. طوله 9.90 متر وعرضه 9.30 متر. ويقع مدخله في الركن الجنوبي الشرقي من الرواق الكبير. يحيط بالحمام جدار داخلي إضافة إلى الجدران الأساسية التي هي من أصل القصر. وهذا الحمام خاص بالقصر، وجدرانه الداخلية مشيدة من الطابوق والنورة، أما أرضية الحمام فهي مبلطة بالرخام الأبيض. وله مدخل رئيسي داخلي يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للرواق الكبير، وله مداخل فرعية أخرى. وقسم الاستحمام يتكون من ثلاث قاعات متداخلة، يؤدي إليه مدخل في الضلع الغربي. والتصميم العام للحمام يشبه تصميم الحمامات التي شيدت في العصور الإسلامية.

الأبنية الخارجية

هناك أبنية تقع خارج الحصن. الأولى تقع على يمين الداخل من المدخل الشمالي (الرئيسي) وهي مستطيلة الشكل طولها 76 متراً وعرضها 12 متراً، مكونة من سلسلة غرف وسقوفها معقودة وعددها 14 غرفة، وتكون إحداها بشكل إيوان مفتوح من الجانبين. وهناك باب لسلم يؤدي إلى سطح البناية. وتوجد ساحة مستطيلة طولها 33.20 متر وعرضها 24.70 متر تقع بين البناية المستطيلة القائمة على الضلع الشمالي، والسور الممتد على الضلع الغربي. كما توجد بناية صغيرة في الجهة الشمالية الشرقية للحصن، ويشبه تصميمها تصميم الحمام.