29 شوال 1432 - 28/09/2011
عبد الحسين الصالحي آل الشهيد الثالث
بداية...لو ألقينا نظرة عابرة في تاريخ المرجعية العظمى، لوجدنا لها تاريخاً حافلاً، ولقد انتهت الرئاسة والقيادة المرجعية إلى جمهور من عباقرة الأمة وأساطين الدين وزعماء الفكر الإسلامي، فلا مجال لذكره هنا في صفحات خصصت لذكرى سيدنا الأستاذ المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى المرحوم المغفور له السيد محمد الشيرازي (قدس سره)، الذي مر عام على وفاته، ونذكر بإيجاز بعض خصال ومزايا هذه الأسرة العملاقة، وتاريخه العلمي وجهاده الخالد.
آل الشيرازي من أعرق الأسر العلمية العلوية في كل من شيراز وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسامراء، وأشهرها في الملأ الشيعي، حيث نبغ منها جمهور كبير من أعلام الفكر وفرسان البيان وزعماء الدين وأبطال الجهاد وكانوا من حملة لواء العلم ودعائم المذهب والمرجعية العظمى خلفاً عن سلف، أباً عن جد، كان لهم دور حساس في العالم الإسلامي والمجامع العلمية العالية والنوادي الأدبية لأكثر من قرنين، وإن آثارهم ومآثرهم غرة ناصعة في جبين الدهر تتلألأ ما دامت الحياة.
عرفت هذه الأسرة العلوية الجليلة في شيراز في مطلع القرن الثالث عشر الهجري وأول من هاجر من هذه الطائفة من شيراز إلى العراق قاصداً الحوزة العلمية الكبرى في العتبات المقدسة، هو السيد محمد حسن المعروف بالمجدد الشيرازي، وذلك في عام 1259هـ وسكن كربلاء المقدسة، ثم انتقل إلى النجف الأشرف، ومنها استقر في سامراء.
وبزغ بدر هذه الأسرة الجليلة في أفق العراق على عهده الآتي ذكره وهو باني كيان هذا البيت ورائد نهضته العلمية الأولى، وانتشر صيت هذه الأسرة في عصره وعم فخرها وطبقت شهرتها الآفاق وقد خدم رجالها الأفذاذ المذهب الجعفري، من القرن الثالث عشر الهجري حتى يومنا هذا. وكان رجال هذه الطائفة عنوان المتصفين بغر الخصال والسجايا الحميدة والأخلاق الفاضلة وكرم النفس وحسن السلوك وعفة الذات والبساطة في المعاشرة، ولم يعبأوا بالزخارف والعناوين البراقة وكانوا صلحاء كثيري العبادة والزهد والورع والقداسة، لذا كانت زعامتهم ربانية حيث حكمت أقلامهم على أسياف الملوك وتيجان السلاطين.
قال شيخنا الأستاذ العلامة المحقق آغا برزك الطهراني في موسوعته الخالدة (طبقات أعلام الشيعة) في ترجمة الإمام السيد الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي قائلاً: (ويكفي للاستدلال على نفوذ حكمه وقوة سطوته مسألة امتياز التنباك التي قلبها رأساً على عقب حتى امتلأ السلطان ناصر الدين شاه القاجاري رهبة وخوفاً على نفسه، وأمرها أشهر من أن يذكر)(1).
النسب الكريم
وتنحدر هذه الأسرة الكريمة من ذرية السيد محمود بن السيد إسماعيل بن السيد فتح الله الحسيني الشيرازي أحد أعلام القرن الثالث عشر الهجري، وينتهي نسبه الشريف إلى زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
وقد أنجبت فروع هذا البيت الثلاثة من آل الشيرازي، في كل من كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسامراء، عدداً من أعاظم العلماء وفحول فقهاء الإمامية وأكابر المجتهدين، فصل تراجمهم أرباب السير وكتب التراجم ومعالم الرجال، وتعرض لتواريخهم وتراثهم حجة التاريخ شيخنا الأستاذ الشيخ آغابزرك الطهراني في موسوعته الخالدة (طبقات أعلام الشيعة) و (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) وكتابه (هدية الرازي إلى المجدد الشيرازي) وقد ذكرتهم في كتابي (كربلاء في حاضرها وماضيها) و (دايرة المعارف تشيع) بالفارسية (2).
وها نحن نبدأ بإيجاز بذكر جملة من أقطاب الفكر وأساطين العلم وزعماء الأمة ومراجع التقليد والفتوى الذين نبغوا من هذه الأسرة الكريمة.
أقطاب آل الشيرازي
1. غرتهم السيد الميرزا محمد حسن بن السيد الميرزا محمود بن السيد الميرزا إسماعيل بن السيد فتح الله بن عابد بن لطف الله بن محمد مؤمن الحسيني الشيرازي المعروف بالمجدد الشيرازي المولود في سنة 1230 والمتوفى في سامراء أول ليلة الأربعاء 24 شعبان سنة 1312هجرية، وحمل على الأعناق من سامراء إلى النجف، وتداول حمله الناس عامة من أهل سامراء وما بينها من المدن والقرى مشياً على الأقدام تبركاً ووفاء له ودفن في مقبرة جنب الصحن آخر ليلة من شعبان في الروضة الحيدرية، وكان من شيوخ الاجتهاد، وأعلى مراجع الإمامية في سائر البلاد الإسلامية وقد انحصرت فيه رئاسة المذهب الجعفري في عصره، وهو باني كيان هذه الأسرة.
ولد بشيراز في 15 جمادى الأولى سنة 1230هـ فأخذ علوم العربية وسائر الفنون الإسلامية ثم هاجر إلى أصفهان فحضر على الشيخ إبراهيم الكلباسي صاحب الإشارات، ثم انتقل إلى قزوين وأخذ العلوم العقلية والفلسفة العالية من العلمين الآخوند الملا آغا الحكمي والآخوند الملا يوسف الحكمي - وفي عام 1259هـ هاجر إلى العتبات المقدسة قاصداً الحوزة العلمية الكبرى وتخرج على الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ مرتضى الأنصاري حتى بلغ درجة عظيمة من العلم والمعرفة.
وبعد وفاة أستاذه الأنصاري رجع الناس إليه في أمر التقليد. قال شيخنا الأستاذ الشيخ آغا برزك الطهراني في موسوعته الخالدة (طبقات أعلام الشيعة): (ولما قضى الشيخ الأنصاري نحبه في سنة 1281هـ توجهت الناس إلى المترجم له ومدَّت أعناقها إليه، وأجمع زملاؤه من وجوه تلاميذ الشيخ على تقديمه للرياسة والإذعان له بالزعامة وانقادوا له حتى أصبح المرجع الوحيد للإمامية في سائر القارات، وقد كان المترجم له حسن التدبير ثاقب الفكر راجح العقل واسع الصدر لم يأل جهداً في إعلاء كلمة الدين وتعظيم الشعائر الإلهية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بلوازم الطلاب والمعوزين والفقراء والمساكين ومن نبا به الدهر وقلب له ظهر المجن من التجار وذوي البيوت الشريفة)(3).
وتصدر كرسي التدريس في كل من النجف الأشرف وسامراء وتخرج عليه جمهور من أعلام الطائفة وكان الزعيم المطلق للإمامية حتى قضى نحبه في أول ليلة الأربعاء 24 شعبان سنة 1312هـ، وخلف العالمين الجليلين السيد الميرزا محمد والسيد الميرزا علي آغا الآتي ذكرهما.
2. السيد الميرزا محمد بن المجدد الشيرازي السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي: من أعاظم العلماء وأكابر المجتهدين، فقيه متبحر وأصولي محقق، أكمل السطوح على أفاضل علماء النجف الأشرف وهاجر مع والده إلى سامراء وتفقه عليه وبرز بين زملائه، واشتهر بالعلم الغزير والمعرفة وكان من المرشحين للمرجعية بعد والده إلا أنه توفي في حياة والده، وهو النجل الأكبر للإمام المجدد الشيرازي.
3. السيد الميرزا اغا بن السيد أحمد بن السيد محمود الحسيني الشيرازي: توفي في يوم الثلاثاء 6 جمادي الثاني سنة 1336هـ ودفن في مقبرة عمه المجدد الشيرازي، وكان من العلماء الأتقياء، مجتهد فقيه أصولي نبيل عالم عامل ورع زاهد هو ابن أخ السيد المجدد الشيرازي وصهره على بنته والمتربي في حجره.
أخذ علوم العربية وفنون الأدب في شيراز وهاجر إلى النجف الأشرف زهاء سنة 1275هـ والتحق بحوزة الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى 1281هـ ثم انضم إلى مدرسة عمّه المجدد الشيرازي ورافقه إلى سامراء وتخرّج عليه، وبلغ درجة عظيمة في العلم والمعرفة، وتصدّر كرسي التدريس في كل من سامراء والنجف الأشرف.
ذكره شيخنا الأستاذ في كتابه (طبقات أعلام الشيعة) قائلاً: (كان المترجم له مشغولاً بتهذيب النفس والعبادة والإعراض عن الدنيا طول عمره إلى أن توفي في الثلاثاء (6 ج2 سنة 1336هـ) ودفن في مقبرة عمه المجدد، وتوفي ولده الفاضل السيد عبد الصاحب شاباً في حياة والده حدود (1330هـ) وبقي بعده ولده الأكبر التقي الورع الأديب الميرزا هادي)(4).
4. السيد الميرزا علي بن المجدد الشيرازي السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي: ولد في النجف الأشرف عام 1287هـ وتوفي بها في ربيع الأول سنة 1355هـ، من مراجع الفتيا والتقليد وأساتذة الفقه والأصول، فقيه متبحر أصولي محقق كبير، تفقّه على أبيه المجدد الشيرازي وتخرّج على أعلام عصره حتى بلغ درجة سامية في العلم ونبغ في المعقول والمنقول وكان على سيرة والده.
تصدّر كرسي التدريس والفتيا والتف حوله طلاب العلوم وتقلّد المرجعية العظمى وطبعت رسالته العملية وانتهت إليه الرئاسة الإمامية، ومدحه الشعراء الأدباء حتى توفي في ربيع الأول سنة 1355هـ، وأعقب العلمين السيد محمد حسن المتوفي سنة 1392هـ والسيد محمد حسين وله ذرية باقية ذكره أرباب السير ومعاجم الرجال منهم دانشمندان فارس ج3 ص689. ومعارف الرجال ج2 ص138 ومكارم الآثار ج3 ص889.
5. السيد الميرزا محمد حسن بن السيد الميرزا علي بن المجدد الشيرازي السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي: ولد في النجف الأشرف سنة 1318هـ توفي بها عام 1392 هجرية، من أساتذة الفقه والأصول، مجتهد كبير فقيه متبحر أصولي محقق تخرّج على والده والشيخ ضياء العراقي، تصدى للتدريس والفتيا، ثم انعزل واشتغل بالعبادة والتبتل حتى توفي في سنة 1392هـ وله نظم جميل وقصائد وأراجيز في أهل البيت (ع)، وله أيضاً (خصائص علي وآله) وكتاب (لباب الفقه) وغيره.
ذكره شيخنا الأستاذ في (نقباء البشر) ج4 ص1565.
6. السيد هاشم بن السيد الميرزا محمد بن المجدد الشيرازي السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي: ولد في النجف الأشرف سنة 1293هـ وتوفي بها عام 1362هـ، زعيم ديني مطاع مجتهد كبير فقيه متضلع، ومن أساتذة الفقه والأصول، وشاعر متفنن. تفقّه على أبيه وأعلام عصره، شارك في مطارحات واختلط بعمالقة الأدب والشعر فنظم وأجاد وأبدع في فنون الشعر.
ذكره الخاقاني في كتابه (شعراء الغري) ج12 ص423 وله ديوان شعر.
7. السيد الميرزا إسماعيل بن السيد الميرزا رضي الدين بن السيد الميرزا إسماعيل بن السيد فتح الله بن السيد عابد بن السيد لطف الله بن السيد محمد مؤمن الحسيني الشيرازي: ولد في شيراز سنة 1258هـ توفي في الكاظمية 10 شعبان 1305هـ، من أساطين العلم وأكابر المجتهدين وأعلم علماء عصره، أخذ الأوليات في شيراز ثم هاجر إلى سامراء وأكمل السطوح على جملة من الأفاضل وانضم إلى حوزة ابن عمه الإمام المجدد الشيرازي المتوفى سنة 1312هـ حتى بلغ درجة عظيمة في العلم والمعرفة وبرز بين أقرانه واعترف بفضله الكثير من أهل الكمال وطار صيته.
ذكره شيخنا الأستاذ الشيخ آغابزرك الطهراني في موسوعته الخالدة (طبقات أعلام الشيعة) قائلاً: (وكان خال أولاد المجدد وقد تربى بتربيته، لم يختر للتلمذة والاستفادة غيره من بدء أمره إلى حين وفاته، وقد بلغ من العلم والفضل والأدب كل مبلغ وبرز بين أقرانه من تلامذة المجدد حتى كان هو المقرب عنده وكاد أن يتولى الزعامة الدينية بعده إذ قد رشح للمنصب نظراً لقابليته إلا أن القدر عاجله فتوفي في الكاظمية في حياة المجدد في العاشر من شعبان 1305هـ بعد مرض طويل وحمل إلى النجف فدفن في الحجرة الثانية الشرقية من طرف جنوب الصحن وفيها قبر أخته العلوية زوجة السيد المجدد، وقد فجع العلم والعلماء بوفاته ورثاه جمع من الشعراء والأعلام.
وكان المترجم له مع علمه الجم وتفقهه في الدين أديباً لامعاً وشاعراً كبيراً له شعر كثير في مدائح أهل البيت (ع) ومراثيهم.. وخلف من الذكور السيد الميرزا عبد الحسين نزيل طهران الذي توفي بالنجف سنة 1365هـ ودفن في مقبرة المجدد الشيرازي، والسيد عبد الهادي المولود عام وفاة والده، المتوفى سنة 1382هـ) (5).
8. السيد عبد الهادي بن السيد إسماعيل بن السيد رضي الدين السيد محمود بن السيد إسماعيل بن السيد فتح الله بن السيد عابد بن السيد لطف الله بن السيد محمود مؤمن الحسيني الشيرازي: ولد في مدينة سامراء سنة 1305هـ وتوفي في النجف الأشرف 10 صفر سنة 1382هـ، وهو من أئمة الفتيا والتقليد وكبار مراجع الشيعة وأعلام الإمامية وشاعر بليغ ومن المدرسين البارزين في عصره، أكمل المقدمات والسطوح العالية في سامراء.
ثم هاجر إلى النجف الأشرف والتحق بحوزة الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية وشيخ الشريعة الأصفهاني وتخرّج في الفقه والأصول في كربلاء المقدسة على زعيم الثورة العراقية الكبرى الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري، وبعد وفاة أستاذه الأخير في عام 1238هـ استقل بالتدريس وتصدر كرسي الفتوى ورئاسة الإمامية، والتف حوله جمع غفير من الأعلام وأرباب الفضيلة من العرب والعجم، وكان على جانب كبير من التقوى والعفة والتواضع، وانتهت إليه الزعامة الدينية العامة والمرجعية العظمى والرئاسة العلمية واتسعت مرجعيته بعد وفاة السيد الآغا حسين البرجوردي في سنة 1380هـ لفترة قصيرة إلا أنه توفي في 10 صفر سنة 1382هـ، كان ينظم جيداً بالعربية والفارسية.
9. السيد محمد إبراهيم بن السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي: المولود في سنة 1349هـ، عالم جليل أديب شاعر مجاهد مناضل ولد وترعرع في بيت علم وإمامة وأخذ العلوم الإسلامية وفنون الأدب على جملة من أفاضل تلاميذ والده. التحق بحوزة درس السيد الخوئي (قدس سره) وتزوّج بابنة العلامة الكبير السيد موسى آل بحر العلوم، وفي العراق اعتقلته السلطة الحاكمة وزج به في السجن وله شعر جيد.
10. السيد حبيب الله بن السيد آغابزرك بن السيد محمود بن السيد إسماعيل بن السيد فتح الله بن عابد بن لطف الله بن محمد مؤمن الحسيني الشيرازي: من أعلام كربلاء المقدسة وهو أبو أسرة آل الشيرازي في الحائر الشريف، وأول من سكنها مع والده السيد الميرزا آغابرزك، وداره في محلة المخيم في زقاق (مائية) ويقال (زقاق معاوية) قريباً من باب القبلة في الروضة الحسينية، الموجود في ملكية أحفاده حتى اليوم، وصاهر زعيم الثورة العراقية الكبرى الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي على أخته العالمة الفاضلة (رضية خانم) بنت الشيخ الميرزا محب علي الشيرازي الحائري، فرزق منها المرجع الديني الأعلى السيد الميرزا مهدي الشيرازي الآتي ذكره (6)، ذكرته في كتابي (كربلاء في حاضرها وماضيها).
11. السيد الميرزا جعفر بن السيد الميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي الحائري: المتوفى في طهران سنة 1370هـ ودفن في بقعة أبو الفتوح الرازي في روضة الشاه عبد العظيم الحسني في مدينة ري، مجتهد نحرير فقيه متضلع أصولي متتبع، من أجلاء العلماء في عصره.
ولد ونشأ في كربلاء المقدسة، أخذ المقدمات وأكمل السطوح العالية على جملة من أفاضل علمائها ثم هاجر إلى النجف الأشرف والتحق بحوزة العلمين النائيني وآغا ضياء العراقي، وكان من زملاء الإمام الخوئي في مرحلة الدراسة وهو عم الإمام الراحل وشقيقه الأصغر السيد الميرزا مهدي الشيرازي، مرض في النجف الأشرف فسافر للعلاج إلى طهران، وتوفي بها ودفن في بقعة أبو الفتوح الرازي. خلّف بنتين فاضلتين.
12. السيد الميرزا مهدي بن السيد الميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي الحائري: ولد في كربلاء المقدسة سنة 1304هـ، وتوفي بها في شعبان عام 1380هـ، من أئمة الفتوى والتقليد، وأكابر مراجع الشيعة في عصره ومن أساتذة الفقه والأصول وزعيم الحوزة العلمية في الحائر الشريف، أخذ علوم العربية وفنون الأدب حتى مراحل السطوح العالية على جملة من أفاضل كربلاء المقدسة.
وتخرّج في الفقه والأصول على يد زعيم الثورة العراقية الكبرى الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى سنة 1338هـ، ثم واصل دراسته في النجف الأشرف على يد الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية)، والسيد محمد كاظم اليزدي صاحب (العروة الوثقى) والشيخ آغا رضا الهمداني والميرزا محمد حسين النائيني والشيخ آغا ضياء العراقي حتى حاز على درجة عظيمة من الفضل والاجتهاد ثم رجع إلى موطنه كربلاء المقدسة وتصدّر كرسي التدريس والفتيا والإمامة.
مرجعية السيد مهدي الشيرازي قدس سره
وبعد وفاة السيد حسين القمي الطباطبائي الحائري في سنة 1366هـ انتهت إليه المرجعية وزادت وجاهته عند العامة والخاصة لقدسيته وورعه، وكان كثير الرزانة والوقار والتروي والهيبة والنبل بعيداً عن زخارف الدنيا والتظاهر والتصنع، وكان يتجنب المرجعية والرئاسة، ولا يقيم لها وزناً، وينظم الشعر العربي والفارسي وله مؤلفات هامة، منها أجوبة المسائل الاستدلالية، بداية الأحكام، الدعوات المجربة، رسالة في التجويد، رسالة في الجفر، رسالة في فقه الرضا، رسالة في المباحث الأصولية، الكشكول في مختلف العلوم، هدية المستعين في الصلوات المندوبة.
وله كتب مطبوعة، منها شرح العروة الوثقى، ذخيرة الصلحاء، ذخيرة العباد. توفي في شعبان سنة 1380هـ، ودفن في ديوان الشيرازي في شرق الصحن الحسيني الشريف، وقبره مزار معروف. وخلفه في المرجعية والإمامة نجله الأكبر السيد محمد وله أيضاً من الذكور الشهيد السيد حسن الشيرازي الذي استشهد في سنة 1400هـ وهو مؤسس الحوزة العلمية الزينبية، والسيد صادق الشيرازي الذي خلف شقيقه السيد محمد في المرجعية والسيد مجتبى زعيم الشيعة في لندن الآتي ذكرهم (7).
13. السيد محمد بن السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي: ولد في النجف الأشرف سنة 1347هـ وتوفي في قم المقدسة غرة شوال سنة 1422هـ، من كبار مراجع التقليد والفتيا ورئيس روحي فذ ومن الزعماء الدينيين المجاهدين وفي طليعة الفقهاء المناضلين ومشاهير أعلام الطائفة الجعفرية، ولد في النجف الأشرف ونشأ في كربلاء المقدسة.
أخذ المقدمات وعلوم العربية على أفاضل علماء الحائر الشريف والسطوح على الشيخ حعفر الرشتي في مدرسة الهندية في محلة باب الطاق، ثم تفقّه على والده والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ محمد رضا الأصفهاني وغيرهم، حتى بلغ درجة عظيمة في الفقه والأصول المعقول والمنقول وسائر العلوم الإسلامية.
وبعد وفاة أبيه في عام 1380هـ التفّ حوله أهالي كربلاء المقدسة بجميع طبقاتهم وقد تصدى للمهام الشرعية والاجتماعية وطلبوا منه إصدار رسالته العملية وكتب حواشي على رسالة والده وتصدّر كرسي تدريس البحث الخارج فقهاً وأصولاً في ديوان الشيرازي في الصحن الحسيني المطهّر.
وقد قام بها خير قيام كما قاد النهضة الفكرية في الحائر الشريف، ودعا المثقفين إلى الانتماء إلى الحوزة العلمية وساهم في بناء المدارس الدينية واهتم بتحسين أحوال الطلبة وأمر معاشهم وقضاء حوائجهم وتربية العلماء والمبلّغين، وقد تخرّج من مجلس بحثه جمع غفير من إجلاء الفضلاء والعلماء والمبلّغين، وذلك لنبوغه وعبقريته ودقة نظره وذكائه وفراسته ونظره العميق في متطلبات العصر ومصالح المسلمين والأمور العامة.
جهاده ضد الشيوعية والإستعمار
وحسبك موقفه الجبار في أيام المدّ الأحمر والطغيان الشيوعي حيث دافع عن كرامة الإسلام والشرع الشريف، لما كان له من الوقع العظيم في النفوس، وبذل كلّ ما لديه وبوسعه حتى أصبحت كربلاء المقدسة ملجأً للمؤمنين، إن التاريخ لن ينسى مواقفه المظفرة.
وقد صاهر الحاج صالح المعاش على بنته في كربلاء، وقد عاشرته سنين طوال وحضرت مجلس درسه، فما رأيت منه زلة، ما سمعت منه إلا الإشارات والتنبيهات الرشيقة، وكان بحراً لا ينال قعره، آية في الحفظ، يجلب الحيرة لسامعه، كثير التتبع واسع الاطلاع، حسن السليقة، ذا فكر دقيق وفراسة غريبة، محيطاً بالآثار والأخبار والتراث الإسلامي، بلغ في ذلك درجة سامية لم يصلها أحد معاصريه، وأفنى عمره الشريف في البحث عن أسرار الديانة، والذب عن بيضة الإسلام.
وقد حاربه الاستعمار والحاقدون بشتى الوسائل، حتى أصدر بعض البسطاء تلك الفتاوى الخبيثة فخرج من جميع ذلك منتصراً مظفراً، وله تصانيف وتآليف قيمة وكثيرة متنوعة في فنون العلم نظماً ونثراً، بلغت أكثر من خمسمائة عنوان في ألف وثلاثمائة مجلد بين كتاب ورسالة في التفسير والحديث والفقه والأصول والعقائد والكلام، والتاريخ وغيره، أشهرها موسوعته الفقهية في مائة وستين مجلداً، تشمل أكثر من سبعين ألف صفحة من الحجم (24×17) تبدأ من كتاب الاجتهاد والتقليد إلى الديات، ولقد تميزت بكثرة التفريعات والمسائل المستحدثة، وتضمن البحث الفقهي عن كثير من العلوم الحديثة كعلم السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والقانون والطب الإدارة والإعلام والبيئة وما أشبه.
وتقريب القرآن إلى الأذهان في 30 مجلداً، توضيح نهج البلاغة في 4 مجلدات، الوسائل إلى الرسائل 18 مجلداً، الوصول إلى كفاية الأصول 5 مجلدات، إيصال الطالب إلى المكاسب 16 مجلداً، سلسلة من حياة المعصومين 14 مجلداً، القول السديد في شرح التجريد مجلد واحد، شرح منظومة السبزواري..
كان الإمام الشيرازي داعية اللاعنف، وقد أفتى بحرمة جميع أنواع العنف والإرهاب حتى ضد الكفّار والمشركين، وهناك تفصيل عن حياته في كتابي (كربلاء.. حاضرها وماضيها).
14. الشهيد السيد حسن بن السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي ولد في النجف الأشرف سنة 1354هـ، واستشهد عصر يوم الجمعة في بيروت 16 جمادى الآخرة سنة 1400هـ، نقل جثمانه الشريف إلى قم المقدسة، ودفن في روضة السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها .عالم خبير متبحّر، وزعيم ثائر، و مناضل مجاهد ومن أشهر أعلام الشيعة ومجتهدي عصره في الغيرة الدينية ومؤسس الحوزة الزينبية بجوار السيدة زينب الكبرى في دمشق.
نشأ على حبّ العلم وأخذ المقدمات وفنون الأدب على أفاضل علماء كربلاء المقدسة وأكمل السطوح على الشيخ جعفر الرشتي في المدرسة الهندية، ثم تفقّه على والده وشقيقه السيد محمد الشيرازي والسيد عبد الهادي الميلاني وأخذ العقليات والفلسفة العالية من حوزة الشيخ محمد رضا الأصفهاني حتى حاز مرتبة سامية في المعقول والمنقول ودرجة كبيرة في العلم والمعرفة والاجتهاد وتصدّى للتدريس في كربلاء المقدسة فالتف حوله طلاب العلوم الدينية من العرب والعجم، وذاع صيته، ونظر إليه النابهون من العلماء بعين الإكبار واعترفوا بفضله ومكانته العلمية، وقد لازمته سنين، فكانت تلوح عليه إمارات النبوغ والفطنة.
ويمتاز بين جميع زملائه بفراسة عجيبة وفكر دقيق وذكاء مفرط ونظر عميق، وأن التاريخ لا ينسى مواقفه المظفرة وجهاده العظيم في أيام المد الأحمر والطغيان الشيوعي الذي ثار ضده ودافع عن كرامة الإسلام والشرع المطهر، ووقف أمام حكم الطاغية في العراق موقف الباسل المناضل.
وقد تحمّل التعذيب وسجن في العراق وبعد وساطات دولية ومحلية أطلق سراحه وهاجر إلى لبنان في عام 1970م واهتم بتأسيس الكثير من المؤسسات والحسينيات والمساجد والمركز الثقافية في كل من العراق وسوريا ولبنان وأوروبا واستراليا وأفريقيا، ومن أهم هذه المراكز تأسيس الحوزة العلمية الزينبية بجوار السيدة زينب الكبرى في دمشق القائمة حتى اليوم حيث يدرّس الفقه الشيعي، وينتمي إليها جماعة من طلاب العلوم الدينية من مختلف أقطار العالم، وقد خلف الشهيد الإمام الشيرازي تراثاً علمياً هاماً، منه كتابه (خواطري عن القرآن) (8) في ثلاثة مجلدات، وموسوعة الكلمة في خمسة وعشرين مجلداً.
15. السيد صادق بن السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي: ولد في كربلاء المقدسة 20 ذي الحجة سنة 1360هـ، من مراجع التقليد وأئمة الفتوى، مجتهد كبير سيد الطائفة والعلماء العاملين والأتقياء والمتورعين وأستاذ في الفقه والأصول في قم المقدسة، ولد في بيت علم وإمامة، أخذ المقدمات وفنون الأدب على أفاضل علماء الحائر الشريف وأكمل السطوح على الشيخ جعفر الرشتي والشيخ محمد حسين المازندراني والشيخ محمد الكلباسي وتفقّه على والده وشقيقه الإمام السيد محمد الشيرازي، أخذ الأصول وعلم الكلام على السيد محمد هادي الميلاني والشيخ يوسف الخراساني والشيخ محمد رضا الأصفهاني، حتى بلغ درجة عظيمة في الفقه والأصول وحاز مرتبة سامية في الاجتهاد.
ثم تصدّى للتدريس في كربلاء المقدسة، وفي عام 1319هـ هاجر إلى الكويت ثم استقر في قم المقدسة، وهو من أكابر المدرسين في قم، وله حوزة عامرة بالفضلاء من مختلف المستويات، وتخرّج من مدرسته جمع غفير من الأعلام والفضلاء والخطباء والمؤلفين.
وبعد وفاة شقيقه الإمام السيد محمد الشيرازي في 2 شوال سنة 1422هـ تحمّل أعباء المرجعية وهو اليوم أحد مراجع الإمامية، وقد عاشرته منذ طفولتي وكان صاحب الأفكار العميقة والأنظار الدقيقة والنبوغ المبكر، فما رأيت منه زلة ولا مكروها. يتجنب زخارف الحياة ومظاهر الدنيا، ورع زاهد عابد تقي نقي ذو همة عالية ومنزلة رفيعة، عظيم الشأن كريم الأخلاق جليل القدر جم الفضائل وقد شهد أخوه -أعلى الله مقامه- على مرجعيته برسالة هذا نصها:
إرجاع وتأييد من الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) لآية العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في أمر الفتوى والتقليد والتصدي لأمور المرجعية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
وبعد، فإن جناب آية الله الحاج السيد صادق الشيرازي (دامت تأييداته) بما لمست منه من بلوغ مرتبة راقية في الاجتهاد ومقام سام في التقوى والعدالة، وجدته أهلاً للفتيا والتقليد، والتصدي لما هو شأن الفقيه العادل، فيجوز تقليده والرجوع إليه في كل ما يشترط فيه من إذن المرجع العادل، وإني أوصيه بمزيد التقوى والاحتياط الذي هو سبيل النجاة في عامة الأحوال، كما أوصي إخواني المؤمنين بالالتفاف حوله والاستفادة منه في شتى المجالات، والله ولي التوفيق التسديد، وهو المستعان.
محمد الشيرازي
الختم الشريف
وله مؤلفات نافعة متداولة بين الفضلاء، منها شرح العروة الوثقى، توضيح شرائع الإسلام أربعة مجلدات، وقد لقي استقبالاً في الحوزات العلمية، شرح تبصرة المتعلمين في مجلدين وطبع عدة مرات، شرح السيوطي - مجلدان، طبع عدة مرات، السياسة من واقع الإسلام مطبوع، وغير ذلك.
16. السيد مجتبى بن السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي، ولد في سنة 1362هـ، من العلماء الأجلاء، مجتهد متضلع، مرجع للأمور الشرعية للشيعة الإمامية في لندن، ولد في بيت علم وإمامة، وترعرع في أحضان الفضل والتقوى وفنون الأدب على رجال أسرته وأفاضل علماء كربلاء المقدسة، ودرس السطوح على الشيخ جعفر الرشتي في مدرسة الهندية، وتفقّه على أخيه الأكبر الإمام السيد محمد الشيرازي، وحاز مرتبة سامية في العلوم الإسلامية، جد واجتهد.
كان من أركان الثورة الإسلامية في إيران، وله قصائد جيدة ورائعة في تحريض الشعب الإيراني ضد الشاه، إلا أنه ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، كانت دارنا مجاورة لداره في زقاق واحد، وبيننا علاقات مودّة واخوّة، وبعد الثورة الإسلامية في إيران هاجر إلى الغرب وسكن لندن، وهو اليوم أحد زعماء الشيعة هناك، ومن مراجع الأمور الشرعية فيها.
17. السيد محمد رضا الشيرازي النجل الأكبر للإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي: مجتهد متضلع فقيه أصولي مدرس فذ، ولد في كربلاء المقدسة سنة 1379هـ، نشأ وترعرع في ظل والده فتهذب بأدبه وتعلّم من أخلاقه وعلمه، بدأ دراسته الأولية في مدرسة حفاظ القرآن الكريم ثم التحق بالحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة.
حضر المقدمات على علمائها ثم هاجر بصحبة والده إلى الكويت فقرأ الرسائل والمكاسب على عمه السيد صادق الشيرازي وفي سنة 1399هـ هاجر إلى إيران فحل بمدينة قم المقدسة واستمر في دراسته وأكمل السطوح العالية عن والده وعمه، ثم التحق بحوزة الوحيد الخراساني حتى نال مرتبة الاجتهاد وتصدر لتدريس الخارج في سنة 1408هـ ولا يزال مستمراً في ذلك في حوزة قم المقدسة.
له مؤلفات نافعة منها كتاب (التدبر في القرآن) طبع الجزء الأول منه في بيروت والجزء الثاني في الكويت، كتاب (الترتب) بحث أصولي عميق، (الرسول الأعظم رائد الحضارة الإسلامية) طبع في بيروت، (كيف نفهم القرآن؟) طبع في بيروت عام 1408هـ - 1998م، (إرادة الإنسان فوق التحديات) طبع مراراً، (خطب الجمعة) طبع المجلد الأول في الكويت في العام 1419هـ - 1998م.
18. السيد مرتضى نجل الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي: فقيه محقق بحّاثة مجاهد مناضل، ولد في كربلاء المقدسة سنة 1384هـ، أخذ المقدمات على جماعة من الأفاضل منهم الشيخ البامياني والشيخ ستودة والشيخ الدوزدوزاني وغيرهم.. ثم انضم في مرحلة الخارج إلى حوزة والده وعمه السيد صادق الشيرازي والوحيد الخراساني وغيرهم حتى نال مرتبة الاجتهاد.
خاض ميدان السياسة وتعرض للمطاردة والاعتقال في إيران وبعد تسعة أشهر من الاعتقال أطلق سراحه فترك إيران، وهو الآن يتردد بين دول مختلفة في سبيل التبليغ الإسلامي وإعلاء كلمة التشيع.
له مؤلفات عديدة منها كتاب (شورى الفقهاء) وأجيز المؤلف على إثر هذا الكتاب بعدة إجازات اجتهاد، (أضواء على حياة الإمام علي(ع))، (شعاع من نور فاطمة(ع))، (في السجن مذكرات)، (الحوار الفكري)، (السيدة نرجس مدرسة الأجيال).
19. السيد جعفر ابن الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي: ولد في كربلاء المقدسة سنة 1390هـ، أخذ المقدمات والسطوح على أعلام أسرته وتفقّه على والده وعمه السيد صادق الشيرازي وغيرهم وهو اليوم من المدرّسين في الحوزة العلمية الزينبية وحوزة قم المقدسة، من مؤلفاته كتاب (التجري).