10 محرم الحرام 1438 - 13/10/2016
تعريب: علاء الكاظمي
في ليلة الحادي عشر من شهر محرم الحرام1438للهجرة (12/10/2016م)، وبمناسبة ليلة الغربة والوحشة على أهل البيت صلوات الله عليهم في صحراء كربلاء، أقيمت مراسيم حسينية خاصّة بهذه المناسبة في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في مدينة قم المقدّسة.
حضر في هذه المراسيم المئات من المعزّين الحسينيين، الذين استمعوا في بادئ الأمر إلى مجلس حسيني حزين ومفجع قرأه حجّة الإسلام الشيخ سلطاني.
بعدها، وكالسنوات السابقة، استمع الحضور الكبير، إلى الكلمة القيّمة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بالمناسبة المذكورة، أيضاً.
في هذه الكلمّة القيّمة، بيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله المقام الرفيع لمولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه، وتحدّث حول الخصائص الفريدة له صلوات الله عليه في الأمور التكوينية.
وذكر سماحته قصّة سيدنا آدم على نبيّنا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، وتوسّله بالأنوار والأطهار الخمسة صلوات الله عليهم، وبيّن بأن هذه القصّة هي واحدة من ألوف وألوف من الموارد التي غيّرها الإمام الحسين صلوات الله عليه في عالم التكوين.
وقال سماحته: إنّ الله عزّ وجلّ أظهر لآدم عليه السلام الأنوار الخمسة من أصحاب الكساء صلوات الله عليهم، وجبرئيل عليه السلام علّم آدم عليه السلام اسمائهم. فعندما وصل إلى ذكر اسم الإمام الحسين صلوات الله عليه تأثّر آدم عليه السلام وسالت الدموع من عينيه، كما عبّرت الروايات الشريفة (سالت دموعه). وهذا يحكي عن استمرار وتواصل سكب العبرات والبكاء على الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا تعبير خاص وعجيب في لغة الروايات، بل حتى في لغة العرب هو تعبير نادر ومفقود. وعندما سأل آدم عليه السلام جبرئيل عن هذه الحالة التي انتابته، أخبره جبرئيل عليه السلام عن واقعة كربلاء وتضحيات الإمام الحسين صلوات الله عليه وأصحابه الأوفياء سلام الله عليهم.
وأضاف سماحته: لا شكّ ان جبرئيل عليه السلام لم يقل ذلك من عنده، بل إنّ كل ما ذكره هو من عند الله تعالى، فالملائكة كما يقول القرآن الكريم: «وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ». وقال جبرئيل عليه السلام واصفاً مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه: «تصغر عندها المصائب». فمصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه ليست فريدة ولا مثيل لها فحسب، بل تصغر عندها وأمامها كل المصائب، حتى مصائب الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.
وأوضح سماحته: إنّ مولانا بقيّة الله الإمام القائم من آل محمد عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي سيأخذ بثار مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه فقط، كما نقرّأ ذلك في الزيارات، وهو قول الإمام المعصوم صلوات الله عليه: (وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف). فنسأل الله تعالى أن يجعلنا والمؤمنين جميعاً ممن نكون في ركاب الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ذلك الزمان.
وقال سماحته: أنا أشكر جميع الذين شاركوا في إقامة وإحياء الشعائر الحسينية والعزاء الحسيني، في كل البلدان، سواء التي يسكنها الشيعة، كالعراق وإيران، والبلدان الغربية، وأأكد عليهم أن لا يملّوا أو يقلّ حماسهم إذا واجهوا صعوبة ما أو تعرّضوا لإهانات أو إساءات، لأنهم سينالون الرعاية من أهل البيت صلوات الله عليهم.
ذكرت الروايات الشريفة ان الإمام الصادق صلوات الله عليه، سجد، وبكى كثيراً، بحيث عندما رفع رأسه الشريف من السجود، كانت لحيته الشريفة مبتلة بالدموع. يقول الراوي فسألته عن ذلك، فقال صلوات الله عليه (ما مضمونه) كنت أدعو لمن اقام الشعائر الحسينية.
وأشار سماحته إلى ما يصدر من اعتراض وإشكال من بعض العوائل والمسؤولين في خصوص إقامة الشعائر والعزاء الحسيني في جوانب عديدة، وقال: أوجّه كلامي إلى النساء المكرّمات، وأقول: المرأة التي يسعى زوجها في إقامة العزاء الحسيني، إن قلّ اهتمامه أو رعايته لك في هذه الأيام، فأنت شجّعيه في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى لا ينتابك الخجل في ساحة المحشر أمام السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. وكذلك الرجال والأزواج، أقول لهم إن قلّ، أو لم تقدر زوجاتكم على الاهتمام بكم، فاحتسبوا ذلك في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولا تسيؤوا الخلق معهنّ.
كما أقول للوالدين الذين يتدخّلون فيما يقوم به أبنائهما في إقامة العزاء الحسيني ويشكلون عليهم: لا شكّ ان احترام الوالدين هم أمر مهم وضروري، ويجب حفظ حرمة الوالدين، ولكن على الوالدين أن يتحلّيا بسعة الصدر أكثر في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه. فالكثير من الشباب يأتون إليّ كراراً، ويقولون بأنهم يريدون القيام بشعيرة من الشعائر والعزاء، ولكنهم يواجهون الاعتراض أو المخالفة من آبائهم أو أمهاتهم أومن كلاهما. علماً ان الوالدين قد غفلا أو يجهلان القضية الفقهية التالية، وهي: (تأذّي الوالدين ليس بحرام، بل الإيذاء حرام). فإذا قصد الأبن من إقامة فريضة أن يؤذي والديه، فمن المسلم به ان هذا العمل هو حرام. وأما إذا تأذّى الأب أو الأم أو كلاهما مما يقوم به الإبن، كصلاة الليل، أو الصوم المستحبّ، أو الحجّ المستحبّ، أو الدراسة في الحوزة ـ في عالم عدم كونه واجباً كفائياً ـ فهذه الأمور ليست بحرام، لأننا مكلّفون بطاعة الله تعالى، وبشكر الوالدين.
يقول القرآن الكريم: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ». فأدعو الوالدين إلى عدم تخطّي حدودهما وأن لا يصدّى عن الشعائر. وكذلك أدعو الشباب إلى احترام الوالدين، والعمل على نيل رضاهما.
وأردف سماحته: من الأسباب المهمة في إقامة العزاء على مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه هم أصحاب الحسينيات والمواكب، والساعين في تهيئة وتوفير أموال ومصاريف العزاء. وهذا العمل يواجه أحياناً أذى ومفاسد أيضاً، ومنها المنّ. وهذا أمر مذموم، وأقول لفاعله لو تصفع وجهك أو تضرب رأسك بالجدار وتتألّم لكي لا تبطّل المنّ على الآخرين فافعل. فقد ذكرت الروايات الشريفة أن المنّ يوجب المحق، أي فناء الأعمال.
يقول الإمام زين العابدين صلوات الله عليه في دعاء شريف له في الصحيفة السجاديّة: «وأجرِ على يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ».
كما أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى الدور المؤثّر لمشاركة المسؤولين الحكوميين مع المعزّين الحسينيين، وقال: على الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية أن يشكروا هذه النعمة الكبيرة التي لم تكن موجودة قبل قرن، أو كانت قليلة. ففي الهند يشكّل الشيعة نسبة عشرة بالمائة من نفوس الهند الذين معظمهم من عبّاد الأوثان أو الأصنام، ولكن جعلوا يوم عاشوراء يوم عطلة رسمية، وهذا ما لا تجده في الكثير من الدول الإسلامية، وهذا ما يدعوا إلى الأسف البالغ. فعلى الحكومات أن تراعي عواطف الناس، وتحمي الشعائر، لأن هذا العمل هو مسؤولية عامّة.
وقال سماحته: كتب العلاّمة الأميني قدّس سرّه في موسوعة الغدير القيّمة أنه في يوم استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه في كربلاء، كان حينها تقام أكثر من سبعين ألف صلاة الجمعة. فما يعني قول المعصومين صلوات الله عليهم في تبيينهم لأهداف النهضة الحسينية المقدّسة، وهو: (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة)؟
كما ذكر العلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في بحار الأنوار، أنه في طول السنة التي استشهد فيها الإمام الحسين صلوات الله عليه، كان عدد من شارك في مراسم الحجّ قرابة مليون وخمسمائة ألف شخص. ويقول الإمام الحسين صلوات الله عليه في بيان سبب نهضته: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب).
السؤال هو: فهل إن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هي الصلاة فقط أم الحجّ أم الصوم؟
وبيّن سماحته، أيضاً: في زمن حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وحكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي امتدّت رقعتها على مساحة كبيرة من الكرة الأرضية، لم يوجد من سكن مستأجراً. بل إن الاستجار كان أمراً مؤقتاً وخاصّاً بالمسافرين الذين كانوا يقصدون السفر والإقامة في مدينة أخرى. ولكن كيف ترى الأوضاع اليوم في الدول الإسلامية وأمثالها؟
لقد عاش المرحوم والدي في النجف إلى آخر عمره مستأجراً. وأنا وأخي ولدنا في ذلك البيت الذي كان قد استأجره والدي.
وأضاف سماحته: في زمن حكومة نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، لم يذكر التاريخ أن أحداً من الناس قد مات من الجوع. ولكن كان النهب واختلاس الأموال في حكومات الأمويين والعباسيين كبيراً ووصل إلى درجة كان يموت الألوف من الناس بسبب الجوع، بحيث ذكرت الروايات ان الناس كانوا يلجأون إلى أكل الكلاب والقطط والجرذان ليسدّوا جوعهم!
في ختام كلمته القيّمة، أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى الدور المؤثّر للعشائر العراقية الغيورة في تاريخ العراق، وأعرب عن تقديره لهم، وذكّرهم بأهميّة دفاع الناس عن مقام المرجعية.
هذا، وسنوافيكم، بحول الله تعالى وقوّته، بالنصّ الكامل لهذه الكلمة القيّمة، في الأيام القادمة، إن شاء الله تعالى.