27 جمادى الأولى 1432 - 01/05/2011
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
الحاكم الأعلى كما توضّح لنا الدساتير، والسنن التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هو موظف بدرجة كبيرة، مهمته رعاية الشعب وإدارة شؤونهم السياسية، والاقتصادية، والعلمية وغيرها، بما يحقق رضاهم، وفق منهج المساواة والعدالة بين الجميع، وطالما أن هذه الوظيفة واسعة ومتعددة المهام، كون الحاكم يدير شؤون المجتمع كافة، فإنه لابد أن يكون بحاجة الى مساعدين متخصصين، وقادرين على مساعدته، في تحقيق الادارة الناجحة للشعب، وهؤلاء الموظفون هم قادة وحكام ايضا، ولكن بدرجة أقل، ولهم صلاحيات معينة تمكنهم من اداء وظيفتهم في ادارة شؤون الناس، إلا أن هناك من هؤلاء الموظفين من يشط في عمله، ويسحق على ضميره ويستخدم صلاحياته خارج المهمة الموكولة له، فيحدث نتيجة لذلك ظلم وتجاوز على الشعب.
هذه التجاوزات الحكومية، غالبا ما تعاني منها الشعوب التي تقبع في أسفل قائمة الدول المتطورة، ومنها كما تشير الوقائع الدول العربية والاسلامية، حيث تستشري حالات الفساد المالي، والاداري، ويسود الظلم وتغيب المساواة والعدالة، بسبب الموظفين المساعدين للحاكم، مما يؤدي الى استشراء الفساد بين الموظفين الادنى، فيصبح الفساد حالة عامة، هنا لابد للحاكم الاعلى من أن يمارس دوره، في مراقبة مساعديه وأن يصحح لهم أخطاءهم، وأن يعرفوا أن لا حصانة لهم حين يتجاوزون على حقوق الشعب المالية او غيرها، ولنا في حكومة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، مثالا حيّا في هذا الصدد، إذ يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) على أن:
(الحصانة الدبلوماسية، والحصانة الإدارية، وحصانة الوظيفة، ونحو هذه المصطلحات لا مفهوم لها عند علي بن أبي طالب عليه السلام إذا خرج الدبلوماسي عن الحق، وجار الإداري، وعمد الموظّف إلى ما لا يليق به من إجحاف، أو ظلم، أو عدم اهتمام بالأمة).
ويضيف سماحته قائلا بهذا الخصوص:
إن (رقابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للموظفين كانت في رأس سياسته الإدارية لهم).
وهذا يؤكد أولوية مراقبة الموظفين المساعدين، من لدن القادة والحكام، لأن غياب المراقبة والمحاسبة سيؤدي الى انتشار الفساد بين صفوف الموظفين، وهو ما يؤدي الى إلحاق الاذى، والاجحاف، والظلم بعموم الناس، لاسيما شريحة الفقراء التي تتلقى أشد الضربات، نتيجة لفساد الموظفين في حالات الاختلاس، وسرقة المال العام، وعقد الصفقات المشبوهة، وما شابه من هذه الاعمال الفاسدة، التي تدمر الشعب، وتحيل حياته الى بؤس، وجهل، ومرض، وجوع متواصل.
لذلك كان الامام علي عليه السلام، كما يذكر سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:
(حين يختار الموظف لسياسة البلدان وإدارتها لابدّ وأن يتوفّر فيه شرطان: العلم، والعدالة).
هذان الشرطان يحميان الموظف من الزلل أو الخطل في هذا الجانب او ذاك، فالعلم يجعله بعيدا عن الجهل، فلا يجهل حقوق الشعب، ولا يخطأ في هذا المجال، والعدل يجعله قادرا على التعامل مع الجميع، بمعيار واحد، هو معيار الحق، فلا فرق بين مواطن وآخر، سواءً كان غنيا او فقيرا، قويا أو ضعيفا، سوى معيار الحق.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:
(ذكر في التاريخ: إنّ امرأة من بني همدان اسمها (سودة بنت عمارة) شكت إليه والياً فعزله الإمام عليه السلام). وهكذا ينبغي أن يكون الحاكم الأعلى، حريصا على حقوق الناس بغض النظر عن مزاياهم المادية او المجتمعية.
وينبغي على الحاكم الأعلى، أن يشدد الرقابة على مساعديه وعموم الموظفين، لكي لا تهتز نفوسهم ويتجاوزون على المال العام، أو يخطأون في ادارة شؤون الشعب، ولاتعني عدالة الحاكم وحزمه وتعامله القطعي مع الفاسدين أمرا مسيئا لخصاله، وحنكته، بل العكس هو الصحيح، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد:
(على الرغم من أنّ سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في حياة رسول الله صلی الله عليه و آله وبعد وفاته صلی الله عليه و آله في حياة من تقدّمه كانت خير معرف لـه عليه السلام في مستقبل حياته،وكان الولاة والموظّفون الذي يبثهم هنا وهناك يعرفون أسلوب أمير المؤمنين عليه السلام جيداً.. لكن مع ذلك كله لم يكن ليفوّت علياً عليه السلام مراقبة أحوال ولاته وعمّاله ومحاسبتهم، لكي لا يظلم بعضهم الناس).
وهكذا ينبغي أن تكون الرقابة حاضرة دائما، ومحاسبة الحاكم الأعلى لمساعديه مستمرة، وملموسة من قبلهم، حتى لا تشط بهم نفوسهم نحو ارتكاب الظلم بحق الناس، ولايكفي أن يعرف الحاكم هذا الموظف او ذاك، ويعرف نزاهته وما شابه، لأن النفس ربما تقود صاحبها الى التردّي، والتجاوز على حقوق الناس اذا أمن الرقابة والعقاب، من هنا تبقى متابعة ومحاسبة الحاكم الاعلى لموظفيه، ومساعديه، مهمة لحفظ حقوق الشعب وعدم التجاوز عليها.
المصدر: شبكة النبأ