13 ذو القعدة 1437 - 17/08/2016
ولادته ونشأته:
المقداد بن عمرو بن ثعلبة، بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهرائي، هذا هو اسمه الحقيقي، ولد عام 24 قبل البعثة في حضرموت.
نشأ في ظل أبيه ورعايته، وحنان أمه وعطفها، ضمن مجتمع ألِفَ مقارعة السيف، ومطاعنة الرمح، فكانت الشجاعة إحدى سجاياه التي اتّصف بها فيما بعد.
سيرته:
حين كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلافٌ، فما كان من المقداد إلا أن تناوله بسيفه، فضرب رجله وهرب إلى مكة.
وكان يقول: لأحالفنّ أعزّ أهلها ولم يخنع ولم يضعف، وعند ذلك حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنّاه، ومنذ ذلك اليوم صار اسمه (المقداد بن الأسود) نسبة لحليفة، و (الكندي) نسبةً لحلفاء أبيه، وقد غلب عليه هذا الاسم، واشتهر به، حتى إذا نزلت الآية الكريمة (إدْعوهم لآبائهم)، قيل له: المقداد بن عمرو.
فضله وإيمانه:
وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء، النجباء، الكبار، الخيار، من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سصلى الله عليه وآله وسلمريع الإجابة إذا دُعي إلى الجهاد. شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمّة، طويل الأناة، طيّب القلب صبورًا على الشدائد، يحسن إلى ألدّ أعدائه طمعًا في استخلاصه نحو الخير، صلب الإرادة، ثابت اليقين، لا يزعزعه شيء، ويكفي في ذلك ما ورد في الأثر: (ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد).
وذكر ابن مسعود أن أوّل من أظهر إسلامه سبعة، وعدَّ المقداد واحدًا منهم وكان من الفضلاء النجباء، إلا إنه كان يكتم إسلامه عن سيّده الأسود بن عبد يغوث خوفًا منه على دمه، شأنه في ذلك شأن بقيّة المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش.
ورى أنس مرفوعاً: أن الجنة تشتاق إلى أربعة علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والمقداد.
عن هشام بن سالم قال أبو عبد الله (عليه السلام): “إن منزلة المقداد بن الأسود في هذه الأمة كمنزلة ألف في القرآن لا يلزق بها شيء”
وفي تاريخ الخلفاء: ص187 وتاريخ الطبري: ج11/ ص551 عن رسول الله: “إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبو ذر والمقداد وسلمان”.
موقفه من أصحاب الشورى:
كان الناس على فريقين بخصوص أصحاب الشورى الستة الذي عيّنه عمر، ففريق يريدها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الفريق المتمثل ببني هاشم وشيعة علي أمثال عمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو، وفريق يريدها لعثمان بن عفان، وهو المتمثل بابن سرح، وابن المغيرة وبقيّة بني أميّة وأتباعهم.
وتعالت الأصوات كلٌ ينادي باسم صاحبه، فأقبل المقداد على الناس وقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو، إنّكم إن بايعتم عليًا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عثمانًا سمعنا وعصينا!
فقام عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وقال: أيها الناس، إنكم إن بايعتم عثمانًا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عليًا سمعنا وعصينا!
فانتفض المقداد ورد عليه قائلاً: (يا عدو الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ كتابه، متى كان مثلك يسمع له الصالحون).
ولما بويع لعثمان بالخلافة، عبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن عدم رضاه لهذه النتيجة، لكنّه سلّم بالأمر الواقع، قائلاً: (لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة).
وقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أُوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، واعجبًا لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحدًا أقضى بالعدل، ولا أعلم، ولا أتقى منه، أما والله لو أجد أعوانًا… الخ.
فالتفت الإمام علي (عليه السلام) نحو المقداد، وقال مسلّيًا ومهدّئًا: إني لأعلم ما في أنفسهم، إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر في صلاح شأنها فتقول: إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدًا، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش.
وفاته:
توفّي المقداد (رضوان الله عليه) سنة 33 هـ، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ من العمر سبعين عامًا، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنوّرة.