16 شوال 1430 - 07/10/2009
أنجبت البشرية عموما والخط الإسلامي خصوصا الكثير من المفكرين والمصلحين والعباقرة بما يشهد التاريخ لهم من انجازات ونقلات كبيرة حققوها لبني البشر، وجميل أن يكون المفكر عارفا بوضع زمانه ملما بعناصر القوة والضعف في المنظومة التي ينتمي لها أيا كانت نوعها وشكلها وانتمائها.
ومع ذلك فإننا لم نشهد إلا القلة القليلة التي تحدثت بطرق مغايرة عن المألوف ووضعت الحلول والمعالجات لمشاكل توقعت حدوثها بعد برهة من الزمن وسبقت الآخرين في تشخيصها وتحديدها ومعالجاتها، وهو أمر يستحق الوقوف عنده والإشادة به، من هذه الأمثلة ما قدمه الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه) من وقفات وآراء تعبر عن بعد النظر والاستقراء للأمور قبل حدوثها عبر استنطاق المستقبل بدلالات وعلامات الحاضر.
ومن الحاضر الذي نعيش ايامه ولحظاته مناسبة حزينة ومؤلمة هي رحيل المجدد الشيرازي (اعلى الله مقامه) فقد أحيا أبناء مدينة كربلاء المقدسة الذكرى الثامنة لرحيله (اعلى الله مقامه) عبر مهرجان تأبيني مهيب أقامته مؤسسة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وذلك مساء يوم الأثنين 15 شوال 1430هـ الموافق 5/ 10/2009م في منطقة مابين الحرمين الشريفين.
المهرجان التأبيني السنوي الذي حمل شعار (الإمام الشيرازي ..فكر أصيل ونهج مستمر) حضره جمع كبير من الشخصيات العلمائية والحوزوية وممثلي ووكلاء عدد من مراجع الدين العظام وكذلك مسؤولين من عتبات كربلاء المقدسة وشخصيات رسمية وسياسية وأكاديمية وثقافية وعشائرية الى جانب جمهور غفير من أبناء كربلاء المقدسة والزائرين الوافدين اليها من مختلف مناطق العراق وخارجه.
برنامج المهرجان الذي تولى عرافته الأستاذ الإعلامي أحمد الحسني الذي ألقى مقدمة أدبية نثرية رائعة بالمناسبة تلتها عدد من الفعاليات الخطابية والشعرية، وكانت فقرة الافتتاح تلاوة قرآنية مباركة لشيخ المقرئين الحاج مصطفى الصراف.
أما الفقرة الثانية فكانت كلمة مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله ألقاها فضيلة العلامة الشيخ ناصر الأسدي التي جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
صدق الله العلي العظيم
ما شأن هذا المهرجان.. لماذا نحيي ذكرى علماؤنا الكبار؟ وماذا يعني هذا الإحياء بالنسبة لنا وما مدى شخصية سلطان المؤلفين الإمام الراحل المجدد الثاني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف).
لمعرفة عظمة هذه الشخصية كنت أفكر ما الذي يلزم ان يقال في مثل هذا المهرجان المبارك، كنتُ أراجع اليوم الكتاب الرائع (قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف) للدكتور محمد حسين الصغير حفظه الله الأستاذ الأول في جامعة الكوفة الذي انصف سيدنا الراحل وعاش معه مرحلة هامة من تاريخ العراق قال في هذا الكتاب الرائع ما سجلته نصاً وهذه شهادة تاريخيةٌ من أحد كبار العلماء.
يقول الدكتور "وفي هذا الصدد فإنني اسجل للتاريخ تعبير سيدنا الأستاذ الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك لو كان عندنا ثلاث من السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم"
الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه هو شخصية اعرف من ان نعرفهُ نحن هنا، وحينما يقول هذه الكلمة يعني ما يقول ويعرف بدقة وبتحقيق ما يقول مما أثبته الدكتور في كتابه صفحة 135.
هذه شهادة، الشهادة الأخرى نقلها سماحة آية الله الراحل المقدس العلامة الجليل السيد محمدرضا الشيرازي قدس سره الشريف
يقول السيد ويشير إلى غرفة أبيه في مدينة قم المقدسة في هذه الغرفة جاء المرجع الكبير آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي قدس سره الشريف وجلس مع السيد الراحل وبعد ساعة أو أكثر من ساعة بقليل قام ليودع حينما كان يخرج قال لأحد المشيعين له من العلماء الحاضرين في ذلك المجلس الخاص
قال السيد الشيرازي لن يعرفه العالم إلى هذا اليوم.
وبعد لحظات قال: إن العالم سيعرف هذا المرجع العظيم بعد مئتين عام. شخصية الإمام الراحل شخصية نادرة...
وكان يقدن العديد من التوجيهات الأساسية والاستراتيجية والمهمة جداً كان يقول انت استاذ بالجامعة لابد ان تكون متميزا
وانت صاحب المؤسسة لابد ان تكون مؤسستك راقية
وانت ايها الخطيب لا بد ان تكون ذو ثقافة راقية، ويجب ان لا ينحصر همك في قوت يومك وتكتفي.
ان ذلك لم يرضي الامام الراحل (قدس سره) وكان يقول بلفظ الوجوب يجب على كل من يوالي أهل البيت ويسير ويعمل ضمن دائرة مدرستهم وفي إطارهم يلزم ان يكون متميزاً يلزم ان يكون راقياً، يشار إليه بالبنان كل إنسان حسب قدراته وامكانته.
بعدها قدم الشاعر الحسيني السيد موسى الحيدري قصيدة من الشعر الشعبي رثا فيها الفقيد الراحل .
ثم جاءت كلمة الدكتور عدنان آل طعمة عميد كلية الآداب في جامعة أهل البيت عليهم جاء فيها ... من دواعي الشرف والفخر والاعتزاز أن نقف اليوم بشموخ وكبرياء وإجلال لنحيي مآثر عالمٍ جليلٍ ومصلحٍ كبير أثرى بفكره الثاقب وإنجازاته العلمية في الثورة الدروب أمام الأجيال في الذكرى السنوية الثامنة لرحيله، في أرضٍ مقدسةٍ مباركةٍ، هي أرض الفداء والإباء والعز مدينة الإمام الحسين عليه السلام.
لقد قدم الإمام الشيرازي قدس سره الشريف، العطاءات الكبيرة المتلاحقة التي تحمل كل معاني الخير والصلاح والرفعة للأمة الإسلامية عبر المئات بل الآلاف من الكتب العملاقة في الفقه الإسلامي والعلوم الفقهية والجهاد والأخلاق السامية والتفسير والاجتماع، إضافة إلى إنشاء المكتبات الضخمة والمراكز الإسلامية في الكثير من عواصم العالم ومدارس تعليم القرآن الكريم وحفظه وتفسيره.
قدم هذا العالم الأصيل والجليل والمبدع كل هذه الإنجازات الفكرية والمآثر العلمية الخالدة ليكون بحقِ علماً شامخاً من أعلام السيرة العطرة والأخلاق الفاضلة والجهاد المقدس والتجديد، والتجديد الفكري في العقيدة الإسلامية السمحاء، وكان واحداً من أبرز رواد الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي لقد كان من السمات البارزة في شخصية السيد الشيرازي قدس سره هي حمله لهموم المسلمين والاطلاع على أوضاعهم ومجريات أمورهم وخفايا ما يجري في بلادهم أيها الحضور الكريم لقد أدركتُ الإمام الشيازي قبل أكثر من نصف قرن في مدرسة الهندية كان تلميذاً لمديرها الشيخ جعفر الرشتي رحمة الله عليه والشيخ محمد حسين الأعلمي صاحب موسوعة دائرة المعارف أو مقتبس الأثر، والسيد حسين ناصر الدين عروس العلماء الأصفهاني وغيرهم من علماء كربلاء الأجلاء. كان هناك هو وشقيقه الشهيد السيد حسن الشيرازي.
للإمام الشيرازي جوانب كثيرة مضيئة في هذه المدينة، كان رجلاً فقيهاً أديباً عالماً مثقفةً اجتماعياً سياسياً.
في هذا اليوم أزعم لنفسي ان جوانب كثيرة من حياة الشيرازي لم تدرس خاصةً الحياة والنضال في العالم السياسي، لقد عاش الإمام الشيرازي في المرحلة الملكية وفي عهد الجمهورية أيام عبدالكريم قاسم والمد الشيوعي وعاش في زمن البعث في فترة عبدالسلام عارف وأنا رأيته بنفسي في مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) عند مقبرة الإمام الشيرازي صاحب ثورة العشرين، قد اجتمع بأحمد حسن البكر حينما كان رئيساً للوزراء في حكومة عبدالسلام عارف وبعد دقائق معدودة خرج منتفضاً ولا نعلم ماذا دار في ذلك المجلس.
ومن هذا المبنر ادعو الأخوة في أصحاب الشأن إلى توثيق التراث السياسي للفقيد الراحل، وشكراً.
مسك الختام كانت كلمات الشعر والأدب الرفيع جسدها فضيلة الشيخ الأديب عبد الأمير النصراوي من الحوزة العلمية الزينبية في دمشق بقصيدة رائعة رثا فيها الامام الشيرازي الراحل أعقبها في نهاية الحفل مجلس عزاء حسيني خص الحديث فيه عن خصال ملحمة الطف الحسينية الخالدة والأثر العظيم الذي تركته في نفوس أبناء الأمة الإسلامية الى اليوم الحاضر.