29 جمادى الأولى 1432 - 03/05/2011
زار جمع من الخطباء والمبلغين والرواديد، المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وكان من بين الحظور فضيلة الخطيب الحسيني الدكتور الشيخ علي السّماوي دام عزّه، برفقة الرادود الحسيني محمد القلعاوي. وكذلك وكيل سماحة المرجع الشيرازي في النرويج، فضيلة السيد داود الموسوي الحيدري دام عزّه، ومسؤول حسينية كوثر النبي صلى الله عليه وآله في العاصمة النرويجية أوسلو، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم أمس الأحد الموافق للسابع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1432 للهجرة، فرحّب سماحته بالضيوف الكرام، وقال: كان رجل في كربلاء اسمه عبد الرضا وكان يعمل حفّاراً للقبور في الروضة الحسينية المطهرة وكان رجلاً متديناً وملتزماً.
جاءوا إليه ذات يوم بامرأة من إحدى القرى في أطراف كربلاء وطلبوا منه أن يدفنها. وكان من المعمول عند دفن المرأة أن يقوم أحد من محارمها بإنزالها في القبر ولكن هذه المرأة لم يكن لديها من المحارم سوى ولد صغير وكان لا يستطيع فعل ذلك، فطلبوا من عبد الرضا أن يفعل ذلك.
في ذلك الزمان كان السرداب تحت الروضة الحسينية المطهرة خالياً ومهيّأً لدفن الأموات، فلم تكن عملية دفن الميت في هذا المكان تستغرق أكثر من عشر دقائق. فدخل عبد الرضا إلى السرداب ليدفن المرأة والناس ينتظرون فلم يخرج، فانتظروه لفترة أخرى فلم يخرج أيضاً، فنادوه ولكنهم لم يسمعوا جواباً. فدخلوا السرداب فوجدوا عبد الرضا ملقى على الأرض وهو مغمى عليه. فأخرجوه وبعد أن سكبوا الماء على وجهه أفاق وسأل عن ابن المرأة المتوفاة. وعندما جاء الولد سأله عبد الرضا: هل كان لأمّك ارتباط خاص بمولانا سيد الشهداء سلام الله عليه؟
قال الولد: لا أظن، ولكن أمّي كانت ملتزمة بالواجبات وكانت تزور الإمام الحسين سلام الله عليه اسبوعياً وكان تواظب أيضاً على باقي الزيارات الخاصة بالإمام سلام الله عليه في المناسبات. ولدينا بستان صغير ورؤوس من الغنم وكانت أمّي تبيع محصول هذا البستان والحليب واللبن لنرتزق بها، ولكنها في ليالي الجمع كانت تقوم بتوزيع محصول البستان والحليب واللبن مجاناً على زوّار مولانا سيد الشهداء سلام الله عليه.
قال عبد الرضا: عندما دخلت القبر لأنزل المرأة فيه جهدت كثيراً في أن لا تلامس يدي جسد المرأة وأقوم بإنزالها من خلال مسك أطراف الكفن وفي هذه الأثناء وجدت نفسي في حديقة كبيرة جداً ومليئة بالخضار وبالفاكهة وبطيور جميلة ورأيت فيها شخصاً أظن أنه مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه. فمن دهشتي أغمي عليّ وسقطت على الأرض.
وعقّب سماحته بقوله: إنّ قضية مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه قضية استثنائية، فيجدر اغتنام فرصة الخدمة في سبيلها، لأنها فرصة ذهبية بل أعظم، فهذا الوصف على سبيل التشبيه وبسبب غياب المصطلحات التي تليق بهذه القضية، فإن الألفاظ تعجز عن وصفها وتشبيهها.
على سبيل المثال، قد يثاب المرء في يوم القيامة على أدائه صلاة الليل لمدة عام واحد، لكن ثوابه سيكون أعظم وأكبر بالنسبة لمسألة ثانوية وجزئية كأن يقوم بإصلاح ذات البين والتوفيق بين مؤمنين ـ و هي قد لا تأخذ من وقته دقائق معدودة ـ والتقصير في هذا العمل يورثه الحسرة والندم في ذلك اليوم الشديد.
وأضاف سماحة المرجع الشيرازي: بشكل عام يصدق هذا المثال على أفعال الخير كلّها، ولكن بالنسبة لخدمة القضية الحسينية، فهو يتجلّى بشكل أكثر سطوعاً وإشراقاً، ولا شك أنّ حسرة التقصير في تأدية هذه الخدمة ستكون أمرّ وأشدّ على الإنسان من أي حسرة أخرى.
جاء في الروايات أنّ في التقصير في زيارة الإمام سيّد الشهداء سلام الله عليه لمن يمكنه ذلك، حسرة ما بعدها حسرة، لأنّ لخدّام الإمام أبي عبد الله سلام الله عليه وزائريه مكانة سامية، وهم سيحظون بالنظر إلى مقام الإمام في جنّات الفردوس في يوم القيامة، لذا ستغمر الحسرة كل من قصّر في أداء هذا العمل وفرّط بثوابه.
وشّدد سماحته قائلاً: إنّ كلّ ما يقدّمه المؤمنون والمؤمنات في سبيل خدمة القضية الحسينية والشعائر الحسينية المقدّستين، كالخدمة على المنبر الحسيني وعلى القنوات الفضائية والتلفاز والإذاعة والانترنت وفي الصحف والمجلاّت والكتب وغيرها من وسائل الإعلام، وكالخدمة في الحسينيات مثلاً والمساجد والهيئات والمجالس وحتى في بيوتهم، فإنه يسجّل في صحيفة أعمالهم مهما كان صغيراً، حتى ما لا يخطر على أذهانهم. فجمع أواني الشاي الفارغة يؤجرون عليه، وإناء السُكّر يجدونه بعيداً عن أحد المشاركين في مجلس العزاء فيقرّبونه له، يُحسب لهم، بل الغبار الذي يقع عليهم ولا يحسّون به، يثابون عليه أيضاً، ما دام في مجلس الإمام الحسين سلام الله عليه وفي سبيله. وكل شيء يقدّمه المؤمنون في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليه، في كل المجالات، يثبّت في صحيفتهم ويكافؤون عليه بالدنيا والآخرة.
وأكّد المرجع الشيرازي دام ظله: علينا أن نسعى إلى خدمة الإمام سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه بقلوب مفعمة بالإخلاص والمحبّة والرأفة، وبالتحلّي بالأخلاق الحسنة الفاضلة وبالصبر والتحمّل. وهنيئاً لمن يستطيع أن يقدّم خدمة للإمام الحسين صلوات الله عليه ولا يتقاعس، وتعساً لمن يستطيع أن يعمل شيئاً في هذا المجال ولا يعمل، لأنه سيندم ويتحسّر يوم الحسرة والندامة.