30 شوال 1432 - 29/09/2011
تعود جذور التشيع في تركيا إلى منطقة الشام، فقد اتّسع التشيّع في بلاد الشام في عصر الدولة الحمدانيّة، والمرداسية ، والفاطميّة، حتّى بلغ منطقة الأناضول (المنطقة الآسيوية من الجمهورية التركية حالياً او ماتعرف بآسيا الصغرى).
وتسبّبت صراعات العثمانيين والصفويين في القرنين الخامس والسادس لتعرض الشيعة لأبشع أنواع الفتك والترهيب والظلم والاضطهاد . وهو ما أدى الى تفرّق الشيعة في منطقة الاناضول وتشتتهم.
ومع بداية الاشتباكات التي نشبت بين الدولتين العثمانيّة والصفويّة، تعرّض الشيعة في الاناضول إلى ضغوط شديدة، وقُتل عدد كبير منهم على يد السلاطين العثمانيين بسبب تمرّدهم عليهم، كما قُتل آخرون منهم كإجراءٍ احترازيّا خوفاً من ثورتهم،حسبما تشير اليه العديد من الوثائق التي تنتمي إلى تلك الفترة، والتي تشير الى عدة فتاوى تُبيح قتل الشيعة واستئصالهم! .
ورغم هذا فإن انتشار التشيّع في الاناضول في تلك الفترة من الزمن، يوضح أنّه لولا التعصّب الطائفيّ الذي مارسته الدولة العثمانية لانتشر التشيّع في جميع أرجاء تركيا بشكل كبير جداً .
العلويون والتشيع
ويطلق اسم"العلويين" على الاتراك الشيعة الذين يرون خلافة الامام علي بن ابي طالب (ع) بعد رسول الله (ص) ، وهو ماذهب اليه العالم الانتولوجي ومدير الابحاث في المعهد الوطني للبحوث العلمية في باريس السيد آلتان غوكالب .
وفي حين يتمثل العلويون من قوميات عدة العربية والكردية والاقليات العرقية الاخرى ، فإن غالبيتهم من التركمان . ويتبع غالبية عرب تركيا المذهب الشيعي بينما يتبع 10% الى 30% من اكراد تركيا المذهب الشيعي .
وتتعدد انتماءات العلويين الى طوائف شيعية مختلفة ، فمنهم العلويون (النصيرية أو الخصيبية) ، والاثناعشرية ، والبكتاش ، والدروز . وتشير بعض الدراسات المعدة في عام 1995م والمنشورة في مكتبة الكونغرس أن نسبة الشيعة تصل الى الـ 30% وأن مايتم تداوله من أن الشيعة الاتراك هم من العلويين فقط لايمت الى الواقع بصلة، بل ينتسبون الى الاربعة طوائف السالفة الذكر .
وقد اشارت دراسات أعدت مؤخراً الى أن طوائف العلوية ، والاثناعشرية ، والبكتاش هم على المذهب الجعفري أو يرجعون الى المذهب الجعفري ، إلاَّ أن ماجرى للشيعة من ملاحقات وويلات من السلطات وتخفي شكل مناخاً مناسباً لنشوء الاختلافات وربما استيلاد عادات غريبة..!
والبكتاشية طائفة صغيرة وينحدر اسمها من أحد الأولياء ويدعى "الشيخ بكتاش"+. كما يسمي البعض اتباع هذه الطائفة بـالـ " قَزَلْباش" أو "كيزيلباش" وتعني بالتركية "الرؤوس الحمر"
ويرمى اتباع هذه الطائفة تاريخياً باتباعهم للشاه اسماعيل الصفوي وانهم ساهموا في إيصال الصفويّين إلى الحكم.
وتذهب بعض الدراسات الى أن جذور الدروز تعود إلى الفرقة الإسماعيلية، ويُعرف هؤلاء بالنهج الباطنيّ ، وينحدر أغلبهم من القومية الكردية.
الوضع الحاليّ للشيعة في تركيا
وقد بدأت الطائفة الجعفرية الاثنا عشرية الإسلامية بتركيا في الظهور العلني والإعلان عن نفسها وتنظيم احتفالات دينية بعد سيطرة حزب الرفاة ذي الميول الإسلامية على البلديات عام 1994، والوصول لحكم البلاد عام 1996 تحت زعامة نجم الدين أربكان في الانتخابات العامة.
ويتركز الشيعة الاتراك في المدن التركية الرئيسية وفي وسط وغرب الاناضول هذا الى جانب الارياف في جنوب شرق تركيا .
وتشير أرقام غير رسمية إلى أن عدد الشيعة في تركيا زهاء الـ 18 مليون نسمة أي (ربع عدد السكان)* ، و يتركزون في مناطق شمال شرق تركيا. فيما تحدث لشبكة التوافق الاخبارية مجموعة من المسلمين الاتراك عن وجود مايقارب الـ 20 مليون نسمة من الشيعة العلويين و 4 ملايين من الشيعة الاثناعشرية.
ويشكل العلويين نسبة 70% من مجموع شيعة تركيا في حين يمثل الشيعة الاثنا عشرية 20% الى 25% ، ويتوزع الباقي على الطائفتين الأخريين.
ويعتقد أن طائفة البكتاشية والذين يمثلون نسبة 2% الى 3% يرجعون في الأصل الى الشيعة الاثناعشرية ولكن ونتيجة للاضطهاد الذي مارسه العثمانيون تجاههم بدعوى ولائهم للصفويين تسبب في نشوء نزعة من التطرف والغلو لديهم واصبحت لهم خصوصية ميزت عن الطائفة الاثناعشرية .
وعادة مايلجأ بعض الاتراك المتشددين الى رمي الشيعة الذين هم شركائهم في الوطن بالـ "قَزَلْباش" وهو مايعتبره الشيعة هناك بمثابة الشتيمة والصاق تهمة العمالة للخارج . ولم يسلم الشيعة الاتراك من تجني الجهلة والطائفيين واختلاق الاكاذيب في حقهم والقول بأنهم يزنون بامهاتهم وامثال هذه الترهات التي لم تعد تنطلي على المسلمين .
وفي منطقة خلقالى بالقطاع الأوربي لمدينة إستانبول، يوجد للشيعة الاثنا عشرية مسجد يؤدون به الصلاة يسمى مسجد زينبية، وتسمح لهم جهات الأمن بالقيام باحتفالات ومظاهرات سلمية في الميدان الواقع أمام هذا المسجد.
كما يتواجد الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية في شرق تركيا، أيّ في محافظة " قارص "، وينتمون إلى الأتراك الآذريّين، وتتماثل ثقافة هؤلاء الشيعة مع ثقافة ومنهج إخوانهم الشيعة في دول العالم.
ومن المدن الشيعيّة المهمّة في هذه المحافظة مدينة " ايفْدِر "، وهي مدينة يقطنها ثمانية آلاف نسمة، ينتمي ثُلثا عددهم إلى المذهب الشيعيّ الإماميّ، بينما ينتمي الثُلث الباقي إلى المذهب السنيّ، ومنها مدينة " تُزْلوجا " وجميع سكّانها من الشيعة.
ويُقدّر عدد سكّان مدينة قارص ـ وهي مركز المحافظة ـ بسبعين ألف نسمة، ينتمي ثلُثهم إلى المذهب الشيعيّ الإمامي، في حين يُعد الثلث الآخر من العلويين، وينتمي الثلث الأخير إلى المذهب السنيّ.
ويعيش في مدينة " تاشلى جرى " ـ وتقع في محافظة " آغرى ـ ما يقرب من أربعة آلاف نسمة من الشيعة، ويوجد أعداد كبيرة من الشيعة في مدينة " اسطنبول " الواقعة في غرب تركيا، وأغلبهم من المهاجرين، ولهم مساجدهم التي يقرب عددها من عشرة مساجد أُسّست مؤخّراً، ولهم نشاطاتهم المتميّزة. ويعيش في مدينة " أنقرة " أكثر من 300 عائلة شيعية، ولهم فيها مسجدان.
أمّا في مدينة " إزمير " فهناك ما يقرب من 1500 عائلة شيعيّة، ولهم فيها مسجدان أيضاً.
ويعيش في مدينة صغيرة تدعى " ترگوتلو " ـ تقع في محافظة مانيسا ـ 600 عائلة شيعيّة يمارس أفرادها شعائرهم في مسجد خاصّ بهم، وهذه المدينة عمّاليّة يقطنها الشيعة المهاجرون الذين قدموا من المناطق الأخرى، كما يتواجد فيها أعداد كبيرة من العلويّين. ويقطن مدينة " بورسا " 150 عائلة شيعيّة، وقد شرع هؤلاء الشيعة في بناء مسجد لهم يصلّون فيه ويقيمون فيه شعائرهم.
ويُصدر الشيعة الإماميّة في تركيا مجلّة شهرية تدعى " عاشوراء "، وقاموا حديثاً بإصدار مجلّة أسبوعية اسمها " عَلَمدار
وقد خضع العلويّون لضغوط شديدة خلال فترة الحكم العثمانيّ، ثمّ فسحت لهم الدولة العلمانية الحاليّة المجال لتسنّم المناصب الحكوميّة، فاحتلّ بعضهم مراكز جيّدة في الدولة والجيش.
وقد بدأت خلال العقد الأخير حركة جيّدة في عودة هؤلاء العلويّين إلى أحضان التشيع، فتشيّعت في مدينة " چوروم " ـ التي تقرب نسبة العلويّين فيها من ستّين في المائة ـ حوالي ثلاثمائة عائلة، وبُني فيها مسجد أهل البيت عليهم السّلام.
ويجدر بالذكر أنّ مجلّة " عاشوراء " تصدر في هذه المنطقة، بيد أنّ الحساسيّة الخاصّة التي أبدتها الدولة مؤخّراً تجاه العلويّين تمخّضت عن فرض قيود جديدة عليهم.
ازدياد أعداد الشيعة في تركيا وإحياء مراسم عاشوراء
تشير المعلومات ان ارتفاع عدد أتباع أهل البيت (ع) في تركيا يعود لزيادة أقامه مراسم العزاء بمناسبة يوم العاشر من محرم الحرام حيث استشهد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في كربلاء عام 61 هجري قمري علي يد طاغوت عصره يزيد بن معاويه بن أبي سفيان.
وتشهد المساجد والحسينيات التركية هذه المراسم الحزينة في كل يوم عاشوراء من خلال نزول مواكب العزاء الحسينية إلى الشوارع الأمر الذي يودي عاما بعد آخر إلى زيادة المحبين للذرية الطاهرة للرسول الأعظم (ص).
وتؤكد المعلومات، ان انتصار الثورة الإسلامية في إيران أدى إلى ارتفاع عدد أتباع أهل البيت (ع) في هذا البلد بالرغم من المحاولات الرامية إلى نشر الأفكار العلمانية في تركيا منذ عهد الرئيس التركي مصطفي أتاتورك .
وقد كان في مدينه اسطنبول عام 1989 مسجدا واحدا لأتباع آل الرسول الأعظم (ص) ويعود للجالية الإيرانية هناك في حين يوجد الآن أكثر من 30 مسجد في هذه المدينة ويوجد أضافه إلى هذا العدد في المدن التركية الأخرى وهي انقره وبورسا وازمير وقارص واغدير أكثر من 250 مسجدا للطائفه الشيعية.
ويبذل حوالي عشرين مليون شخص من العلويين وأتباع أهل البيت (ع) في تركيا جهودهم لتسجيل يوم العاشر من محرم الحرام عطله رسميه فيما توجد في هذا البلد الكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية.
الأدب التركي الشيعي
للشيعة في تركيا أدب تركي قديم، ففي القرن الرابع عشر نظم الشاعر نقيب أوغلي قصة الحسن والحسين عليهما السلام، وهناك في القرن نفسه قصيدة (دستان مقتل حسين) نظمها الشاعر شادي اوشياد سنة 763 هـ بقسطموني، كذلك معاذ اوغلي البك بازاري ما يعرف بالمثنوي في غزوات علي عليه السلام، وفي سنة 803 هـ (1400م) كان أول ماصنف في الروملي قصيدة في رثاء الزهراء عليها السلام، نظمها خليل إمام مسجد قره بولت من أعمال أدرنة.
وكذلك ظهرت في القرن السابع عشر تآليف شعبية تصف غزوات النبي صلى الله عليه وآله ومعجزاته بصفة عامة وبطولات علي عليه السلام بصفة خاصة، وقد صيغت هذه التآليف في قالب المثنويات.
وأما في النثر فقد ظهرت كتب السير التي ألف في الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام وما جرى في كربلاء.
أما الشاعر فضولي الذي عاش في القرن السادس عشر ويعد أعظم شعراء اللغة التركية إذا استثنينا نسيمي ونوائي فانه قال عن نفسه وهو في جلال السن انه مدح علي بن أبي طالب عليه السلام خمسين سنة.