30 ذو الحجة 1433 - 16/11/2012
امتثالاً لتوجيهات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بضرورة رفع مستوى الخطباء والمبلغين وتوحيد الرؤى وصقل الأفكار والمواهب وبحضور كثيف من قبل العلماء والفضلاء وطلبة العلم وخطباء المنبر الحسيني المبارك ومن مدارس حوزة كربلاء المقدسة المختلفة، وبمناسبة قرب حلول شهر الأحزان والآلام محرم الحرام أقامت حوزة كربلاء المقدسة ـ مدرسة العلامة الشيخ احمد بن فهد الحلي عليه الرحمة والرضوان ـ مؤتمرها التبليغي الثامن تحت شعار: «الخطيب الحسيني علمٌ وعملُ ومصداقيةٌ» صبيحة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1433 للهجرة.
استهل المؤتمر بتلاوة قرآنية معطرة بصوت السيد مصطفى الياسري، ومن ثم ابتدأت أعمال المؤتمر بكلمة وجيزة للخطيب الحسيني فضيلة الشيخ زهير الاسدي ركز من خلالها حول أهمية أقامت هكذا مؤتمرات بالنسبة للخطباء ورجال الدين لاسيما مع قرب حلول الموسم التبليغي في شهر محرم الحرام، ليعلن بعد ذلك ابتداء المؤتمر بتقديمه لأول المشاركات وهي كلمة سماحة العلامة الحجة السيد مهدي الشيرازي والتي استمدها من قوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) الأحزاب: 39، وكذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «يا علي لإن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها».
وعقّب قائلا: كان الإمام الراحل ـ السيد الوالد ـ محمد الشيرازي أعلى الله مقامه يؤكد على خمس وصايا هي: التقوى والخوف من الله، حسن الخلق مع الجميع وفي جميع الأحوال، خدمة الناس، الخطابة، الكتابة. وبدوري سأقتصر الكلام على الوصية الرابعة أي الخطابة.
وقال: العالم في واقعه تحكمه قوتان: قوة السلاح وقوة البيان، الأول في الغالب بيد الحكام أما الثاني فبيد الخطباء، والفارق بينهما إن الأول يسيطر بالقوة والسطوة بل الاستبداد والثاني بحكم القلوب وأسرها وتوجيهها بما فيه صلاح المجتمع.
ومن ثم تحدث حول عوامل نجاح الخطيب مؤكدا ان النتيجة دائما تأتي وفق المقدمات قائلاً: تلاحظون التفاوت بمستويات الخطباء والأمر يرجع إلى ما ذكرناه من صيانة المقدمات، والآثار تتبع ذلك لذا نجد ان خطيب ما يحضر مجلسه عشرة أشخاص في حين نجد آخر عشرات الآلاف وآخر يستمع إليه الملايين عبر الفضائيات، ومن يهدي عشرة لا مثل من يهدي الملايين وكلاهما مصداق للآية الشريفة صدر البحث.
وأضاف: نحن اليوم في عالم الانفتاح وعليه التحديات كبيرة من المخالفين والأديان الأخرى وهو بدورهم لديهم خطباء متخصصون وبالتالي التحدي معهم يكون اكبر، فعلى الخطيب التطور دائماً والعمل على زيادة الكفاءة والارتقاء بالمستوى.
بعد ذلك تحدث حول مقومات الخطيب الناجح مبينا انها كثيرة واقتصر على ست منها وهي:
1ـ الارتباط الوثيق بالقرآن العظيم وبأحاديث العترة الطاهرة ففيها مخازن كنوز السعادة ومفاتيح النجاح.
2ـ التعبئة العلمية فقها وأصولاً وعقائداً.
3ـ كثرة المطالعة فعلى اقل التقادير المتخصصة في هذا المجال تحدد ما مقداره ثمان ساعات لكل مجلس واحد، بل نُقل عن بعض الخطباء الكبار انه كان يطالع خمسة عشرة ساعة للمجلس الواحد، بل كان سماحة آية الله السيد الفقيد محمد رضا الشيرازي قدس سره انه كان يبدأ التحضير والاستعداد لخطبة الجمعة منذ يوم السبت أي يخصص اسبوعاً لهذا الغرض.
4ـ إتقان فن الخطابة، وذلك عبر حضور دورات تخصصية عالية، يُنقل عن احد الخطباء الكبار انه ـ رغم مستواه الخطابي العالي ـ يذهب إلى لندن للمشاركة في دورات تطويرية متخصصة في فن الخطابة معللاً ذلك بعظم المسؤولية واختلاف طبقات المتلقين في عصر الانفتاح الحضاري الكبير الذي نعيشه فتجب المواكبة.
5ـ المستوى الأدبي والبلاغي للخطيب من أهم عوامل نجاحه وتفوقه.
6ـ الصدق والإخلاص مع الله سبحانه ومع الناس.
ثاني كلمات المؤتمر كانت لفضيلة الخطيب الشيخ صفاء الخطيب وقد استمدها من قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) السجدة: 21.
وعقّب متحدثاً حول مسألة الاختصاص وأهميته قائلاً: لو فرضنا جدلاً ان الله تعالى أرسل رسوله الكريم إلى الحياة مجدداً فما الاختصاص الذي سيختاره صلى الله عليه وآله؟ والجواب يحدده قوله تعالى: (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) الأحزاب: 46، الرسول الأعظم هو القمة في كل شيء ونجد ان الدور الذي سيختاره في الحياة هو الدعوة إلى الله تعالى مما يكشف عظم مسؤولية الخطيب والمبلغ وان طريقه ونهجه نهج الأنبياء عليهم السلام.
لو تأملنا حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لوجدناها كلها دعوة الى الله تعالى وقد اهتدى مئات الملايين من البشر عبر التاريخ بسببه ورغم علمه ذلك نجده صلى الله عليه وآله يحمد الله تعالى حين يهدي نفس واحدة ولو كانت مشارف على الموت كما هو الحال في قصة الغلام اليهودي المعروفة.
وقال كذلك: اننا نسير بسفينة الحسين عليه السلام وهي سفينة الإنقاذ وبمنبره المبارك نخرج الناس من الظلمات إلى النور فعلينا اذا ان نصحح عقائد الناس ومن ثم نصّير منهم عناصر فاعلة بل ومبلّغة لرسالات الله تعالى وكل فرد يهتدي بواسطتهم نشاركهم بثواب ذلك كوننا هديناهم، ومن هنا يأتي قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «يا علي لان يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها».
بعد ذلك تحدث حول تجاربه المنبرية مترحماً على روح الإمام الشيرازي الراحل قدس سره كونه كان السبب في نجاحه وزملاءه في الخطابة اثر توجيهاته وتشجيعه رضوان الله عليه.
ثالث كلمات المؤتمر كانت كلمة سماحة آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري وقد استهلها بالحديث الشريف الوارد عن الإمام الجواد عليه السلام كما ورد في كتاب البكاء للحسين عليه السلام: «أول ما جرى به القلم على اللوح قتل الحسين عليه السلام».
القضية الحسينية تمتاز بأنها بدء الخليقة والعوالم حيث يأمر الله تعالى القلم ان يكتب ما يكون الى يوم القيامة على اللوح وتظهر العلوم الربانية والتقديرات في مستقبل الزمان واول شيء يظهره القلم بأمر الله تعالى قضية مقتل الحسين عليه السلام.
وكما هو معروف القاعدة العقلية أو كما يقول البعض الفطرية تقديم الاشرف مما يبين لنا أشرفية وعظمة القضية الحسينية في التقديرات الإلهية.
ونحن نقترب من شهر محرم الحرام وصفر الخير وهما موسم التبليغ لهذه القضية العظيمة وفيوضاتها، علينا تكثيف الجهود وبذل الوسع في سبيل ذلك ولو طالعنا الموسوعات الحديثية نجدها خصصت أبواباً لها فمثلاً في كتاب جامع أحاديث الشيعة قسم المزار جزء 15 نجد المؤلف قد أورد أكثر من ثلاثمائة حديث حول زيارة الإمام الحسين عليه السلام هذا فضلا عن الكتب الأخرى ككامل الزيارات وغيره ولو نتأمل هذه الروايات لنقطع بان العقل قاصر لفهم هذا الجانب المتمثل بفضل الزيارة وآثارها وحسب تتبعي في هذا الكتاب وجدت أكثر من سبعين أثراً تذكره الروايات، ويلي هذه الثلاثمائة مائة حديث حول البكاء وإنشاد الشعر والمراثي حول سيد الشهداء عليه السلام.
ومن الكتب المهمة في هذا الجانب هو «دائرة المعارف الحسينية» والتي من المؤمل ان تصل الى ألف جزء، وهذا التراث العظيم يكشف عظم القضية وأهميتها فضلاً عن الآف الكتب التي كتبت حول الإمام الحسين عليه السلام في الأديان الأخرى سواء كانت سماوية أم أرضية.
بعد ذلك كانت هناك العديد من المداخلات تمحورت حول أهمية تشخيص الخطيب لحاجات المجتمع مقتديا بذلك برسول الله صلى الله عليه وآله حيث ورد في الأثر الشريف في وصفه: «طبيب دوار بطبه».
ومن المداخلات أيضاً مداخلة حول أهمية أن يستعد الخطيب كامل الاستعداد بتدوين محاضرات كثيرة وان تكون متلائمة ومستوى المتلقي وحاجاته، وكذلك أهمية تأسيس المدارس لتعليم الخطابة بمستويات عالية ملائمة وروح العصر.
رابع كلمات المؤتمر خصصت لكلمة سماحة آية الله الشيخ فاضل الصفار وقد تمحورت حول الحديث الشرف الوارد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «العالم حقاً هو الذي ينطق عنه أعماله الصالحة وأوراده الزاكية وصدقه وتقواه لا لسانه وصولاته ودعواه».
فقال: العالم الحقيقي وفق الحديث الشريف هو من اتصف بأربعة صفات:
1ـ إن تكون الأعمال الصادرة منه صالحة.
2ـ الأوراد الكاشفة عن تعبده وتعلقه بربه تعالى.
3ـ إن يكون صادقاً في تعامله مع الجميع.
4ـ ان يكون متقياً في اجتنابه المحرمات.
أما اذا تخلفت هذه المواصفات او بعضها فهو متلبس بالعلم وليس بعالم.
وعليه فان منطوق الحديث الشريف يوضح لنا شرطاً أساساً وصفة أساسية واجبة للعالم الحقيقي وهو تطابق العلم والعمل.
وأضاف: في هذه الأيام المشارفة على حلول أيام محرم الحرام وهي أيام تنحي لها قلوب الموجودات حزناً على سيد الشهداء عليه السلام وفيها تتعاظم مسؤوليتنا كعلماء وطلبة علم وخطباء وأئمة جماعة فأيام محرم تضعنا جميعا على المحك، وفيها ان الناس جميعا على صنفين:
الأول/ الصنف العامل لإحياء أمر سيد الشهداء عليه السلام وقضيته وإيصال صوته إلى أقصى بقاع المعمورة.
الثاني/ الصنف المتفرج، بل لعل البعض يكون مخذِّل للعاملين.
وقال كذلك: للتشرف بخدمة الحسين عليه السلام ونصرته لابد من الاتصاف بخصوصيات تتلخص بكلمة واحدة وهي: «العالم الرباني» وان شخصية العالم الرباني يكشفها العمل والورد والصدق.
ومن الواضح كما ورد في الأثر الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: «قيمة كل امرأ ما يحسنه» ولا يوجد أفضل من العلم، ومن هنا تتجلى أهميته بالنسبة إلى المبلغين فهل هم على استعداد كامل للعمل؟ وهل ما كتبه وألقاه من على منبر سيد الشهداء عليه السلام أخذه من المنابع الصافية من أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم.
المبلغ حتى يكون عالماً ربانياً لابد ان يُعد العدة ولا يستسهل عمل التبليغ ليتمكن من هداية الناس وإصلاحهم، ولكي لا يقع في الظلم للناس والعلم، حيث انه ان تكلم فوق قدراته فقد ظلم العلم وان تكلم فوق مستوى إدراك المتلقين فقد ظلمهم.
كذا ينبغي أن يكون معتقداً لما يعلم فان كان كذلك فهو العالم الرباني المستحق لإكرام أئمة أهل البيت عليهم السلام كما ورد في سيرتهم العطرة من إكرام العلماء الربانيين كما أكرم الإمام علي الرضا عليه السلام ابن أبي نصر البزنطي رضوان الله عليه والإمام الحسين عليه السلام كالإمام الرضا لا فرق بينهما كلاهما من نور واحد.
وعليه فاليعلم المبلِّغ انه تحت المراقبة والإشراف دائما وكل كلمة محاسب عليها فاليعد العدة جيداً ولا يصول او يجول وفق أهواءه وآراءه الشخصية بل يبلِّغ تعاليم العترة الطاهرة وأحاديثهم الهادية.
وأضاف: هناك خصوصيات كثيرة في جانب العمل اقتصر فيها على ثلاث:
1ـ التعلم من التجارب السابقة عبر السنوات المنصرمة حيث تراكمت التجارب فينبغي تلافي السلبيات والاستزادة من الفضائل والايجابيات.
2ـ تأسيس السنن الحسنة في المجتمع الذي يبلِّغ فيه.
3ـ المحافظة على العلاقات الاجتماعية بعد انتهاء مهمة التلبيغ المباشر في المحل الذي يبلغ فيه.
خامس كلمات المؤتمر كانت كلمة سماحة العلامة الحجة الشيخ حسين الأميري وقد استمدها من قوله تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود: 88.
فقال: المنبر الحسيني المبارك فن وعلم وتوفيق فمنبر فيه فن فقط غير ناجح او علم فقط كذلك، بل ينبغي ان يكون كلاهما فيه وإلا فيستطيع كل من لديه فن الخطابة ان يخطب الناس بلا علم.
ومن ثم بحث في بعض الجوانب الفنية في المنبر مؤكدا أهمية ان يعرف الخطيب متى يرفع صوته ومتى يخفضه وكيف يناقش المسائل المطروحة وغير ذلك، وكذا شدد من أهمية العلم قائلا بأنه أهم من الفن بالنسبة للخطيب فمنبر بلا علم كسمكة بلا ماء لا يمكن ان تعيش وتستمر في الحياة وعليه لابد من ان يكون الخطيب عالما، وهناك شرط أساسي ينبغي للأخوة الخطباء ان لا يغفلوه وهو الاستمرار في التحصيل الدراسي الحوزوي حتى يحصل الخطيب على درجة الاجتهاد او على الأقل الحضور في البحث الخارج سنوات عدة.
كما وتحدث حول أسباب التوفيق انطلاقا من الآية الشريفة صدر البحث مؤكدا ان التوفيق هو تهيئة الأسباب للعمل الناجح وهذا بيد الله تعالى ولهذا التوفيق أسباب كثيرة يأتي في مقدمتها طاعة الوالدين والإحسان اليهما وقد شهدنا الكثير من الوقائع في الحياة على هذا الأمر.
وهناك بعض الأسباب الأخرى ولعلها تخفى حتى على من وفق بسببها فلا يعلم سبب توفيقه وقبول منبره ففي بعض الأحيان هناك منابر لو عرضناها على الجانب العلمي والفني للمنبر لأُشكل عليها بأكثر من إشكال لكن نجدها موضع قبول من المجتمع الأمر الذي يكشف وجود سر غيبي وراء ذلك سببه لعله يخفى ولا يعلم إلا انه على الله سبحانه وهو من بيده التوفيق لا يخفى شيء.