4 شعبان 1429 - 06/08/2008
أسرة عظيمة هي من أجلّ وأشرف الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها، اسرة أمدّت العالم العربي والإسلامي بعناصر الفضيلة، والتضحية في سبيل الخير، وما ينفع الناس، وأضاءت الحياة العامة بروح التقوى، والإيمان، ومدرسة عملاقة علمت الدنيا معنى بأسرها معنى الإنسانية، وحياة أفرادها الدروس والعبر، بدء من جدهم النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) هادي البشرية ومنقذها من الكفر والضلالة، وصولا لبقية أئمة الخير والهدى والصلاح.
ومن افراد تلك الأسرة الطاهرة، العباس ابن علي، البطل الأبي صاحب الملاحم الخالدة التي ذكرت المحب والعدو بشجاعة أبيه أمير المؤمنين ( سلام الله عليه) وليس في دنيا الأنساب نسب أسمى، أو أرفع من نسب أبي الفضل العباس (عليه السلام) فهو من صميم الأسرة العلوية.
إن أوّل مولود زكيّ للسيّدة أمّ البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العباس (عليه السلام)، والذي أشرقت الدنيا بولادته واجتاحت موجات من الفرح والسرور بين أفراد اسرته، فقد ولد القمر الهاشمي المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره، وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً ندياً عاطراً.
وحينما بشّر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله، وأوسعه تقبيلاً، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، لقد كان أوّل صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الإيمان والتقوى في الأرض، وأنشودة ذلك الصوت... الله أكبر… لا إله إلا الله.
وترسخت هذه الكلمات العظيمة التي هي رسالة الأنبياء، وأنشودة المتّقين في أعماق أبي الفضل، وانطبعت على صفحات قلبه وذاته، حتى صارت من أبرز عناصر الفتى الهاشمي، فتبنى الدعوة إليها في جميع مراحل حياته، حتى تقطّعت أوصاله في كربلاء مضمخا بدم الشهادة في سبيل إعلائها.
وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل (عليه السلام)، قام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحلق شعره، والتصدّق بزنته ذهباً أو فضّة على المساكين وعقّ عنه بكبش، كما فعل ذلك مع الحسن والحسين (عليهما السلام) عملاً بالسنّة الإسلامية.
سمّى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وليده المبارك (بالعباس) وقد إستشفّ من وراء الغيب أنه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام، وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل، بشوش الوجه في مقابلة الخير، وكان كما تنبّأ فقد كان عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت (عليهم السلام)، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء،وفي ذلك يقول الشاعر :
عبــست وجـوه القوم خوف الموت***والعـــبّاس فــــيهم ضــاحك متبسّم
لقد نشأ أبوالفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحقّ، ورفع رسالة الإسلام الهادفة إلى تحرير إرادة الإنسان، وبناء مجتمع أفضل تسوده العدالة والمحبة، والإيثار، وقد تأثر العباس (عليه السلام) بهذه المبادئ العظيمة وناضل في سبيلها ، وقد غرسها في أعماق نفسه، ، أبوه الإمام أمير المؤمنين وأخواه الإمامين الحسن والحسين (عليهم السلام)، هؤلاء العظام الذين حملوا مشعل الحرية والكرامة، وفتحوا الآفاق المشرقة لجميع شعوب العالم وأمم الأرض من أجل كرامة وحرّية أبنائها، ومن أجل أن تسود العدالة والقيم الكريمة بين الناس.
وقد احتلّ أبو الفضل (عليه السلام) قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.
أمّا الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) فقدً كان دائم الترحم على عمّه العبّاس، كما كان يذكره بمزيد من الإجلال والإكبار تضحياته الهائلة لأخيه الحسين (عليهما أفضل الصلاة والسلام) وكان مما قاله في حقّه هذه الكلمات القيّمة: رحم الله عمّي العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتى قطعت يداه، فأبدله الله بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة..).
أمّا الإمام الصادق (عليه السلام) وهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام فقد كان يشيد دوماً بعمّه العبّاس (عليه السلام)، ويثني ثناءً جميلاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه: (كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً..).